لا انفكاك بين الساحات في محور المقاومة, الإشتباك مع العدو في الساحات المقاومة يصب في مصلحة جميع عناصر محور المقاومة, هذا الأمر طبيعي, فالعدو واحد وأي انجاز في ساحة من الساحات هو انجاز لكل محور المقاومة, عدونا وان اختلفت مسمياته بستهدفنا ويستهدف وجودنا, سواءً كان العدو, إسرائيلياً, أمريكياً, أوروبياً استعمارياً أو أطلسياً تركياً أو من أتباع كل ذكرت أسمائهم بمسمى عربي.
إضاءات تقدم لقرائها الكرام هذا المقال الهام للدكتورة ميادة رزوق لما فيه من تعميم للفائدة.وربط جدليّ قيم لما دار ويدورفي وطننا العربي.
موقع إضاءات الإخباري
كتبت د. ميادة ابراهيم رزوق
ـ من اتفاقية كامب ديفيد إلى مشروع «نيوم» مخطط امبريالي صهيوني عسكري اقتصادي متكامل لشرق أوسط جديد وفق أجندة صهيوأميركية تشمل الكيان الصهيوني بدولته المزعومة (إسرائيل) كلاعب وجزء أساسي من المنطقة، وتكمن تفاصيل ذلك في كتاب «الشرق الأوسط الجديد» لوزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز الذي صدر عام 1993 ، وتضمّن رؤيته لمستقبل المنطقة بأحلام كبرى تربط بين (إسرائيل) وفلسطين والأردن ومصر والسعودية بمشروع سياسي اقتصادي يخلق سوقاً اقتصادية في المنطقة على غرار السوق الأوروبية المشتركة، وبتحالف عسكري موحد على غرار حلف الناتو، من خلال إنشاء شبكات كهربائية لا تعترف بالحدود، ومنطقة حرة بلا حدود بين السعودية ومصر و(إسرائيل) ليتوافق ويترجم ذلك وفي وقت لاحق بـ (رؤية2030 ) لولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحت اسم «نيوم» اختصار لجملة المستقبل الجديد، والذي يتضمّن إنشاء منطقة حرة تقع في قلب مربع يجمع السعودية ومصر والأردن وفلسطين المحتلة.
ـ بين هذا وذاك تتالت الأحداث على المنطقة ضمن إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي حلم به قادة ومنظري الكيان الصهيوني وأبرزهم شمعون بيريز، وبدأ ذلك بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 التي أخرجت مصر من معادلة الردع العربي، والجيش المصري من حرب المواجهة والوجود مع كيان العدو الصهيوني، إلى حرب الخليج الأولى بدعم أميركي وتمويل خليجي سعودي بشكل أساسي للرئيس الراحل صدام حسين لإنهاك وإضعاف قوى وجيوش وإمكانيات إيران والعراق، مروراً بحرب الخليج الثانية /غزو العراق للكويت/ التي كانت سبباً رئيسياً وبتخطيط مسبق لتواجد القواعد والقوات العسكرية الأميركية بشكل كبير في المنطقة، ثم اتفاقيات أوسلو (1و2) ووادي عربة التي كانت أكبر مؤامرة على قوى وفصائل المقاومة الفلسطينية، وليس انتهاء بالاحتلال الأميركي للعراق بحجج كاذبة واهية تحت عنوان امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وتفاصيل أخرى لا مجال لذكرها في هذا المقال تمهيداً لسيناريو ما يسمّى (الربيع العربي) الذي بدأ من تونس أواخر عام 2010 متدحرجاً إلى عدد من الدول العربية، واصطدم بصخرة الصمود السوري وقوة التعاون والتشبيك والتكتيك لقوى محور المقاومة من إيران إلى العراق وسورية وحزب الله في لبنان مع الحليف الروسي والصديق الصيني، ففشل في تحقيق أهدافه في تقسيم وتجزئة المنطقة، وتطويق روسيا والصين وإيران للسيطرة على منابع وأنابيب النفط والغاز.
ـ ترافق ذلك مع الجزء الأساسي الذي سنركز عليه في هذا المقال لعلاقته المباشرة بـ مشروع نيوم، وهو «عاصفة الحزم» الحرب على اليمن التي بدأت عام 2015، وقامت بها قوى التحالف المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والتي تضمّ إلى جانب السعودية ثماني دول أخرى هي الإمارات ومصر والأردن والسودان وموريتانيا والسنغال والكويت واليحرين، إلى توقيع مصر اتفاقاً عام 2016 بإعطاء النظام السعودي جزيرتين ضروريتين لربط مشروع نيوم بسيناء بانتقال جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية لتصبح الرياض جزءاً من اتفاقية «كامب ديفيد» بأثر رجعي، ثم إعلان ترامب لصفقة القرن والترويج لها عام 2017 لتصفية القضية الفلسطينية، وتنسيق جارد كوشنير صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشار البيت الأبيض عام 2019 لورشة المنامة في البحرين الجانب الاقتصادي من صفقة القرن للتمويل أملاً بنجاح الصفقة، وصولاً لمشروع محمد بن سلمان المدينة الذكية «نيوم».
ـ تعتبر حرب الإبادة اليمنية أحد أهمّ تفاصيل مشروع «نيوم» للسيطرة على مضيق باب المندب والثروات النفطية اليمنية وخاصة في محافظتي مأرب والجوف، حيث يعتبر مضيق باب المندب ذا أهمية استراتيجية عسكرية أمنية اقتصادية كبيرة يربط بين البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، ويعمل كطريق ملاحة للسفن النفطية وغير النفطية التي تنتقل بين الشرق الأوسط وبلدان البحر المتوسط، وتأتي أهمية اليمن الاستراتيجية بالسيطرة على مضيق باب المندب بامتلاكها جزيرة بريم، ومرة أخرى مُنيت قوى التحالف في حرب اليمن التي تخوضها السعودية بشكل رئيسي بالوكالة عن الولايات المتحدة الأميركية والعدو الصهيوني بفشل تحقيق الأهداف وفق ما سبق، وتتالت انتصارات الجيش اليمني واللجان الشعبية وحركة أنصار الله رغم الصواريخ الباليستية والقنابل المحرمة دولياً ومعاناة المجاعة وانتشار الأوبئة في اليمن، وخلقت معادلات ردع جديدة من خلال استهداف بارجة حربية وناقلة نفط سعوديتين، وضرب منشأة «أرامكو» النفطية السعودية، وما تلاه من انهيار الإنتاج النفطي لأسابيع عدة، وأصبحت تطال صواريخ المقاومة في اليمن العمق السعودي بمطاراته ومنشآته النفطية، إضافة للتفوّق في الحرب البرية في استعادة وتحرير العديد من الأراضي اليمنية، وخاصة محافظة الجوف التي فيها أكبر الحقول والشركات النفطية، وذلك في ظلّ تصدّع قوى التحالف التي عانت من انسحابات متتالية من قطر إلى العدد الأكبر من الجنود السودانيين إلى غيرها من بقية الدول التي أصبحت مشاركتها رمزية.
ـ تستمرّ المعارك والعمليات العسكرية لتحرير محافظة مأرب معقل سلطة حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن) وهو المسيطر على المفاصل المهمة في ما تسمّى الحكومة الشرعية في اليمن، وأهمّ الحصون التي تتمسك بها قوات التحالف وبما تحتويه من مخزون نفط استراتيجي، وبتأييد الحاضنة الشعبية من مشايخ وقبائل مأرب التي ناشدت حكومة صنعاء لتخلصهم من سلطة الإخوان المسلمين.
ـ خلال الأيام او الأسابيع المقبلة وبتحرير مأرب، مع بدايات العجز الاقتصادي للنظام السعودي من انخفاض إيرادات النفط جراء حرب أسعار النفط إلى انعدام إيرادات الحج والعمرة من جراء جائحة كورونا، وتفشي الفيروس في السعودية داخل وخارج أفراد الأسرة الحاكمة مع ما تعانيه من أزمات داخلية أخرى، وبالتكامل مع إنجازات محور وحلف المقاومة على مستوى الإقليم ستتغيّر موازين القوى، لتكون سنة فارقة مهمة على صعيد التحوّلات الكبرى لصالح محور حلف المقاومة.
ـ وبالتالي فإنّ تفوّق قوى المقاومة على القوة الإسرائيلية الأميركية الإمبريالية وأدواتها التركية والرجعية العربية قد تكون مقدّمة لرؤية استراتيجية لمشروع تحدٍّ جديد لدول غرب آسيا في برنامج متكامل للتشبيك في الإقليم لإنشاء كتلة اقتصادية اجتماعية كبرى قادرة دولها على تحقيق التنمية الاقتصادية، وتأمين فرص العمل، والحماية الأمنية والرعاية الصحية والخدمية لشعوبها.