اختر لنفسك ماذا تكون؟
ثقافة
اختر لنفسك ماذا تكون؟
د. رولا حطيط
12 كانون الأول 2021 , 15:40 م

اختر لنفسك ماذا تكون؟

بقلم الدكتورة رولا جميل حطيط رئيسة المرصد العربي لحقوق الإنسان والمواطنة.


توتّر، قلق، إحباط، اكتئاب، وعدم القدْرة على الإنتاج والعطاء والعمل… مصطلحات تتردّد يوميًّا على مسامعنا، وفي أحيان كثيرة نعيشها، وإن بدرجات متفاوتة بين فرد وآخر

هذه الحالات النفسيّة * هي استجابات نفسيّة وسلوكيّة لدى الفرد عند محاولته التّأقلم والتّكيف مع الضغوط الداخليّة والخارجيّة، وقد صارت على قائمة اهتمام الأطبّاء النفسييّن، والمتخصّصين في التّنمية البشريّة والشّباب، اليوم.

والواقع أنّ مشاكل متعدّدة تواجه الإنسان، وهو عاجز عن حلّها، إنْ لجهة فقدان عزيز؛ فيصاب بحالة حزن طاغٍ نتيجة صدمة، أو مشكلات اقتصاديّة ناتجة عن الفقر، أو تأخّر فرص الحصول على العمل، أو تأخّر الترقية، أو خسارة ثروة، أو لأسباب متعلّقة بالقمع والظلم كمسبّبات اجتماعيّة وسياسيّة (المحسوبيّة، التسلط…)، ويزداد الشعور بالإحباط مع حالات الفشل المتكرّرة بعد محاولات عدّة للنجاح، إضافة إلى شعور الفرد بأنّ المشكلات التي يواجهها غير طبيعيّة؛ وهو الوحيد الذي يتعرّض لها، فضلًا عن طموحات إنسان اليوم، وبين ما يمتلكه من إمكانيّات وقدرات ذاتيّة وما يوفّره له المجتمع منها؛ كلّها أسباب تؤدّي إلى إصابة الصّحة النفسيّة بشكل كبير، تدفعه إلى الوقوع في مشاكل نفسيّة.

والشّخص غالبًا ما يضرّ نفسه بدايةً، فهو يصل إلى مرحلة عدم القدرة على التعايش مع من حوله، فيعجز عن التفاعل مع أسرته أو مجتمعه، ويصير شخصًا مختلفًا تمامًا نتيجة هذه الأعراض وما ينتج عنها من مشاعر مضطربة، ومن ثمّ يبدأ ببثّ الطاقات السلبيّة على الآخرين، ولا سيّما أنّ الأعراض النفسيّة معدية ومن السهولة انتقالها من شخص لآخر.

بعد هذا العرض نتساءل: من المسؤول عن هذا الخلل؟

هل هو المحيط الذي يعيش فيه الإنسان؟ هل هو الدولة لتقصيرها بواجباتها تجاه المواطن؟ أم الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة السائدة في مجتمعنا، والتي تسهم في تفاقم حالات عدم الرضا والإحباط لدى الأفراد والشعور بغياب العدالة الاجتماعيّة؟ وإلى أيّ مدى يؤثّر الأفراد أنفسهم بهذا الخلل، إنْ لجهة عدم إلمامهم بحاجات مجتمعهم أو عدم معرفتهم بأولويّاتهم؟ وهل يكمن الحلّ في تحديد هدف محدّد وممكن، إضافة إلى التفكير بشكل إيجابي لحلّ المشاكل التي تبدو مستعصية؟

ولأنّ تجنّب المصابين بهذه الأعراض وتجاهلهم مستحيل نتيجة كثرتهم في المجتمعات اليوم، فثمّة ضرورة لرصد بعض آراء المتخصّصين النفسيّين والاجتماعيّين وأيضًا في مجال التنمية البشريّة، الذين تحدّثوا عن كيفية مواجهة هذه الأعراض، خاصّة أنّنا نعيش في بيئات نتعرّض يوميًّا لضغوط وصعاب تحتاج إلى قوّة وصلابة في مواجهتها، وإلّا فلن نقوى على الاستمرار. وغالبًا ما يقول المفكّرون والقادة والمصلحون ورجال التربية إنّ على الإنسان أن يكون مثابرًا، مجدًّا، صبورًا، متقنًا لعمله، منظّمًا لوقته… إلى آخر القائمة الطويلة من مفردات (الجودة)، ولكنّهم لم يقولوا كيف يمكن للإنسان أن يفعل ذلك، وعلم النفس لا يهتم بالإجابة عن هذا السؤال أيضًا، فهو يناقش التشخيص ويضع الحلول من دون أن يبيّن الكيفيّة؛ فيدرس السلبيّات وأسبابها وكيفيّة التخلص منها. أمّا مدرّبو التنمية البشرية فيركّزون على توجيه السلوك وتعديله؛ فيناقشون الكيفيّة ويهتمون بها، ويدرسون الإيجابيّات وكيفية الوصول إليها، وذلك عن طريق تحسين قدرات الفرد وإمكانيّاته ومؤهلاته، عبر معرفة نقاط القوّة في شخصيته وتطويرها، ويشمل هذا التطوير القدرات العقليّة، ومهارات التواصل مع الآخرين، وتحسين قدرة السيطرة على النفس والمشاعر وردود الأفعال، وإكسابها مهاراتٍ عديدةً وسلوكًا إيجابيًّا. ولطالما ركّزت محاضرات التدريب في مجال التنمية البشرية على عدّ الأحاسيس وقود الإنسان، ومن دونها لا يستطيع أن يتحرّك، فهو لا يكون إنسانًا فعلًا إذا لم تكن موجودة فيه، كما أنّ المشاعر السلبيّة مسؤولة عن أشياء كثيرة ومنها السلوك. من هنا رأى المتخصّصون في التنمية البشرية أنّ الفكرة تسبّب إحساسًا يُترجَم سلوكًا، فشدّدوا على أنّ الانسان لو غيّر أفكاره وصل إلى تغيير حياته كلّها؛ فالذي تسيطرُ عليه أفكار الخوف، والتردُّد، والشكّ، غير الذي تسيطرُ عليه أفكار الشجاعة، والإقدامِ، والثقة، ويظهر الفرق بين الاثنين في حياتِهما، وسلوكهما، وعملِهما، وفي صحتِهما الجسميّة والنَّفسيّة

يقول إبراهيم الفقي المدرب البارز في التنمية البشرية: نرى ما لا نريد ونريد ما لا نرى؛ فنفقد قيمة ما نرى ونضيع في سراب ما لا نرى، كن حريصًا على ألّا تفقد قيمة ما ترى

وقد وضع المتخصصون في التنمية البشريّة مجموعة خطوات تساعد الإنسان على مواجهة مشاكله والاستمرار بحياته، نذكر منها:

⏹أن يركز على البعد الروحاني لتحقيق السلام الداخلي والصفاء الروحي.

⏹أن يبدأ بالتغيير من نفسه قبل أن يبادر إلى تغيير من حوله.

⏹أن ينظر إلى ما حوله بإيجابيّة ولا ينغمس في متاعبه.

⏹أن يعوّد نفسه مسامحة الآخرين، ليس من أجلهم بل من أجل صحّته النفسيّة والجسميّة.

⏹ أن يدع أخطاء الماضي ويهتمَّ بالحاضر، ويستعدَّ للمستقبل.

⏹أن يسعى للعيش في حدود يومِه كي لا يستعجلَ مصاعبَ ومصائب قد تأتي وقد لا تأتي، ففي حديث لجورج برنادشو: «إنّ سببَ الإحساس بالتعاسة هو أن يتوافَرَ لديك الوقتُ لتتساءل: هل أنت سعيدٌ أم لا؟ إذا لم تشغَلْ نفسَك بالحق، شغَلَتْك بالباطل».

وأخيرًا، قيل ألّا نهتمَّ بصغائر الأمور فالنَّفس الكبيرة كالبحرِ لا يكدِّر ماءَه حجرٌ يُلقى فيه، ولا ألفُ حجر، والنَّفس الصغيرة كالبركةِ الصغيرة يكدِّر ماءَها مرُّ النَّسيم، فاختَرْ لنفسِكَ كيف تريد أن تكونَ. ................ !!!

دمتم بخير

المصدر: موقع إضاءات الإخباري