ما إن أنبطحنا حتى أعتلَىَ ظهرنا أخَس خلق ألله وأنجَسهم على الإطلاق.
لبنان التاريخ والجغرافيا صانعُ الحرف ومُصَدِّرُ الثقافة، يصبحُ مكسرَ عصاً لأرذل خلق الله، يملون عليه ما يجب أن يفعل، ويُذُلُّونَهُ بلُقمَة عيش أبنائهُ، بعدما كانتَ حضارتهُ حلماً لدُوَل الصحراء فأصبَحَ طابةً يتقاذفها حُكَّامه، ويفرضون الشروط عليه، ويملون الآراء؟!!!
ألهذا الحَدّْ من الدَّرْكِ الأسفل وصل مسؤولونا؟!
بالأمس القريب أُجْبِرَ وزيرُ خارجية لبنان، شربل وهبة، على الِاستقالة والإعتذار بشكلٍ مُهين، لأنهُ أبدَىَ رأياً فيما يخص تنظيم داعش الإرهابي، وحددَ هوية صانعيه، ورفض إهانة رئيس جمهوريته، وأسماهم بإسمهم الحقيقي (البدو).
ومرة أُخرىَ استقال وزيرُ الإعلام جورج قرداحي الحرّ، من منصبه، بضغطٍ سعوديٍ فرنسيٍ لبنانيٍّ داخليٍّ تابعٍ لفريق ١٤آذار، بسبب إبداء رأيه الصحيح بحرب اليمن، حيث قال عنها إنّها عبثية.
واليوم أتحفنا من نصّب نفسه ملكاً على البحرين، بِاعتراضهِ على السماح لجمعية الوفاق الوطني البحرينية المُعارِضَة، بإقامة لقاء إعلامي ضِدّ التطبيع مع إسرائيل،
وأرسل رسالة إلى الجامعة العربية اللاجامعة، يعترض فيها على انعقاد المؤتمر، معتبرَاً أنَّ انعقاده في لبنان يمس بسيادة البحرين ويشكلُ إعتداءً صارخاً عليها،معتبراً لبنان بعض أملاكه.
فتسلمت الرسالةَ وزارةُ الخارجية اللبنانية، وأُبلِغَت الرّسالةُ لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي اعترضَ بدورهِ على إقامة المؤتمر، وقدَّم اعتذاره للبحرين، وكأنّه موظّفٌ بحريني من الفئة الخامسة أخطأ في تطبيق قوانين الولاية البحرينية، وسارع للاتصال بوزير العدل، وأمرهُ بإجراء المقتضى القانوني بخصوص مَن دعا ونَظَّمَ وحضر وتحدث في المؤتمر، في أبشع انبطاح لبناني أمام السعودية والبحرين تسببَ به ضعف المسؤولين الذين هآنَت عليهم أنفسهم وكرامتهم في هذا البلد، حتى أفسحوا المجال أمام دُوَل الشمولية والِاستبداد كي تتجَرَّأ علينا، وتفرض شروطها، وتُملي ما يجب علينا فعله، من دون أن نُعطى فرصة الدفاع عن أنفسنا، كما يجري عادةً مع المعارضة البحرينية!!
لقد كانَ الأجدر بالحكومات السابقة أن تمنع عشرات مؤتمرات الإرهاب التي عُقِدَت في بيروت،تحت مسمياتٍ عِدَّة، بحجة مساندة الشعب السوري، ومحاربة نظام الرئيس بشار الأسد،
تِلك المؤتمرات التي هاجمت فريقاً وازنا له ثقلهُ من اللبنانيين، بسبب مساندته للحكومة والشعب السوريّين.
لكنّهم اعتبروها تمثلُ تعبيراً عن الرأي، إذ تدعمها المملكتان الاستبداديتان: السعودية والبحرينية، كما تدعمها أمريكا والصهيونية.
أما فعالية جمعية الوفاق فاعتبروها اعتداء سافراً في شؤون البحرين!.
عِلماً أنّه لا البحرين ولا السعودية، تجرّأتا سابقاً على الِاعتراض على الفعاليات والندوات واللقاءآت السياسية التي تعقدها جمعية الوفاق المعارِضة، وغيرها من جهات المعارَضة، في بريطانيا أو أمريكا أو في سائر الدوَل الأوروبية، لمعرفتهم سلفاً بحجم الرد الصاعق الذي سيتلقونه من عواصم تلك الدُوَل ونوعه.
إن فريقاً من اللبنانيين المنبطحين أمام دُوَل الصحراء، يريدون إجبار كل اللبنانيين على الركوع والخضوع، في الوقت الذي رفض الجزء الأكبر من شعب لبنان، ويرفض هذا الإنبطاح، إذ ارتفعت الأصوات المُنددة بالتدخلات السعوديةوالبحرينية،في وطن الحريات والتعبير، الذي يريدون تغيير ملامح وجهِهِ المُتَحضِر والمُثَقَّف الراقي.
لذلك لا يسعنا إلَّا أن نقول لحكام لبنان وسياسييه ما قاله الشاعر:
{ما كانت الحسناء ترفعُ سِترها، لو كانَ في هٰذي الجموعُ رجالُ}.
فلو كان في لبنان رجال دولة، لما تجرَّأ عليه الأرذال.
وبكُل الأحوال فإنَّ السياسة التي ينتهجها الساسة اللبنانيون الضعفاء، أمام المال الخليجي، لَن توصلهم إلى نتيجة، لأن وجه لبنان الثقافي الحرّ، الذي يُعَبرُ فيه الجميع عن رأيهم من دون أيَة موانع، لن يتغيَّر، وستبقى بيروت عاصمة التفكير والثقافة والتعبير عن الرأي الحر، وسيبقى الإخوة البحرينيون وغيرهم من ضيوف لبنان المقاومين ضيوفاً أعزاء ممنوع المساس بهم.
ونقول لأنصار الشمولية والِاستبداد، ما قالته السورة الكريمة: {... قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُوَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين*}.
بيروت في...
14/12/2021