برغم عشرات القرارات الاممية التي تتحدث عن الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها حق تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية، وبرغم عشرات مشاريع ومبادرات التسوية السياسية، وبرعم هدر نحو خمسة وعشرين عاما من المفاوضات مع الحكومات الاسرائيلية، وبرغم اوسلو الذي تحدث عن دولة فلسيطينية تقام في ايار/1999، وبرغم كل الوثائق التاريخية الاخرى التي تؤكد الحقوق الفلسطينية، إلا ان الشعب الفلسطيني لم ينل أيا من حقوقه التاريخية، والدولة الفلسطينية المنشودة لم تقم، بل اننا نتابع اجماعا صهيونيا على تدمير فرص ومقومات الدولة ، وهذا ليس عبثا، فالنوايا والمخخطات مبيتة....!
وفي هذا السياق يوثق ناشط السلام الاسرائيلي في مقال نشر على موقع "كاونتر بنش"الاميركي-27 /5/ 2012، خلاصة تجربته ومعرفته بالاجندات الصهيونية الحقيقية ، فيكشف النقاب على سبيل المثال عن"ان الاباء المؤسسين للصهيونية قد تبنوا شعارا يقول"ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"(وهو ما وضعه في وقت سابق مسيحي بريطاني صهيوني النزعة)، وهم يعتقدون ان ارض الميعاد خاوية على عروشها، لكنهم كانوا يعرفون انه كان فيها شعب"، ويضيف:"الحركة الصهيونية لم تحصل على جواب صريح قط على تساؤلها الاساسي: كيف يمكن اقامة دولة يهودية في دولة يسكنها شعب آخر، ولا يزال التساؤل حتى اليوم من غير جواب"، ويكشف افنيري هنا ما اطلق عليه الرمز الجيني للحركة الصهيونية قائلا:"لكن هذا لم يكن الا ما يبدو على السطح، ففي مكان ما تحت السطح تجد الصهيونية الرد، وهو ما يتضح من تلقاء ذاته، بانه لا حاجة الى التفكير في الموضوع، وقلة كانت لها الشجاعة للاعراب عنه صراحة، انه مكتوب في "الرمز الجيني للحركة الصهيونية، وبالتالي في وليدته دولة اسرائيل، وهذا الرمز يقول: دولة يهودية على كل اراضي اسرائيل، وبالتالي: معارضة كاملة لاقامة دولة فلسطينية – في اي وقت وفي اي مكان في البلاد وباي ثمن"، ويردف افنيري:"وتبدو سياسة اسرائيل الصهيونية مثل نهر ينطلق نحو البحر، وعندما يواجه عقبة، يدور حولها، ينقسم الممر الى اليمين والى اليسار، واحيانا الى الخلف، لكنه يحتفظ بتصميمه العجيب نحو الهدف، والهدف المطلوب هو قبول كل تنازل يمنحنا ما يمكننا ان نحصل عليه في اي مرحلة، ولكن من دون ان نحيد عن الهدف النهائي على الاطلاق، وهذه السياسة تسمح بالتنازل عن كل شي، الا واحدا: دولة عربية فلسطينية تؤكد وجود شعب عربي فلسطيني".
وفي الجوهر، فان هذا الرمز الجيني للحركة الصهيونية انما يعني تطهيرا عرقيا اباديا شاملا للوجود الفلسطيني، كي تغدو البلاد بلا شعب لشعب بلا ارض، وبينما يستخلص افنيري بان "عملية التطهير العرقي، البديل لحل الدولتين، تبدو مستحيلة، وان الهدف الرئيسي وصل الى طريق مسدود"، فان المشهد الماثل في هذه الايام في فلسطين..في مدنها وقراها وخربها وامكنتها المختلفة، هو ذلك المشهد التدميري الذي لا يبقي ولا يذر من الارض والعرب شيئا...!
ما يعيدنا بداية الى استحضار تلك الخطط التي عملوا بها ما قبل قيام دولتهم، فحسب الدكتور"ايلان بابيه" فقد وضعت الصهيونية خطة مكتوبة للتطهير العرقي في فلسطين قبل النكبة بسنوات تم تطويرها مع الوقت إلى أن تبلورت نهائيا فيما يعرف بـ"الخطة- د".
ففي سياق مخططها الاستراتيجي للسطو على فلسطين بغية اقامة الدولة الصهيونية، كانت الحركة الصهيونية –بتنظيماتها العسكرية الارهابية العديدة آنذاك- قد تبنت ما اطلقوا عليها الخطة – ج- التي نصت بوضوح على ما ستشمل عليه الاعمال الاجرامية ضد العرب من ضمن ما نصت عليه-وكنا قد وثقناها في مقال سابق ونستحضرها مرة اخرى للتذكير-:
قتل القيادات السياسية الفلسطينية، قتل المحرضين الفلسطينيين ومن يدعمونهم ماليا، قتل الفلسطينيين الذين يعملون ضد اليهود، قتل ضباط ومسؤولين كبار كانوا يعملون مع سلطات الانتداب، تخريب المواصلات الفلسطينية، تخريب موارد العيش الفلسطينية: آبار المياه، الطواحين ...الخ، مهاجمة القرى الفلسطينية المجاورة التي يحتمل ان تساعد في الهجمات في المستقبل، مهاجمة النوادي الفلسطينية، والمقاهي، وأماكن التجمع... الخ.
وبعدها عمدت الصهيونية الى تطوير الخطة-ج- وقامت بصياغة جديدة للخطة الاخيرة خلال اشهر قليلة اطلقت عليها الخطة -د- ، وهي الخطة التي قررت مصير العرب داخل المنطقة التي كان زعماء الحركة الصهيونية يتطلعون الى اقامة دولتهم اليهودية المقبلة عليها.
وكما وثق لاحقا، فمنذ الإعلان عن قرار التقسيم الصادر في 29 تشرين الثاني 1947، تم الإفراج عن الخطة "د" لوضعها موضع التنفيذ، بعد إقرارها – نهائياً- من قبل قيادة الهاغانا في 10 آذار 1948، وكانت تقضي، كما اعترف الجنرال "يادين" في مقابلة مع صحيفة "حداشوت" في "كانون الأول 1985، بـ "تدمير القرى العربية المجاورة للمستعمرات اليهودية، وطرد سكانها".... أما "بن غوريون" فقد أصدر، كما هو مدون في يومياته، أمراً في 19 كانون الأول 1947 يقضي بأن "كل هجوم يجب أن يكون ضربة قاضية تؤدي الى تدمير البيوت وطرد سكانها".... وما بين الامس ..امس النكبة والتهجير والتهديم والمجازر، واليوم، نتابع البلدوزر الصهيوني كيف يواصل مهمته التي لم تنجز من وجهة نظرهم...!
ما يعزز القناعات الفلسطينية العربية الموروثة عن الآباء والاجداد، بان الصراع مع ذلك المشروع الصهيوني هو صراع وجود وبقاء، لا يمكن حله الا بانهاء المشروع الصهيونية وتفكيك الرمز الجيني للحركة الصهيونية وعودة فلسطين عربية بالكامل.
نواف الزرو
Nzaro22@hotmail.com


