نحو ويستفاليا في العالم العربي جزء١
مقالات
نحو ويستفاليا في العالم العربي جزء١
حليم خاتون
9 كانون الأول 2021 , 07:51 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون:


اقتضى الأمر أكثر من مئة عام من الحروب الدينية ومقتل أكثر من ثلث سكان أوروبا قبل أن يجتمع حكماء هذه القارة في ويستفاليا ويتوصلوا إلى وجوب إنهاء هذه الحروب القائمة على ترهات القرون الوسطى...

ويستفاليا لم تنهي الحروب الاستعمارية بين الدول الأوروبية، لكنها وضعت أسس بناء الدولة مما سمح للدول الأوروبية المعاصرة بالتشكل...

هل يمكن للبنان أن يملك مقومات إقامة دولة...؟

هل يستطيع لبنان بناء اقتصاد إنتاجي متكامل...؟

سؤال فيه بعض الصعوبة... والسبب أن هذا البلد الصغير هو إنما جزء من كل تم إعلان تأسيسه ليلعب دوراََ وظيفياََ في هذا المشرق يكون فيها وسيلة سيطرة الغرب على الشرق...

حتى الدول التي لديها مقومات إقامة دولة في عالمنا العربي مثل العراق أو سوريا أو مصر لم يعد باستطاعتها أن تكون دولة مكتملة السيادة في عصر الوحدات الكبرى... فما البال بدولة لبنان الكبير التي لا تحمل من الصفات الكبيرة سوى الإسم حصراً...

لقد وعى الخليجيون لهذه المسألة فحاولوا إقامة تجمع ما أسموه مجلس التعاون الخليجي لكنه خرج بدائيا كما هي بدائية مجتمعات تلك الدول غير المكتملة التوصيف...

حصل الأمر نفسه مع دول المغرب العربي، التي عندما تكون مجتمعة تستطيع تملك مقومات إقامة دولة أو تجمع اقتصادي سياسي ذي وزن وقيمة... لكن التناحر المغربي الجزائري من جهة، وعدم تخطي التبعية للخارج من جهة أخرى بالإضافة إلى أسباب أخرى... كل ذلك أدى إلى فرط هذا التجمع الذي كان يزخر بكثير من الأمل...

في وقت ما حاولت مصر وسوريا والعراق واليمن الوصول إلى تجمع إقليمي دون جدوى...

مؤخرا جرت محاولة من مصر والعراق والأردن... لكن غياب سوريا عن هذا التجمع أفقده عنصر قوة مهم...

لا شك أننا نحتاج في عالمنا العربي أن نصل يوما إلى ويستفاليا عربية تضع حداً لهذا التقسيم الإقتصادي والسياسي ًضمن القبول بتعدد الأديان وتعدد المذاهب وتعدد الثقافات، وضمن ضمان نوع من الإدارة الذاتية لكل الأعراق التي تعيش في هذا الوطن الكبير، بدل التقوقع داخل حدود مصطنعة تحت علم لا يعني شيئا وحكام وصل بهم الضعف أن صاروا مسخرة حكام باقي الدول...

لا يعقل أن تتوصل أوروبا بتعدد الأعراق الكبير فيها وتعدد اللغات إلى بناء وحدة أوروبية ونفشل نحن حتى في تبادل حر للسلع والمنتجات لا يعطله مزاج حاكم هنا او عقدة نقص عند حاكم هناك...

لكن هل نستطيع الانتظار حتى اكتمال صورة هذا العالم العربي الذي يبدو أن مشاكله لا تنتهي، إما بفعل تآمر خارجي أو أيضا بفعل جاهلية وتخلف داخليين على كل المستويات من أعلى الهرم في النظم الحاكمة إلى أصغر تجمع بشري قبلي أو عشائري أو حتى عائلي...

بانتظار تطور المجتمعات العربية إلى المستوى الذي يسمح بتخطي القطرية الضيقة والوصول إلى نوع من التصالح مع الذات والقبول بالآخر بدل التآمر عليه... ربما يجدر بكل قطر أن يحاول على الأقل عدم العيش الدائم تحت التهديدين الخارجي والداخلي...

في كل قطر من هذه الأقطار يجب البدء بما يشبه المؤتمرات التأسيسية لإعادة تنظيم البنية الداخلية لهذه الأقطار بعيدا عن العصبيات العرقية والدينية والمذهبية للرقي بالمجتمعات إلى مستوى القرن الواحد والعشرين، حتى لا يبقى عالمنا ضحية الجاهلية الدينية الآتية إلينا من القرون الوسطى...

لا يعقل أن يكون فكر ظلامي مثل أفكار ابن تيمية لا يزال على قيد الحياة بينما يريد محمد بن سلمان تخطي الوهابية في الجزيرة والملك عبدالله يدعي محاولة إنهاء فكر الإسلام السياسي الإخواني المتخلف في الأردن...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري