لا تقربوا الماء الاسن
مقالات
لا تقربوا الماء الاسن
زياد أبو الرجا
1 كانون الأول 2021 , 17:25 م


في خمسينيات القرن المنصرم قامت بعثة من اساتذة اللغة العربية في الجامعات السورية برحلة استطلاعية في منطقة نجد بغية الوقوف على مدى تاثر اللغة العربية الفصحى بالعامية.بينما هم في الصحراء لاح في الافق واحة وقطيع اغنام فقصدوا المكان لشرب الماء والغسل والتحدث الى من يجدونه هناك. حين وصلوا المكان الفوا بنتا ذات احد عشر ربيعا متكأة على عصاها ترعى قطيع الاغنام، سلموا عليها وتقدموا نحو الماء فقالت لهم: (( ان هذا الماء اسن ، فان اردتم العذب فدونكم الباسقات)) مشيرة بعصاها الى النخل الباسق على مقربة من المكان. ادهشتهم بلاغتها في التعبير.

في هذا المقام استعير من هذه البنت العربية عبارتها البليغة واقول: ايها المقاومون في غزة هاشم لا تردوا الماء الاسن الذي قد يزين لكم رقراقا صافيا بينما فيه السم الزعاف، فلا تخدعوا ولا تقربوا الحوض الاسن، انه مستنقع صهيو - امريكي، الافضل ان نبقى نحن وابلنا عطشى وان هزلنا حتى نبلغ الماء العذب بالنصر على الكيان والمتامرين. ان اليمني العربي الاصيل الذي ضرب وما زال يضرب اروع الامثلة في التضحية والفداء والجلد والصبر على المحن والشدائد والذي سطر عبر التاريخ سيمفونية اليمن الخالدة(( اليمن عصي على الغزاة)) ان هذا الشعب هو اسوة لنا ولكل المناضلين ضد الجور والظلم والاستعباد والعدوان.

لقد قطعت المقاومة الفلسطينية في غزة  شوطا طويلا في مسيرتها النضالية وشكلت قوة ردع وتهديد وجودي للكيان، قوة عمادها سواعد ابطالها في القسام وكتائب القدس بقيادة حماس والجهاد الاسلامي وامتداد جذورها مع قوى محور المقاومة وما بقي الا القليل. إن ما تقدمه القوى الاقليمية من عروض ومغريات لقوى المقاومة في غزة ما هو الا استكمال لحملة التطبيع التي تقودها امريكا لضمان امن الكيان وتقديم طوق النجاة له من الغرق.

ان امريكا اول من يعلم علم اليقين بان الكيان يواجه ازمة وجودية الان ويتعزز هذا اليقين مع مرور الزمن، لان كل ما تبذله القيادة العسكرية للكيان لتعديل الخلل في ميزان القوة تكتشف في نهاية كل مرحلة ان محور المقاومة يضاعف امكاناته وقوته كما ونوعا. لقد بدأ جيش الكيان يفقد الروح القتالية والحافزية لخوض الحروب بالاضافة الى عزوف الشباب عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، هذا ما استنتجه وصرح به جنرالات جيش الكيان. ان هذا الجيش يواجه مأزق عدة يمكن ايجازها بما يلي.

اولا:- مأزق عجزه عن اجتياح غزة والقضاء على المقاومة هناك. ان اكثر ما يؤرقه هو احتمالية ان يقتحم المقاومون في غزة مستوطنات المحيط واخذها رهينة يعجز الكيان عن تحريرها.

ثانيا:- المأزق الاعظم  في الجبهة الشمالية حيث ان هناك قناعة ومسلمة لدى جنرالات العدو بان حزب الله سيحرر الجليل ويمسك به في اية مواجهة واسعة، كل المناورات التي يجريها جيش الكيان تقوم على كيفية استعادة الجليل من قبضة حزب الله.

ثالثا:- عدم تماسك الجبهة الداخلية في الكيان والهجرة المعاكسة للمستوطنين، مقابل شعب فلسطيني متماسك ويمتلك الارادة والتحدي وهذا ما اثبتته وقائع معركة سيف القدس.

رابعا:- يدرك قادة الكيان ومستوطنيه ان ما يجري من تطبيع مع الدول العربية لا يوفر لهم الامن والامان ما دام هناك مقاومة مسلحة ورفض جماهيري عربي على امتداد الوطن العربي من مغربه الى مشرقه.

لا جدوى من ولا اهمية لكل عمليات التطبيع التي تمت مع المغرب والسودان والبحرين والامارات وما سيلحق بها من دول اخرى وليس لها تاثير على معادلات الاقتصاد والسياسة للكيان ما لم ينخرط الاردن في التطبيع الاقتصادي والشعبي والثقافي مع الكيان ولقد برهن الشعب الاردني العربي الاصيل رفضه للتطبيع بعد اتفاقية وادي عربة والتي اقتصرت على سفارة يقاطعها الشعب الاردني وكانها غير موجودة في عمان.

ان الحلقة المركزية الان  هي ما يشكله الاردن من موقع جغرافي واهمية استراتيجية  وقيمة معنوية تمتد الى هاشم سوامق قريش واهل الرسول العربي. لقد حاولت قوى التطبيع المستعجلة على توريط الاردن في التطبيع  ان تطيح بالعرش الهاشمي وعلى راسه الملك عبد الله والاتيان بنظام  يقبل بالتطبيع والتشبيك الاقتصادي مع الكيان وذلك لاستكمال اوتوسترادات حيفا بغداد وحيفا الجزيرة العربية وخطوط السكك الحديدية ومد انابيب النفط من الجزيرة والعراق الى موانئ الكيان. ان انخراط الاردن في عملية التطبيع يضعه في عين العاصفة، فاذا ما حققت امريكا والكيان والعرب المعادين للعرش الهاشمي ما يبتغونه من الاردن فانهم لن يتورعوا عن اعادة تجربة الغدر الني مر بها الشريف حسين بعد الحرب العالمية الاولى حيث قاد اعظم ثورة قومية من اجل الاستقلال العربي وغدروا به وضيعوا اماله وقتلوه مسموما.

على الاردن عرشا وحكومة وشعبا ان يتصدوا لما يحاك لهذا البلد الابي.

كل المبررات التي ساقها طرفي التطبيع الاردني والصهيوني تفتقد للاسس الاقتصادية والعملية لحل مشكلة المياه العذبة في الاردن لو افترضنا صحتها،  ولدى الاردن البدائل العملية  وذلك باقامة مشاريع لا تتعدى تكلفتها العشرة مليارات دولار، وتتكون هذه المشاريع من

اولا:- بناء محطة توليد طاقة كهربائية قوامها ثمانية توربينات بخارية مع ثماني مولدات كهربائية Steam  Turbine Generator Set قدرة كل وحدة  ثلاثمائة ميجا واط والى جانبها وحدات تقطير مياه تنتج ملايين الجالونات من المياه العذبة وغلايات الماء التي تزود التوربينات ومحطة التقطير بالبخار تعمل بنوعين من الوقود الفيويل والغاز وكلاهما يمكن استجراره بالانابيب من مصر. ان العمر الافتراضي لهذه المحطة سبعون عاما ومدة تنفيذها خمس سنوات. مثل هذا المشروع يوفر فرص عمل لالاف الاردنيين خلال مرحلة التنفيذ وبعد الانجاز سيكون له بالغ التاثير على التطور الصناعي والزراعي، ويحرر الاردن من الارتهان للكيان وابتزازه. اما بالنسبة للتمويل فيمكن توفيره من خلال صناديق التنمية العربية والبنوك والدول الصديقة والصين وطرح اسهم للافراد والشركات.

ثانيا:- بناء محطة توليد طاقة كهربائية باستخدام توربينات الغاز وقدرة كل وحدة مائة ميجا واط.

كلا المشروعين يجعلان من الاردن مكتفيا ذاتيا ومصدرا للطاقة الكهربائية وحرا ابياََ ليس مرتهنا للكيان. انني اناشد القيادة الهاشمية الحكيمة ان تاخذ بعين الاعتبار تنفيذ هذه المشاريع الوطنية ليبقى الاردن شامخا عربيا اصيلا بعيدا عن الكيان وقريبا الى الحوض والحضن العربي لان مستقبل المنطقة والاقليم في الامن والرخاء الاقتصادي والاجتماعي يكمن في تشابكه الاقتصادي والاجتماعي العروبي الواسع وليس مع كيان مصيره حتما الزوال.


المصدر: موقع إضاءات الإخباري