بالنسبة لمشكلة شعب الإيجور في الصين
تحدثت قديما بشأن مشكلتهم بشئ من الإيجاز ، والآن يمكن شرح وضعهم بالتفصيل وبنقاط موجزة
أولا: الإيجور أقلية عرقية تركية تسكن في إقليم شنغيانج في غرب الصين والمسمى لدينا ب "تركستان الشرقية" وترجمتها "أرض الأتراك" بلغة الآريين في آسيا الوسطى، كذلك هي أقلية تبلغ حوالي 12 مليون نسمة تقريبا يعيش معها في شنغيانج ملايين من القرغيز والكازاخ وبعض الشعوب الصينية كقومية (الهان) بحوالي 6 مليون نسمة.
ثانيا: توجد مشكلة فعلا لهذه الأقلية لكنهم ليسوا وحدهم، معهم شعب القرغيز والكازاخ باعتبارهم أقليات عرقية مسلمة طالبت بالانفصال عن الصين قديما، أي لا توجد مشكلة للإسلام في الصين كعقيدة ولكن لأن بعض قيادات الإيجور هربوا لأمريكا وطالبوا بالانفصال ضمن حركة تسمى "الصحوة الوطنية لتركستان الشرقية" هذه الحركة الانفصالية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها هي التي تمول وتحشد للحملة الآن على الصين برعاية الحكومة الأمريكية...وللاطلاع على الرأي الآخر هذا رد الخارجية الصينية على أمريكا وجماعتها الانفصالية..
هنا... https://bit.ly/2PHwMHc
ثالثا: طبيعة المشكلة من ثلاثة أوجه:
1- سجن واعتقال كل قيادات المسلمين الانفصاليين في شنغيانج – وبعض أسرهم - في معسكرات تأهيل فكري وتعليمهم مبادئ الشيوعية وبعض المهن الحرفية كسبيل لتخليص الصين من الإسلام السياسي (فكريا) من ناحية، وإدخال تلك الأسر كعناصر إنتاج من ناحية أخرى، والصين تتعامل مع هذا الملف كنوع من (الحرب على الإرهاب) لكن بطريقة فكرية اجتماعية اقتصادية تتوافق مع مبادئ كارل ماركس والزعيم الصيني ماو، هذا صواب أم خطأ..هل يصادر الحريات أم لا ..يبقى ملف جدلي، لكن الصين متمسكلة به بشدة وتتعامل معه كأمن قومي.
2- ضعف التنمية في مناطق الإيجور مما أدى لزيادة الفقر وهرب الإيجوريين من جنوب شينغيانج إلى شمال الإقليم الذي يسكنه شعب الهان الصيني، حكومة بكين تبرر ذلك بأن منطقة جنوب شنيغيانج أصلا فقيرة طبيعيا وصحراوية جبلية بخلاف شمال الإقليم، مثلا فأقلية الإيجور تعيش على مساحة تقدر ب 9% من إقليم شينغيانج فقط برغم أنهم الأكثرية من حيث العدد، وإيصال التنمية إليهم شبه مستحيل لتمركزهم في حوض تحيطه سلسلة جبال من كل النواحي يبلغ ارتفاع أقل جبل فيها 2000 متر، أدى ذلك لتمرد من الإيجوريين ومشاعر احتقان ضد الحكومة الشيوعية فطالب بعضهم المساواه على الأقل مع شعب الهان لوقف هجرات شبابهم لمناطق الصينيين..
3-احتضان أمريكا للإيجوريين وشعب التبت منذ زمن كورقة تستخدم ضد الصين في أي صراع سياسي، مستغلين فقرهم ومطالبهم بالمساواه الاجتماعية والاقتصادية مع بقية سكان الصين، وشعب التبت أيضا يعاني من نفس المشكلة رقم 2 فهو يسكن منطقة عالية جدا في جبال الهملايا يجعل من تنميتها أمر مستحيل أو يكلف أموال باهطة جدا لا تقدر عليها أي حكومة، ويمكن اعتبار هذا الاحتضان الأمريكي للتبت ورعاية زعيمها "الدلاي لاما" هو الوجه الآخر من احتضانهم للإيجور وزعمائهم في جماعة "الصحوة الوطنية لتركستان"
رابعا: أغلب أخبار وصور وفيديوهات الإيجور ومشاهد التعذيب..إلخ هي (مفبركة) على طريقة بورما وإحيائها الآن بدافع سياسي تزامنا مع قمة كوالالمبور في ماليزيا، التي سبق وقلنا منذ يومين أنها تهدف لإنشاء كيان سياسي إسلامي محايد عن الغرب والسعودية ويوالي الشرق الروسي والصيني .
خامسا: قمة ماليزيا الإسلامية مدعومة من الصين سياسيا وإعلاميا، وأشرت أمس أنها مجرد نواه لتكتل إسلامي سيتسع مع الوقت ليتبنى وجهة نظر الصين في قيادة العالم، لذا فالمتضرر من القمة هو الذي يشعل الآن حملات الإعلام ضد الصين بسبب الإيجور وهما (الإعلامين السعودي والإماراتي) من ناحية، و (الإعلام الغربي) من ناحية أخرى ..خصوصا بريطانيا وأمريكا وألمانيا..
سادسا: الدول التي استقدمت "مجاهدين الإيجور" في سوريا وشكلت لهم كتائب الإيجور والترك المسلمين هي التي تنتفض الآن للحملة على الصين، علما بأن الصين رفضت عودة كتائب الإيجور من سوريا وهددت بإعدامهم..فالحملة الآن تتضمن إحدى أهدافها ضمان سلامة مقاتلي الإيجور في شنغيانج وتفادي خطرهم على أوروبا فيما لو قرر الغرب استقبالهم.
سابعا: بعض المثقفين وقع في شراك وخداع الإعلام وبدأ التسويق لمظلومية الإيجور وشيطنة الصين عن طريق وصفها بالقوة الاستعمارية برغم أن تاريخ الصين كله يخلو من استعمار هذا البلد لشعب آخر وطوال تاريخه صاحب حضارة مسالمة وفلسفة تربوية سلوكية روحية يصعب أن تنظر للآخر كمادة، وهي نفس ثقافة الشرق الأسيوي عدا اليابان..الهند كذلك وعندما يقرر الغرب استهداف الهند بنفس الطريقة سيفتح ملف كشمير الذي سبق وأن فتحه بعد حياد الهند وتأسيسهم مع عبدالناصر منظمة عدم الانحياز..
ثامنا: حكومة الصين لا تستهدف الإسلام كعقيدة ولكن (فكر الجماعات تحديدا) ولا مشكلة في ارتداء الحجاب في شنغيانج ولا الصوم والصلاه أو الشعائر، كذلك فالتعليم الديني الإسلامي غير محظور ومدارس المسلمين منتشرة في مناطق الإيجور لا أحد يتعرض لها، الذي يعتبر قيادات الإرهاب الإيجور على أنهم ممثلين للإسلام هو الذي يسوق الآن وينفق على الحملة الإعلامية بغرض سياسي كما قلنا يستهدف ضمان أمن قيادات الإرهابيين الإيجور العائدين من سوريا..
تاسعا: نفس الأبواق والمصادر التي تمول الحملة الآن على الصين هي التي كانت تشعل قضية (سنة إيران) من قبل ،وصدرت فكرة مفادها أن الشيعة يضطهدون السنة ويقتلوهم لترضيهم على أبي بكر وعمر، بل بالغوا وقالوا أن كل من يسمى عمر وأبي بكر عند السنة يقتلوه..!!..هذه الأوهام كان يسوقها صدام حسين من قبل ضد شيعة الجنوب العراقي في زمن الانتفاضة الشعبانية في التسعينات وإعلامه كان يسوق نفس الاتهام ضد الإيرانيين في الثمانينات لضمان الدعم السني والعربي وبالتالي الدولي في حربه ضد الخوميني..
عاشرا: الحملة الآن على الصين طائفية في جوهرها لا تتعلق بحقوق شعب الإيجور ولكنها تكرار للحشد العربي والغربي الإعلامي بطريقة دينية ضد الاتحاد السوفيتي، وخلق مقاربة عقائدية قوامها كالتالي (الشيوعية كفر بينما الرأسمالية والبنك الدولي إيمان) (البوذية كفر وشرك وثني بينما المسيحية الكاثوليكية إيمان) وهي المقاربة التي سادت الشرق الأوسط طوال الحرب الباردة وعن طريقها تم استحمار الشعوب العربية إلى أن أصبحوا وقودا في حرب الغرب مع السوفييت، الآن يريدون إحياء هذا المشهد بجعل العرب وقودوا في صراع الغرب مع الصين الذي سيتطور لاحقا لحملات مقاطعة شعبية وتكفير وشيطنة تخدم هيمنة الرأسماليين وتحديدا الفكر النيوليبرالي الجديد المهيمن على البنك الدولي.
حادي عشر: الإسلام السياسي ثبت يقينا أنه يتطور وينتعش مع سياسات الغرب ودعمهم، لكنه يموت مع الروس والصينيين، لذا فأنا أستغرب انضمام بعض المثقفين للحملة رغم علمهم اليقيني بأن أحد أدوات الغرب في صراعه مع الشرق هو (الدين) إضافة لملف حقوق الإنسان الذي يتعاملون معه بازدواجية تسمح لحلفائهم في الخليج وشمال أفريقيا بانتهاك تلك الحقوق لكن يقيمون الدنيا لو فعلت الصين وروسيا ذلك..
ثاني عشر: مشكلة الإيجور حديثا بدأت مع تنفيذ عمليات إرهابية وانتحارية فعلها بعض الإيجور المسلمين خارج إقليم شنغيانج مما أدى لوقوع 900 قتيل تقريبا، حدث ذلك عام 2009 بعدها شرعت حكومة بكين في إنشاء معسكرات اعتقال للمتهمين والمشتبه بهم وأسرهم لمدة مؤقتة يتعلمون فيها مبادئ الاجتماع وتحويلهم لعنصر إنتاج يعالج إشكالية فقر موطنهم الأصلي المشار إليه في النقطة رقم 3، وفي الرابط التالي استعراض لتاريخ الإرهاب والتمرد العسكري الإيجوري بشكل موجز..
هنا... https://bit.ly/2McJKL5
ثالث عشر: الفقر والبطالة المنتشرين بين الأيجور جعلهم مادة خصبة لاستثمار الجماعات الإرهابية ورعاتهم الدوليين من الخليج والولايات المتحدة، ذكرت منذ قليل أن جماعة الإيجور المقاتلة في سوريا تم تجنيدها بنفس الطريقة وهي استغلال عوامل الفقر والدين منذ سنوات ، قبلها كان دعاة السلفية الوهابية ينشطون في آسيا الوسطى حتى يمكن اعتبار أن بعض مناطق الإيجور كانت تمثل حاضنة شعبية للإرهابيين على غرار سيناء في مصر وبوكو حرام في نيجيريا وإدلب في سوريا، مع العلم أن علاج الصين لمشكلة الإرهاب ليس كما نفعله ولكن لهم طريقتهم الخاصة جدا والمتفقة مع مبادئ ماركس وماو الاجتماعية والفكرية.
رابع عشر: هذا لا يعني أن شعب الإيجور يحب الحكومة الصينية أو أنه لا يشعر بالغُبن، يوجد هناك رفض شعبي لما يحدث ويشعرون بالظلم والازدواجية تجاه شعب الهان شركائهم في الإقليم، لكن كما قلنا أن مناطق الإيجور قاسية جدا من الناحية المعيشية ولا يمكن لأي حكومة حل مشكلاتهم الاقتصادية بسهولة، لكني شخصيا أشعر بأن حكومة بكين مقصرة في ذلك لأسباب تتعلق بالانفاق العالي الذي سيحدث مع نتائج ضعيفة، فالصيني عندما يفكر بطريقة اقتصادية لا يغامر بالخسارة ولو اضطر للمغامرة فيكون ضامنا للربح على المدى الطويل، ونلاحظ ذلك من سياساتهم الإنتاجية والتجارية حيث يبالغون جدا في إنتاج السلع مع عدم التشديد على الأسعار لعلمهم أن رواج منتجهم في المدى الطويل يخدمهم، هنا يشعرون أنه حتى لو تمت التضحية بتريليونات الدولارات فقد يذهب ذلك لصالح المتطرفين.
لذلك فالحكومة هناك – حسب تصريحاتها الرسمية – تعمل على مسارين اثنين، الأول : القضاء بشكل كلي على الإسلام السياسي المنتشر في جنوب شينغيانج مع الإيجور، والمسار الثاني: بتحقيق تنمية على مراحل ولو بدأت بشكل ضعيف مما هو مأمول..
خامس عشر:الدين الشعبي في الصين تقليديا هو (علماني) في جوهره، أي دين يفكر بطريقة روحية هو علماني بالضرورة يفصل بين مقومات الدنيا والمادة وبين مقومات الروح والميتافزيقيا، لذلك فالصينيين لا يمكنهم ثقافيا القبول بالإسلام السياسي ليس لأنه في جوهره خطير ولكن لأنه يصادر فكرة الأغلبية عن الوجود، وكذلك لا يمكنهم استخدامه وتوظيفه سياسيا لمصالحهم كونهم يؤمنون بمبادئ الاجتماع والاشتراكية والمادة اقتصاديا خلافا للغرب الذي لو لم يؤمن بالإسلام السياسي لكن يمكنه توظيفه لصالح رؤوس الأموال، الصين هنا تفكر كمجتمع لا يمكنه الاتفاق على الدعم حتى لو كان ضد إرادة فرد واحد، لذا فمشكلة الإيجور ستظل ما دامت قياداتهم غير علمانية وتطالب بالانفصال ، وكذلك سيظلوا مكروهين شعبيا في الصين كله مادامت أمريكا تحتضن قياداتهم..
سادس عشر: تواصلت مع بعض الصينيين والقرغيز ألكترونيا وشهدوا بتلك الشهادة
1- معسكرات الاعتقال هي ليست اعتقال بل تعليم لغة (الماندرين) اللازمة للتفاهم مع شعب الهان الصيني ومنهم من يذهب إليها بإرادته، لأن شباب الإيجور يهاجر من جنوب شينغيانج لشماله عند الهان فيحتاج لتعلم لغة الماندرين بنظام الكورسات، وكذلك تعليم (حرف ومهن صناعية وزراعية) لإيجاد فرص عمل سواء في شنغيانج أو خارجه.
2- العُرف الصيني المحلي يؤمن بالسلام والتسامح دون شرط ، وأولى هذه الأعراف المنتشرة "احترام الحكومة" ثقافة الأسيويين هناك أبوية يرون فيها الحاكم كأب ولا خلاف في ذلك بين الكوريين والصييين واليابانيين، فكرة التمرد العسكري هناك قبيحة جدا، ما بالك وهذا التمرد عند الإيجوريين جاء لأسباب دينية أو سياسية عميلة للولايات المتحدة..
3- المعسكرات تعليم أيضا للشيوعية، وليست جميعها نظيفة المقصد بل هناك يتم احتقار الدين الإسلامي لقيامه على فكرة الحلال والحرام، هناك في المعسكر قد يضطر المتعلم لأكل الخنزير مثلا أو شرب الخمر..وهذه من سوءات المعسكر التي رووها لكنها مبررة عند بعضهم أنها الطريقة الوحيدة – حسب العرف الصيني – لتخلي هؤلاء عن التشدد، وهذا غير مقبول طبعا..لكنهم شهدوا في نفس الوقت أن هذه السياسة محصورة فقط داخل أسوار المعسكر لا خارجه ، وبالتالي هي موجهه فقط ضد المتطرفين لا المسلمين الطبيعيين في الخارج..
سابع عشر: سبق للاتحاد السوفيتي أن مارس سياسات أكثر عدوانية تجاه مسلمي آسيا الوسطى بهدف القضاء على أيدلوجيا الإسلاميين، وتم استبدال لغاتهم المحلية بحروف سريلية روسية وتم التشنيع على أي معتقد ديني يتدخل في خصوصيات الآخر، لذلك ورثت هذه الدول تركة ثقافية علمانية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبرغم جهود الغرب والخليج هناك لنشر الوهابية لكن ظلت شوكتها ضعيفة عدا بعض مناطق الأوزبك والقوقاز التي بدأت تتعافى الآن من الوهابية في أعقاب انهيار دولة الشيشان واجتياح الجيش الروسي لجروزني، وبرغم عدوانية السوفييت هذه لكن شعوب آسيا الوسطى لا تكرههم الآن ويوجد تطبيع كامل بينهم طال بعض جوانب الثقافة عِوضا عن السياسة.
ثامن عشر: من النقطة السابقة فالصين تهدف لنشر العلمانية والشيوعية عند الإيجوريين أسوة بما فعله السوفييت، ويتوقعون نفس النتائج أن الإيجوريين لن يكرهوهم بل سيرثوا منطقة علمانية وعُرفا شعبيا يكره أيدلوجيا الإسلاميين في المستقبل، لذلك يدعون أن هذه المعسكرات فائدتها كبيرة ثقافيا وسياسيا لصالح الصين، سوى ذلك من أخبار وصور وفيديوهات تخص مشكلة الإيجور فهي من فبركات الإعلامين الغربي والخليجي ، والحملة الآن ليست سوى استخدام وتوظيف لمشاعر المسلمين بطريقة سياسية حيث ستتطور الحملة مستقبلا لشعارات مقاطعة تقودها الحركات الإسلامية التي ربما ستنتعش بنفس طريقة انتعاشها السابق إبان الحشد والتحريض ضد الاتحاد السوفيتي..
تاسع عشر وأخير: هذا المقال ثمرة بحث أيام وليس ساعات، وقد حرصت على إيجاز المشكلة من نواحي متعددة منعا للتكلف، وأطالب زملائي المثقفين بتحري الحقيقة في كل ملف يشكل صراعا بين الشرق والغرب، واعلم أنه مهما بلغت الحملة الإعلامية أوجها والتحشيد الأيدلوجي والطائفي انتشاره لكن لن تتقدم أي دولة بشكوى رسمية ضد الصين لانعدام الدليل وقوة المبرر الصيني وستظل الحكومات تتعاون مع بكين رغم دعمها لحملات في السر، وقتها اعلم أن الهدف هو أنت شخصيا كمادة في المستقبل ستوظف لصالح جماعات دينية وأيدلوجية لها مصالح مع الغرب وستوظف كوقود ضد الصين في أي صراع مستقبلي..