تمر اليوم الذكرى الرابعة عشرة لوفاة الاديب والشاعر السوري الكبير محمد الماغوط، الذي اختار أن يعيش التمرد والعيش خارج السرب عنواناً لمسيرته الأدبية والإنسانية.
ولد الشاعر محمد الماغوط في مدينة سلمية عام 1934. وكان ينحدر من أسرة فقيرة، فقد قضى والده، أحمد عيسى، حياته بالعمل فلاحًا بالأجرة في أراضي الآخرين. وقد كان قاسيًا في معاملة ابنه محمد الذي وصفه قائلًا: " كان أبي لا يحبني كثيراً، يضربني على قفاي كالجارية... ويشتمني في السوق."
كانت روح التمرد مغروسة في نفس محمد الماغوط منذ الصغر، إذ بدأ التدخين في التاسعة من عمره فقط. اقتصر التعليم الذي ناله الماغوط في طفولته على الدروس التي كان يتلقاها مع أبناء الفلاحين الآخرين في "الكُتّاب"، والتي شملت القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم.
وعندما أنهى الماغوط دراسته في "الكُتّاب"، انتقل إلى الدراسة في المدرسة الزراعية الموجودة في المدينة. وفي تلك الفترة، تعرف على الأستاذ والشاعر سليمان عواد، الذي كان ينشر كتاباته في دوريتي "الآداب" و"الأديب"، وهنه اطلع على الشعر الحديث، ولاسيما مؤلفات الشاعر رامبو.
انتقل الماغوط إلى دمشق لمتابعة دراسته الثانوية، فقصد ثانوية "خرابو" الزراعية في غوطة دمشق. لم يكن الماغوط في الحقيقة يهوى الزراعة أو العمل في الأرض، ولكن ظروف أهله المادية، وتقديم المدرسة للطعام والشراب مجانًا دفعاه إلى الى الدراسة فيها. ومع ذلك، لم يكمل دراسته، وخرج من المدرسة قاصدًا دمشق، ومنها عاد إلى سلمية.
عندما عاد الماغوط إلى سلمية، قرر الانتساب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. آنذاك، كان في سلمية حزبان فقط؛ البعث والقومي السوري، فكان الثاني خيار الماغوط نظرًا لاحتوائه مدفأة، وهو أمر لم يكن شائعًا تلك الأيام في منازل الأسر الفقيرة.
بدأ الماغوط تأليف الشعر، فكتب قصيدة "غادة يافا" التي نشرت في مجلة الآداب اللبنانية. وبعدها اضطر للذهاب إلى الجيش لأداء خدمته الإلزامية، ولكن رغم ذلك لم ينقطع عن كتابة الشعر، فألف قصيدة "لاجئة بين الرمال"، التي نشرت في دورية الجندي الأدبية.
في خمسينيات القرن الماضي، تعرض الماغوط إلى الاعتقال في السجن بعد اغتيال عدنان المالكي، واتهام الحزب القومي السوري بالوقوف وراء العملية، فتعرض أفراد الحزب للملاحقة والاعتقال، ومن ضمنهم الماغوط، الذي أمضى في السجن بضعة شهور.
بعدما خرج الماغوط من السجن، عزم على السفر إلى بيروت، وهناك التقى بعض المثقفين المشهورين أمثال يوسف الخال، وأدونيس وغيرهم. وانضم بعدها إلى قائمة الشعراء والكتاب في مجلة "شعر"، وألف عددً من القصائد أهمها "حزن في ضوء القمر".
تعرف الماغوط في بيروت على الكثير من الشعراء والأدباء اللبنانيين والعرب، فالتقى الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، ونشأت بينهما صداقة قوية، كما التقى زوجته سنية صالح في منزل الشاعر أدونيس. صدر أول ديوان شعري للماغوط عام 1959 عن دار مجلة شعر، وكان عنوانه "حزن في ضوء القمر"، وفي العام التالي أصدر ديوانه الثاني "غرفة بملايين الجدران".
في ستينيات القرن الماضي، أقبل الماغوط على العمل الصحفي، فنشر عدد مقالات ساخرة في مجلة البناء، وأصدر مسرحية "المهرج" عام 1960. بعدها، عيّن الماغوط رئيس تحرير مجلة الشرطة، وكتب فيها مقالات ساخرة دوريًا.
وبالإضافة إلى ذلك، ألف الماغوط عددًا من المسرحيات الساخرة أهمها: ضيعة تشرين، وغربة وكاسك يا وطن. واستمر الماغوط بالعمل الصحفي خلال عقد السبعينيات، فكتب في صحيفة تشرين السورية، كما كتب أيضًا في مجلة المستقبل، التي كانت تصدر في مدينة باريس الفرنسية.
كانت فترة الثمانينيات من القرن الماضي كارثية على حياة الماغوط؛ إذ فجع بوفاة أخته ووالده وزوجته خلال مدة قصيرة بين عامي 1984 و1985، وبعدها بثلاثة أعوام توفيت والدته أيضًا. كان لوفاة زوجته أثر بالغ عليه، وحزن عليها حزنًا كبيرًا، ولم يتزوج مجددًا بعد وفاتها.
عاد الماغوط بعد ذلك إلى التأليف، فكتب عدة سيناريوهات لأفلام سينمائية مهمة مثل التقرير، والحدود والمسافر، بالإضافة إلى بعض المسلسلات التلفزيونية أشهرها حكايا الليل. من جهة أخرى، نشر الماغوط نصوصًا شعرية جديدة في مجلة الوسط التي تصدر في لندن.
تزوج محمد الماغوط من سنية صالح، وأنجبا طفلتين: شام التي أصبحت طبيبة وتزوجت لتستقر أخيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وسلافة التي تزوجت وعاشت في دمشق أما من حيث ديانة محمد الماغوط ومعتقداته وطائفته الأصلية ، فقد ولد لعائلة مسلمة إسماعيلية
نشر محمد الماغوط خلال سنوات حياته الأخيرة عددًا من الدواوين الشعرية أهمها: سيّاف الزهور2001، و"شرق عدن غرب الله" 2005 و"البدوي الأحمر" 2006.
توفي الماغوط في دمشق عام 2006، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، ودفن في بلدته الأم السلمية.
حاز الماغوط على الكثير من الجوائز منها جائزة "سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر" عام 2005، وحاز جائزة "سعيد عقل" الشعرية. كما منحه الرئيس السوري بشار الأسد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى.
لم يكن الماغوط راضيًا عن مسرحياته التي عرضت على خشب المسرح، وقال إنها قد تعرضت للتحريف.
من مسرحياته ضيعة تشرين، شقائق النعمان، غربة، كاسك يا وطن، خارج السرب، العصفور الاحدب، المهرج.
وفي التلفزيون كتب حكايا الليل، وين الغلط، وادي المسك.
ومن أعماله السينمائية: فيلما الحدود والتقرير.
أما اهم أعماله الأدبية : حزن في ضوء القمر - غرفة بملايين الجدران -الفرح ليس مهنتي، الأرجوحة، سأخون وطني، سياف الزهور.
من أشهر أقواله:
"لو كانت الحرية ثـلجاً لنمت في العراء"
"عمرها ماكانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع اللي يعتبرون نفسهم بعد الله" من مسرحية شقائق النعمان
"بدأت وحيداً، وانتهيت وحيداً كتبت كإنسان جريح وليس كصاحب تيار أو مدرسة"
"لماذا خلقني ؟ وهل كنت أوقظه بسبابتي كي يخلقني ؟"
"إنني أعد ملفا ضخما عن العذاب البشري لأرفعه إلى الله فور توقيعه بشفاه الجياع وأهداب المنتظرين، ولكن يا أيها التعساء في كل مكان جُلَّ ما أخشاه أن يكون الله أميّا"
"أنا نبي لا ينقصني إلاّ اللحية والعكاز والصحراء "
"حبك كالإهانة لا ينسى"