رغم مرور ثمانية عشر عاما على معركة جنين، ومرور سنوات عديدة على فيلم"جنين-جنين"، إلا ان رئيس أركان جيش الإحتلال أفيف كوخافي لم ينس المعركة ولم ينس الفيلم، فشن الأربعاء- 01/7/2020-هجوما على المخرج الفلسطيني محمد بكري مخرج فيلم "جنين - جنين" الذي يتحدث عن معركة المخيم التي وقعت خلال انتفاضة الأقصى عام 2002، وارتكب جنود الاحتلال مجازر بحق أهل المخيم، وقال كوخافي خلال حفل تخريج ضباط إسرائيليين: "إن الفيلم يعمل على تشهير صورة الجنود الإسرائيليين الذين حاربوا باحتراف وحزم من منزل إلى منزل، وبذلوا جهودًا كبيرة لمنع وقوع إصابات في صفوف المدنيين الفلسطينيين-حسب زعمه، وأضاف: "جنودنا خرجوا لاعتقال الأعداء الذين أرسلوا العشرات من (الانتحاريين) إلى مراكز التسوق والحافلات، وكان علينا مداهمة قراهم واقتحام المدن الفلسطينية لوقف الهجمات .. وكان مخيم جنين للاجئين من أكثر الأماكن عنفًا ووحشية"، واعتبر كوخافي ما جاء في الفيلم بأنه مضلل وكاذب ويشمل تحريف كبير، معتبرًا أن الفيلم بهذه الطريقة لا يعني حرية التعبير. فما الذي حصل فعلا إذن في معركة مخيم جنين....؟! ولماذا تثور ثائرة رئيس اركانهم اليوم بعد ثمانية عشر عاما من المعركة....؟! فهل أوجعتهم نتائج المعركة الى درجة عميقة لم يتمكنوا من نسيانها حتى اليوم....؟! دعونا نستحضر شيئا من تفاصيل وعناوين المعركة الاسطورية التي جرت على ارض المخيم والتي اعتبرت من اكبر واضخم المعارك التي واجهها جيش الاحتلال مع الفلسطينيين. فالمعركة تحولت الى اسطورة تأبى النسيان.. وحكاية ملحمية من حكايات انتفاضة الاقصى الموسوعية.. ثمانية عشر عاما انقضى عليها وما تزال في الذهن والذاكرة ... صفحة ناصعة في موسوعة المعارك الاسطورية في مواجهة"الجيش الذي لا يقهر"... قلبت في حينه كافة الحسابات العسكرية الاسرائيلية... وكان أبطالها من زمنٍ آخر، قاتلوا بروحٍ وعزيمة اذهلت ذلك الجيش المتعجرف.. نساؤها وشيوخها وأطفالها كتبوا بدمائهم وبطولاتهم ملحمة صمودية ترسخت في الوعي والذاكرة الوطنية الفلسطينية والعربية. اطلق عليها بعض الكتاب الاسرائيليين اسم"ستالينغراد الفلسطينيين"... واطلق عليها الفلسطينيون"جنينغراد"... انها معركة وملحمة جنين التي لا يمكن للفلسطيني اوالعربي ان يمر هكذا على ذكراها دون ان يستحضرها، برغم زخم وتلاحق الاحداث اليومية الكبيرة، تلك المعركة التي ارتقت في الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي الى مستوى الاسطورة. فحينما يجمع المتحدثون عن المعركة على ان اسطورة مخيم جنين شهد لها العدو قبل الصديق وباتت منهاجا يدرس في المعاهد والجامعات العسكرية العالمية، يتعلمون فيها أن ما حدث في مخيم جنين حقيقة وليس من نسج الخيال، يتعلمون كيف يصمد ثلة من الشبان المقاومين امام اعتى آلة عسكرية في العالم، فان هذه الحقيقة الكبيرة ليست من نسيج الخيال الفلسطيني. فباعترافات الإسرائيليين أنفسهم فقد"كان مخيم جنين الموقع الذي دفع فيه الجيش الإسرائيلي الثمن الأبهظ / صحيفة هآرتس 7/4/2002 "، ولأن القوات الإسرائيلية فشلت تماماً باقتحام المخيم على مدى سبعة أيام كاملة، ولأن " المعارك في المخيم كانت قاسية جداً ومثقلة بالإصابات- في الجانب الإسرائيلي-، فقد قرر الجيش الإسرائيلي استخدام الجرافات العملاقة في هدم المنازل التي دارت فيها معارك ضارية وأخفقت القوات والدبابات في اقتحامها وعدم تطهيرها بواسطة إدخال الجنود إليها، ولأن المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين في المخيم أظهروا مقاومة أسطورية لم تكن في حسابات الإسرائيليين، إذ نجحت في تمريغ أنوفهم في الطين، وحطمت قدرة الجيش الأسطوري معنويا، ولأن بلدوزرهم - شارون- كان يبيت المجازر والدمار والخراب للفلسطينيين، فقد"باشر الجنرال شاؤول موفاز رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك بتولي قيادة الهجوم على المخيم بنفسه، بعد أن أخفق كبار قادة الجيش في منطقة المخيم في كافة محاولات الاقتحام. دفع الجيش الإسرائيلي بأرتال كبيرة من الدبابات والمدرعات والجرافات المعززة بغطاء جوي مرعب يتكون من أسراب مروحيات " الأباتشي" وغيرها، ومدججة بالنوايا والنزعة الانتقامية الرهيبة لدى ضباط وجنود جيش الاحتلال، الأمر الذي ترجم عملياً على أرض المخيم باقتراف أعمال القتل والتدمير بصورة مكثفة، فاقترف جيش الاحتلال المجزرة الشاملة في المخيم من قتل جماعي وتهديم وتدمير شامل وترحيل جماعي للمدنيين، وعزلت قوات الاحتلال المخيم تماماً، وقطعت الماء والكهرباء والاتصالات والمواد الغذائية ، كما منعت كافة أشكال الإغاثة الإنسانية للجرحى والأطفال والنساء والشيوخ .. قال بيار بار بانسي الصحافي العامل لحساب صحيفة لومانيتيه الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الفرنسي الذي أمضى 48 ساعة في المخيم عند حاجز جلمة"أنه بحسب العديد من شهادات الفلسطينيين فإن الجيش الإسرائيلي قام بدفن الجثث في حفرة الساحة المركزية للمخيم وردمها بالأسمنت"، وأضاف "أن وسط المخيم بات يشبه برلين عام 1945 نظراً لحجم التدمير الفظيع" . واعترف أحد جنود كتيبة الهندسة العسكرية الإسرائيلية الإحتلالية التي شاركت باقتحام المخيم فجر الرابع من نيسان 2002 قائلاً :"إن الوضع هناك مرعب، إننا ننتقل من بيت إلى بيت غير أنهم يقاتلون بشراسة". وجاء في تقرير لصحيفة يديعوت:"المسلحون الفلسطينيون لا يغادرون المخيم، وهم يقاتلون، لقد زرعوا مئات العبوات الناسفة وأعدوا السيارات المفخخة، ولديهم حوافز مجنونة، ويقاتلوننا بشراسة ولا يتنازلون"، وأضاف جندي إسرائيلي آخر:"إن ما يجري هناك يشبه الغرب الجامح، والجنود يستقبلون النيران الفلسطينية من كافة الاتجاهات، وفي كل الاتجاهات، كما تتطاير عشرات العبوات الناسفة من فوق رؤوس الجنود .. والرصاص أيضاً يمر قرب رؤوسهم". وصرح قائد الفرقة الجنرال اييل شلاين لإذاعة صوت إسرائيل قائلاً :"لقد تعلم الفلسطينيون من المعارك واستخلصوا العبر، وأخذوا يخوضون معارك هي الأشرس حتى الآن". ووثق المحلل العسكري الإسرائيلي رؤوبن فدهتسور المعركة قائلاً :"أن من قرر احتلال مخيم اللاجئين في جنين قد أخطأ ليس فقط في تحليل المعطيات الإستخبارية، بل وأيضاً في فهم آثار القتال هناك، ففي كل الأحوال ستسجل هذه المعركة باعتبارها ستالينغراد الأمة الفلسطينية". الى ذلك، لا تتوقف القصص والحكايات عند حد معين ففي كل زاوية وممر قصة، وتحت كل منزل مهدم وركام منثور بطولة شهيد التصق بالسلاح، هناك استشهد طه زبيدي، وهنالك استشهد شادي النوباني، وهنا استشهد الشيخ رياض بدير، وهناك ايضا محمود، ومحمد وغيرهم من المقاتلين الأبطال. تحول مخيم جنين إلى اسطورة تأبى النسيان، والى حكاية ملحمية تنتقل من بيت الى بيت على امتداد خريطة فلسطين....يحق للفلسطينيين والعرب ان يفخروا بها على مدى الاجيال...
نواف الزرو