الكل في لبنان ينتظر...
في السياسة الكل ينتظرون...
في الاقتصاد أيضاً... الكل ينتظر...
في القضاء، المراوحة تعني الانتظار أيضاً... وهنا المأساة الكبرى... قضاؤنا ينتظر الأمر من الشيطان الاكبر، حامي عدو لبنان الوجودي...
حزب الله ليس الوحيد الذي لا يملك برنامجاً واضحاً للمرحلة التي نعيشها...
كل برنامج اليمين اللبناني هو "التنقير" على حزب الله واتهامه بالمسؤولية عما جرى وعما يجري، رغم أن هذا المسكين موجود في القصر، من أمس العصر فقط، وحتى كل هذا الوجود لم يتعدى الرمزية حيث لا سلطة لمن تنادي...
اليمين اللبناني المسؤول الأكبر عن كل المآسي الجارية، لا يجد سوى البطة العرجاء، حزب الله، يحمله المسؤولية وسط بلاهة منقطعة النظير...
كل برنامج اليسار اللبناني، وهو يسار (مخلوطة مشكّلة عادي)، لا علاقة له لا باللوكسوس، ولا حتى بالمخلوطة...
حتى الحركة الوطنية اللبنانية سوف تجد هذه الأيام من يترحم عليها... بعدما أتحفنا الحزب الشيوعي اللبناني الحالي، وليس فقط الياس عطالله بآخر انواع البؤس الأيديولوجي... ناهيك عن شطحات أسامة سعد التي جعلت الناس تترحم على "اللًي خلّف"، فأعطى الشهيد الحي مصطفى سعد قبل أن يفقد أسامة البوصلة في أكثر من موضع...
الحزب القومي، صار جزءًا من تركيبة السلطة الحاكمة في لبنان بعد أن فقد عذريته منذ تسعينيات القرن الماضي...
من حسن حظ القوميين أن إسم الشهيد انطون سعادة اكبر من أن يلوثه ارتباط الحزب القومي بهذه السلطة الفاسدة حتى النخاع الشوكي...
بقايا الناصريين، هؤلاء يعيشون هم أيضاً على مجد عبدالناصر والميثاق، وثورة يوليو... كأنهم لا يزالون يعيشون في خمسينيات القرن الماضي... توقف بهم الزمن هناك، ولم يعد بإمكامهم التقدم خطوة إلى الأمام...
أما التيارات اليسارية الصغيرة الأخرى، فهي تحاول أن تجد لها موقعاً تحت شمس المقاومة دون جدوى لسبب بسيط، هو أن هذه المقاومة نفسها تجلس في غرفة الانتظار حائرة لا تعرف كيف تتصرف مع هذا الوضع، أو في احسن الأحوال، تنتظر انهيار النظام قبل وضع الجميع أمام واقع وجوب عقد ذلك المؤتمر التأسيسي الذي لابد منه لإعادة بناء نظام جديد قابل للحياة...
هناك أيضا من ينتظر عودة المهدي ليأتي وينقذ الجميع من هذه الورطة ويكمل عملية تحرير لبنان والمنطقة قبل تحرير فلسطين ومن ثم تحرير العالم...
لكن فات هؤلاء أن لا المهدي سوف يأتي، ولا المسيح إذا لم تكن الظروف مؤاتية...
والظروف المطلوبة هي وجود قوى تناصر الفقراء وتمنع الأغنياء من الاستيلاء على ملح الارض ونباتها، وهو ما يفتقده لبنان والمنطقة حيث كل شيء يسير لمصلحة الأغنياء على حساب فقراء الأرض والمستضعفين فيها...
علماء الاقتصاد في لبنان يختلفون فيما بينهم في تصور الحلول...
لكن هذا لا أهمية له طالما أن الاقتصاد بكامله يجلس مقيداََ الى كرسي في مكتب رياض سلامة...
رياض سلامة يقول إن الخسارة في لبنان لا تزيد على ٥٥ مليار دولار وان لا مشكلة في إعادة انطلاق هذا الاقتصاد... طبعاً بعد أن يتحمل الفقراء كل الخسارة بفضل سياساته القائمة على حلقة الدوران الفارغ بين الإستدانة لدعم الاقتصاد القائم على الاستهلاك، حتى يعود لتمويل الخزانة من ضرائب الاستهلاك...
أنها فلسفة الاستهلاك التي يمكن فهمها وتبريرها في البلدان الرأسمالية الصناعية الكبرى...
هناك يستطيع الاقتصاد الاستفادة من الاستهلاك لتحريك الصناعة... أما في لبنان... فإن الاستهلاك لم يفد سوى طبقة التجار المستوردين وغير المستوردين وطبعا طبقة أصحاب المصارف والمؤسسات المالية...
تتساءل جريدة الأخبار، وهي محقة، عن جدية نظريات رياض سلامة التي تتحدث عن نهوض يحتاج إلى ١٥ مليار دولار...
بالفعل، إذا كان دواء الإنهيار لا يحتاج لأكثر من ١٥ مليار، لماذا بدد رياض سلامة خلال سنتين ١٨ مليار دولار وعمل مع تحالف المستقبل، أمل، الاشتراكي، عون على إفشال برنامج حكومة حسان دياب...
يكفي الرجوع إلى اجتماعات لجنة الموازنة برئاسة ابراهيم كنعان وعضوية الفرسان الأربعة المذكورين أعلاه بالإضافة لممثل عن القوات وممثل عن حزب الله كانا على ما يبدو إما غير ملمًين بما يجب في الاقتصاد أو نائمين... وفي الحالتين، يجب لف حبل المشنقة حول رقابهما هما أيضاً...
مع حكومة حسان دياب وبالتوازي مع برنامج الإصلاح الذي تقدمت به هذه الحكومة، اقترح كاتب هذه الأسطر بيع الذهب ب ١٨ مليار دولار ووضع جدول من عدة سنوات يقوم على توفير دولارات للسوق عبر إعادة مليار أو ملياري دولار سنوياً لصغار المودعين، والمباشرة الفورية لبناء محطتي كهرباء على الغاز كانت أكثر من جهة دولية عرضت علينا بناءهما...
والعمل على إعادة النظر بالنظام الضريبي لجهة جعله تصاعديا من صفر في المئة للمعدمين أو ذوي دخل الحد ألادنى للأجور، وصولاً إلى ٤٩٪ على الأقل لطبقة التجار والمصارف كما هو الحال في المانيا مثلاً... أو حتى ٧٥٪ كما هو الحال في فرنسا...
هي مجرد كلمات سوف تمحوها الأيام... كما محت ما جاء قبلها...
هي اصوات سوف يخمد موجها حتى تختفي كما اختفت حضارات قبلنا...
كل ذلك لأن ليس في لبنان قوى تريد فعلاً بناء دولة مدنية قوية عادلة حيث يتساوى كل المواطنين بغض النظر عن أية فروقات خلقها الله لتكون غنى، فإذا بالقوى النافذة في لبنان تجعل منها مأساة وفقر وجوع وعوز...
حليم خاتون
هامش: يبدو أن المشكلة لم تكن فقط في رياض سلامة وفي السلطتين التنفيذية والتشريعية...
بل كانت أيضا في وضع الولايات المتحدة الأميركية يدها على ذهب لبنان الموجود قسم منه عندها في فورت نوكس، وقسم في خزنة تحت الارض وتحت اوامر رياض سلامة الذي يخضع هو بدوره لأوامر اميركا