هل إدارة جو بايدن تحتضر؟
تمرُّ إدارة بايدن في مرحلة صعبة جداً من تاريخها القصير جداً. استطلاعات الرأي باتت تُظهر نسبة تأييد الرئيس بأقلّ من 40%، وهذا مؤشّر خطير إلى رئيس تُبعده سنة واحدة فقط من الانتخابات النصفيّة التي ستقرّر مصير الأكثريّة الديموقراطيّة في الكونغرس (وهي هزيلة جداً في مجلس الشيوخ وهي قابلة للقلب بسهولة لو استمرّ صعود حظوظ الجمهوريّين). والانتخابات الأخيرة قبل أسابيع أظهرت أن بايدن يعاني (سياسيّاً) كما ظهر من خسارة الحزب الديموقراطي لمنصب الحاكميّة في ولاية فرجينيا. والولاية مختبر مهم لأنها في الحقيقة ولايتان منفصلتان: الغرب والجنوب الذي يحتوي على البيض المحافظين التقليديّين وحيث هناك جامعة «ليبرتي» اليمينيّة التي احتضنت ترشيح دونالد ترمب مبكراً (عشتُ لسنة واحدة في مدينة لينشبرغ حيث علّمت في جامعة خاصّة للنساء، «راندولف ميكن»، وكانت على عداء مستحكم مع جامعة «ليبرتي») مقابل شمال الولاية. وشمال الولاية هو يضمّ مهاجرين آسيويّين وشرق أوسطيّين ولاتينيّين ومسلمين، وكل هؤلاء كانوا مسؤولين عن ظاهرة تغيّر أهواء اقتراع الولاية لمصلحة الحزب الديموقراطي في السنوات الأخيرة (بات النائب من شمال الولاية مثلاً يحتاج إلى إرضاء الناخبين العرب والمسلمين). صحيح أن المرشح الجمهوري الذي فاز نأى بنفسه عن شخص ترامب وركّزَ على مواضيع التعليم ومواضيع أخرى خاصّة بالولاية، لكن المرشح الديموقراطي كان قويّاً وله تاريخ في جمع التبرّعات السياسيّة وكان دوره مركزيّاً في حملات بيل وهيلاري كلينتون الرئاسيّة عبر السنوات. استدعى المرشح الديموقراطي بايدن وهاريس وحتى أوباما لمساعدته في حملته وكل هؤلاء لم ينفعوه.

تومي إنغبرغ (السويد)
وهناك نظريّات مختلفة حول أسباب تدهور شعبيّة بايدن في السنة الماضية. هناك طبعاً مسألة فيروس كورونا وارتداء الكمّامات. خذوا ولاية كاليفورنيا حيث أعيش ــ وأنظِّر «على ربِّكم»، كما يُقال لي دوماً على المواقع: هناك نحو 62% من السكّان (بصرف النظر عن الفئات العمريّة) قد أتمّوا اللقاحيْن، فيما أتمّ نحو 82% من الذين هم أكبر من سن الـ 65 اللقاحين. ماذا يعني هذا؟ يعني أن هناك نحو ثلث السكّان ممن يرفضون بعناد وصرامة تلقّي اللقاح وهم يعتبرون أن اللقاحَ خطرٌ داهمٌ. وهناك فيض من نظريّات مؤامرة مختلفة عن اللقاح تبدأ بأن شركة «مايكروسوفت» ستضع جهازاً في دماغك من خلال جرعة اللقاح، إلى نظريّة أن الحكومة ستأخذ معلومات عنك من خلال اللقاح الذي ليس إلا جهاز إرسال في جسدك (يسخر الغربيّون من العرب لإيمان بعضهم بنظريّة المؤامرة فيما أميركا هي العاصمة الحقيقيّة لنظريّات المؤامرة—والليبراليّون العرب يسخرون من نظريّة المؤامرة إذا كانت تستهدف الدور الأميركي أو الإسرائيلي فيما هم متساهلون جداً في الإيمان بنظريّات مؤامرة تتعلّق بالملف النووي وحكومة إيران وحزب الله. هذا الأسبوع في «القدس العربي» ذكّرَ الياس خوري القرّاء بـ «حصار إيراني» مزعوم في لبنان، إذ إن إيران تفرض حصاراً خانقاً على الشعب وهي وصفت حزب «تيّار المستقبل» بالإرهابي وحظّرت استعمال أعضائه للمصارف اللبنانيّة وجمّدت أرصدة كل قادته). والكثير من معارضي اللقاح هنا يرفضون أيضاً ارتداء الكمّامات ويعتبرون فرضها، ولو في أماكن أو مبانٍ عامّة أو خاصّة، انتهاكاً لحريّة التعبير. والشعب الأميركي (وعشتُ معه أو حوله أو إلى جانبه أو بعيداً عنه لأربعة عقود) غريبُ الأطوار بعض الشيء، أو مُحيِّر: هو لا يمانع في خرق حقوق الأفراد هنا وقد أيّد بأكثريّة ساحقة «قانون الوطنيّة» بعد 11 أيلول والذي أعطى سلطات هائلة للحكومة الفيدراليّة، لكنه يثور ويحتجّ لو أن مطعماً فرض لبس كمامة عليه. وانتشار الفيروس هو بسبب هؤلاء الذين يرفضون اللقاح ويرفضون ارتداء الكمّامة (وهناك أنساق من هؤلاء في العالم العربي، لكنّ البطريرك الماروني ونبيه برّي وياسين جابر اعتمدوا على العلم الحديث وقرّروا لفّ شارة «الدكتور هواء» حول رقبتهم مبكراً لمنع الفيروس من الفتك (ويُقال إن «الدكتور هواء» هو فعّال أيضاً ضد «صيبة العيْن» لكن ذلك يحتاج إلى مزيد من الدراسات لعيّنات أكثر من السكّان).
ذكّرَ الياس خوري القرّاء بـ «حصار إيراني» مزعوم في لبنان، إذ إن إيران تفرض حصاراً خانقاً على الشعب وهي وصفت حزب «تيّار المستقبل» بالإرهابي وجمّدت أرصدة كل قادته
والكورونا هو سبب أوّل لانخفاض شعبيّة جو بايدن. كان الشعب الأميركي يتوقّع انفراجاً عاجلاً من خلال الإدارة الجديدة بعد تخبّط إدارة دونالد ترامب عندما كان في البيت الأبيض رجلٌ لا يؤمن بالعلم ولا يكترث لنصائح الخبراء في أي حقل. بايدن جعل من إنتاج ونشر اللقاحات العنوان الأوّل لإدارته. وأوقع بايدن نفسه في ورطة في إسباغه الوعود أما الشعب عن القضاء على الفيروس. لكنّ الطب بات يعلم الكثير عن حقيقة الفيروس، لكن الموضوع انتقل إلى اختصاص الأمراض المعدية وخبراء الإحصاء الذين يستطيعون توقّع نسب انتشار الفيروس بحسب السمات الديموغرافيّة للسكّان. وهذه التوقّعات بالغت في رغبة السكّان في تلقّي اللقاح. كيف لبايدن أن يتوقّع القضاء على الفيروس فيما هناك متغيّرات متعدّدة عن الحالة، بما فيها مواقف الناس من اللقاح وحتى من الكمامات. طبعاً، كان يمكن لبايدن أن يخفّض نسبة انتشار الفيروس بين الناس لو أنه أصدر قراراً فيدرالياً بفرض ارتداء الكمّامات لكن يعلم أن ذلك يثير حفيظة الرجال البيض المحافظين (هناك صورة تنميطيّة عن أعداء اللقاح هنا بأنهم معادون للعلم والطب، لكنّ الدرجة التعليميّة الغالبة لمعارضي اللقاح هي الدكتوراه). بعد تحقيق تخفيض ملحوظ في نسبة انتشار الفيروس، استقرّت نسب الإصابة، ثم صعدت ثم انخفضت لأن أعداد متلقّي اللقاح لم تستمرّ في الارتفاع.
والسبب الثاني في انخفاض شعبيّة بايدن يكمن في شيخوخته وفي ظهور تعب ذهني في محادثاته مع الصحافة. هناك طبعاً تعصّبٌ عند الناس ضد المتقدّمين في السن عندما يكونون في سدّة المسؤوليّة. هناك في لبنان نكات (خصوصاً من ليبراليّين وثاو ثاو) عن سنّ ميشال عون وعن أنه مصاب بالخرف. وهذا تنميط للمتقدّمين في السن. والذين يسخرون من سنّ ميشال عون لا يجرؤون على السخرية من الملك السعودي وهو في الخامسة والثمانين من عمره. متى كانت آخر إطلالة لحاكم الإمارات الفعلية، خليفة بن زايد؟ وفي غياب دلائل طبيّة، لا يجوز تشخيص حالات عقليّة لأشخاص بناءً على ما نراه على شاشة... أنا أجزم أن حالة نبيه برّي أو ميشال عون العقليّة هي أفضل من حالات نواب في الثلاثين والأربعين من عمرهم. لكن هنا تتأثّر النظرة إلى سنّ جو بايدن بحالة رونالد ريغان. أصيب ريغان بالخرف بعد انتهاء ولايته، لكنّ ابنه رون يعترف أن عوارض الخرف ظهرت عليه أوّل ما ظهرت عليه عندما كان رئيساً في البيت الأبيض. لستُ خبيراً كي أجزم في حالة بايدن كما يفعل كثيرون وكثيرات هنا، لكن لا شكّ أن مسؤوليّات الرئاسة الأميركيّة تتطلّب حضوراً جسديّاً وذهنياً مستمرّاً. وخلافاً لما يُظن خارج أميركا، ليس هناك من شفافية في الرئاسيّات الأميركيّة عن حالة الرئيس الأميركي الصحيّة، والكثير منهم في السنوات الأخيرة لم ينشروا تقارير مفصّلة عن حالاتهم الصحيّة. لم نكن نعرف مثلاً أن جون كينيدي كان طريح الفراش (أو السجّادة في مكتبه) بسبب إصابته بألم حادّ في ظهره. وكان البيت الأبيض يتستّر على حالة فرانكلن روزفلت عندما كان في كرسي متحرّك، ولم يكن الشعب يعلم أن رئيسه جالس في كرسي متحرّك. والذي يزيد من حالة القلق بالنسبة إلى بايدن أن نائبة الرئيس، كاملة هارس، ظهرت على حقيقتها أمام الناس بعد انتخاب بايدن، وهي تفتقر إلى مقوّمات المنصب بالنظر إلى جهلها بالسياسات العامّة وعدم قدرتها على الحديث من دون تدوينات أمامها. والشكوك حول حالة بايدن الصحيّة بلغت أوجها هذا الأسبوع واضطرّ الرئيس إلى إصدار معلومات عن أنه ينوي الترشّح لولاية ثانية. وحالة بايدن صعبة إلى درجة أنه يمكن أن يضطرّ إلى تغيير شخص نائب الرئيس في الولاية الثانية، لكنه لو فعل هذا فإنه سيزيد من الشكوك في رجاحة عقله.
ثالثاً، الرئيس الأميركي يفتقر إلى إنجاز تشريعي. كل رئيس أميركي يحتاج إلى إنجاز تشريعي بحلول الانتخابات النصفيّة (بعد مرور سنتين على الفوز). لم تقترن إدارة بايدن بعد بإنجاز تشريعي كبير أو هام. لقد وافق الكونغرس على قانون الإنفاق على البنية التحتيّة وهو بقيمة 1 تريليون دولار. لكن الموافقة على القانون تطلّبت أشهراً صعبة من المفاوضات والمناكفات. وحالة البنية التحتيّة مزرية للغاية (وهي تشمل في القانون الجسور والطرقات والمطارات بالإضافة إلى تحسين وسائل النقل بالقطار—وهي هنا متخلّفة كثيراً عن مثيلاتها في أوروبا وآسيا ومياه المراحيض الآسنة تطوف نحو المقطورات كما اكتشفت ذات رحلة من واشنطن إلى بوسطن—ومحطات الكهرباء بالإضافة إلى توصيل الإنترنت السريع إلى المناطق الريفيّة الفقيرة. والقانون يضم قسماً متعلّقاً بتحسين الشروط البيئية للمواصلات والبنية التحتيّة، وهذا كان من شروط موافقة التقدميّين عليه. لكن قانون الإنفاق الاجتماعي والذي يقارب 1.85 تريليون دولار، تعثّر في مجلس الشيوخ بانتظار تغيير بعض بنوده. وهذا الإنفاق هو مستوى منخفض عمّا كان يريده منه التقدميّون في الكونغرس الأميركي. والقانون هذا يتضمّن الإنفاق على رعاية الأطفال—قبل سن المدرسة—وتوسيع نطاق الرعاية الطبيّة للمسنّين والتعليم تحت مستوى البكالوريوس بالإضافة إلى شق متعلّق بالبيئة وإيجاد وسائل طاقة بديلة عوضاً عن الوقود الحفري. وهذا الإنفاق الأقلّ سخاءً من معظم دول الغرب الصناعيّة يتطلّب ضرائب جديدة لا محالة. إدارة بايدن (الخائفة مثل كل إدارة من تهمة رفع الضرائب على شعب ينبذ الضرائب لأن الدولة تأسّست على مفاهيم بالغة التطرّف في الرأسمالية وعلى إيلاء الفرد أهميّة أكبر من الجماعة في تخطيط السياسة العامّة) تقول إن الضرائب ستُفرض فقط على كبار الأثرياء وإن إنفاق مليارات الدولارات على تحسين عمل هيئة الضرائب الفيدرالية سيزيد من تحصيل جباية الضرائب. لكن مكتب الميزانية الحكومي، في دراسته للقانون الجديد، خفّض من تقديرات الإدارة حول حجم المبالغ التي ستنتجها زيادة الجباية. المشروع سيمرّ بشقّ النفس في الكونغرس الأميركي وسيقترن أخيراً باسم جو بايدن. لكن لا الجناح الليبرالي كان راضياً عن قانون الإنفاق لأنه كان تحت مستوى الإنفاق المنشود، ولا الجناح المحافظ (مثل عضو مجلس الشيوخ جو منشن الديموقراطي من ولاية غرب فرجينيا) كان راضياً بسبب عدم توفّر تمويل واضح المعالم للإنفاق.
قد يتحسّن الاقتصاد الأميركي، وقد تحصل حرب في مكان ما... لكن لماذا على الناس في العالم النامي ترقّب مجريات السياسة الأميركيّة كي يعرفوا إذا كان سقف بيتهم سيبقى صامداً؟
وهل أن الإنفاق سيؤثر على حظوظ الحزب الديموقراطي؟ هناك دراسة مفصّلة نشرها عالما سياسة هنا عن حظوظ الانتخاب للحزب الحاكم بعد تمرير قوانين إنفاق. النتيجة أن الثمار ستكون صغيرة فعلاً. صحيح أن هذا المستوى من الإنفاق سيدرّ أموالاً طائلة على أنحاء مختلفة في ولايات عديدة، لكن هذا لن يكون ملموساً قبل سنوات عديدة. وفي الدوائر المعارضة لحزب الرئيس ستكون النتيجة صفراً تقريباً أو سلبية بسبب معاداة زيادة الضرائب في تلك الأنحاء. هناك تأثير إيجابي ولكن طفيف في دوائر حزب الرئيس. أي أن آمال بايدن أن هذا الإنفاق سيحلّ مشكلة حزبه في العام المقبل ستتبدّد على الأرجح (هذا لا يعني أنه يمكن أن يحدث شيء ما يعزز من شعبيّة الرئيس لكن ذلك يمكن أن يكون في مجالات أخرى لا تتعلّق بالمشروعيْن، مثل أن يتحسّن الاقتصاد قبل ذلك أو أن يزول خطر الفيروس—هذه عوامل يمكن لها أن تعكس صورة الرئيس جذريّاً بين الناخبين).
رابعاً، مشكلة بايدن هي مشكلة كل رئيس ديموقراطي. الناخبون البيض (خصوصاً الذكور منهم) هجروا الحزب الديموقراطي زرافاتٍ زرافاتٍ وهم يحتاجون إلى إغراءات لهجر الحزب الديموقراطي. بايدن استطاع أن يجذب بعض الناخبين البيض في الانتخابات الأخيرة (لكنه لم يُحفِّز بما فيه الكفاية الناخبين الملوّنين). هذا رجل أبيض لديه سجلّ محافظ في مجلس الشيوخ ولم يكن معروفاً قبل عهد أوباما بتقدميّته (هو سبقَ أوباما بتأييده لزواج المثليّين لكن ذلك كان في سياق استمالته لليبراليّين في الحزب الديموقراطي تحضيراً لخوضه معركة الترشيح الرئاسي). أوباما نجح في جذب ناخبين جدد، حتى من البيض، وأي رئيس ديموقراطي يحتاج—ولو نال نسباً كبيرة من القاعدة التقليديّة للحزب الديموقراطي (الملوّنون والفقراء والنساء مع أن النساء البيض ينقسمن بين الحزبيْن)—إلى نسبة معيّنة من البيض الذكور أو الإناث. الحزب الجمهوري ينجح في تعبئة الناخبين البيض من خلال التركيز على القضايا الثقافيّة: أي مواضيع الصوابيّة السياسيّة أو تنامي نفوذ المنظمات المنادية بحقوق الأقليّات والمهاجرين أو تغيير المناهج ليبراليّاً. سيصعب على بايدن جذب ناخبين بيض جدد قبل الانتخابات النصفيّة من دون تحقيق إنجاز في الموضوع الاقتصادي. وأسعار النفط إلى ارتفاع سريع وهذا يؤثّر كثيراً على شعبيّة كل رئيس. وكان النظام السعودي يساعد الرؤساء الأميركيّين منذ السبعينيات في معارك إعادة الانتخاب عبر ضخ المزيد من النفط في الأسواق لخفض الأسعار. هنا، الصحافة على قناعة (كما الإدارة) أن محمد بن سلمان يعاقب بايدن لتجاهله له. وبايدن يرفض الاتصال به أو اللقاء معه على الرغم من إلحاح الأخير وتوسّط اللوبي الإسرائيلي له. أسعار البنزين هي مسألة أولويّة في اهتمامات الناخبين في أميركا، لأن البلاد شاسعة وليس هناك من إنفاق (إلا في بعض المدن في بعض الولايات) على وسائل النقل العام. لا يمكن لأي مواطن، ولو كان فقيراً، أن يعتمد على وسائل النقل العام في التنقّل. ومشروع بسيط وبديهي لوصل مدينة سان فرنسيسكو (في شمال ولاية كاليفورنيا) بمدينة لوس أنجليس (في جنوب الولاية) تعطّل لأن الناس لا يريدون زيادة الضرائب.
خامساً، تعطّلت العلاقة بين الرئيس ونائبه. لا أذكر حالة تتعطّل فيها العلاقة بين الرئيس ونائبه بهذه السرعة. صحيح أن جورج دبليو بوش لم يكن على تواصل بتاتاً مع نائبه، ديك تشيني، في ولايته الثانية مع أن تشيني كان الرئيس الفعلي في الفترة التي تلت تفجيرات 11 أيلول. نائب الرئيس هو عونٌ وسند للرئيس ويجول البلاد للدفاع عن سياسات الرئيس. كاملة هاريس غير مؤهّلة وتفتقر لعناصر تضيف قوّة سياسيّة إلى الرئيس. هي غير عليمة بمواضيع السياسة العامّة وكان ذلك ظاهراً في أدائها الفاشل في المناظرات عندما خاضت معركة الترشيح في آخر انتخابات. تجيب عن أسئلة تفصيليّة بسرد حادثة جرت معها في المدرسة. بايدن اختارها بالرغم من أنها شكّكت في عدائه للعنصريّة لأنه احتاج إلى امرأة غير بيضاء في منصب نائب الرئيس. وتاريخ صعود هاريس اعتمد على الواسطة والعلاقات العامّة وليس على الإنجازات. حتى في تبوّئها منصب وزيرة العدل المحليّة في ولاية كاليفورنيا لم تميّز نفسها في العمل. وهناك أحاديث في الصحافة عن علاقة سيئة وصراعات بين جناح الرئيس وجناح نائب الرئيس. وتقدّم عمر بايدن وظهور معالم الشيخوخة الذهنيّة يزيدان من تسليط الأضواء على شخص نائب الرئيس وفي هذه الحالة لا يبعث ذلك على الاطمئنان. هناك حالة من الهلع في أوساط بعض الناخبين من احتمال تسلّم هاريس مقاليد الرئاسة الأميركيّة (وهاريس بالإضافة إلى افتقارها للمؤهلات والكفاءة والمعرفة السياسيّة، كانت قريبة جداً من اللوبي الإسرائيلي منذ أن دخلت الحقل السياسي، لكن بايدن قريب جداً من اللوبي هو الآخر). سادساً، لقد دخل في الكونغرس الأميركي في السنوات الأخيرة تيّار تقدّمي في داخل الحزب الديموقراطي. وهذا الجناح لا يملك الأغلبية في الحزب لكنه مرتفع الصوت ويتمتّع بـ«نجوم» ممن يلفتون نظر الإعلام (مثل ألكسندرا أوكاسيو-كورتيز وإلهان عمر—بالمناسبة، صاحب موقع «رصيف ٢٢»، المحظي بالتمويل الغربي الحكومي، وصف إلهان عمر في تغريدة بالش…). وهذا الجناح شديد الإزعاج للبيض وهو—خلافاً لقيادة الحزب الديموقراطي الهرمة—جاذب للناشطين الديموقراطيّين ويخوض معركة لرفع كل رموز العنصريّة البيضاء من كتب التاريخ والأماكن العامّة. وخطاب الجناح اليساري يستفزّ البيض ويساعد في رصّ صفوفهم انتخابيّاً. كما أن الحزب الجمهوري ينجح في جعل الجناح اليساري ممثلاً لكل الحزب الديموقراطي وتصويره على أنه حزب اشتراكي (في هذا البلد الغريب، لا تزال الشيوعيّة والاشتراكيّة بعبعاً سهل الاستخدام في الحملات الانتخابيّة). وفي المقابل، يعزّز الحزب الجمهوري مواقفه من خلال تعديل شروط وقوانين الانتخابات في الولايات لجعل الاقتراع أكثر صعوبة. وتصعيب الاقتراع يستهدف الفقراء والملوّنين، أي جزءاً من قاعدة الحزب الديموقراطي. وإعادة رسم الدوائر الانتخابيّة (في كل الولايات الريفيّة وفي المناطق الريفيّة في ولايات مَدينيّة) تجري على قدم وساق في كل المجالس الاشتراعيّة المحليّة في الولايات لتدعيم وضمان التمثيل الجمهوري. هذه ستكون في مصلحة الحزب الجمهوري في الانتخابات المقبلة التي يترقّبها بايدن بخوف شديد.
صحيح، أن بايدن بعد عشرة أشهر في الحكم يبدو ضعيفاً بأرقام 36% من نسب رضى الناخبين عنه. ليس في وضع جسدي يسمح له بالتجوال المستمرّ في الولايات لشرح برامجه وتشريعاته. ونائبة الرئيس باتت تشكّل عبئاً أكثر مما هي إضافة للرصيد السياسي للرئيس. لكن سنة واحدة هي زمن في الأعمار السياسيّة وهناك عدة متغيّرات تؤثّر على موقع الرئيس الأميركي وعلى موقع حزبه. بعد حرب العراق الأولى عام 1991، فاقت نسبة تأييد جورج بوش (الأب) أكثر من 90%. لكن الرجل خسر الانتخابات أمام بيل كلينتون بعد سنة واحدة فقط. قد يتحسّن الاقتصاد وقد تحصل حرب في مكان ما (يرصد علماء السياسة هنا ظاهرة ما يُسمّى بـ «الالتفاف حول العلم»، أي تأييد الرئيس عندما يشنّ حرباً في أي مكان في العالم). قد يتحسّن الاقتصاد وقد يتلقّى محمد بن سلمان اتصالاً هاتفيّاً من بايدن كي يخفّض أسعار النفط (ترامب أعلن جهاراً كيف أنه اتصل بالملك سلمان بن عبد العزيز وأمره بخفض أسعار النفط وأنه لبّى الطلب). قد لا يعمّر بايدن لولاية ثانية أو لموعد الانتخابات الرئاسيّة المقبلة وهذا لا يمكن أن يكون في مصلحة الحزب الديموقراطي ولو تسنّى لهاريس إكمال ولاية لجو بايدن. لكن لماذا على الناس في العالم النامي ترقّب مجريات السياسة الأميركيّة كي يعرفوا إذا كان سقف بيتهم سيبقى صامداً؟