ماذا عن تركيا.. وإلى أين تسير؟..
أخبار وتقارير
ماذا عن تركيا.. وإلى أين تسير؟..
25 كانون الأول 2021 , 09:15 ص


تعتبر تركيا من أهم دول العالم من حيث موقعها الاستراتيجي في قلب أوراسيا حيث قلب العالم.

ويزيد من أهميتها مساحتها الكبيرة وعدد سكانها الذي يقارب 90 مليون نسمة، وامتدادها العرقي والديني الواسعين، وسيطرتها على أحد أهم الممرات البحرية في مضيق البوسفور وبحر مرمرة، مما جعلها أهم دولة بعد امريكا في حلف الناتو، لدرجة أن الحلف يفقد أهم مصادر قوته لو خرجت منه تركيا بسبب وقوعها على قوس أعداء الناتو وفي مقدمتهم روسيا.

هذه الميزات تؤهل تركيا لأن تكون دولة عظمى لو توفرت الظروف المناسبة والإدارة الصحيحة، ويمكن أن تنقلب عليها وبالا في حال أخطأت الحسابات، وفتحت المجال أمام أعدائها للتحكم بها.

موقع ومكانة تركيا دغدغت أحلام الإمبراطورية العثمانية عند الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية الأخواني، فوضع هدف إعادتها بعثمانية جديدة (بلبوس أخواني) تفوق في قوتها وتمددها الإمبراطورية البائدة، وسخر كل سياسات بلاده الداخلية والخارجية لهذا الهدف، فانخرط في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي توافق مع طموحاته وأحلامه، خاصة وأن المشروع رفع شعار "فليحكم الإخوان" مقدماً تركيا كنموذج للبلاد العربية والإسلامية، وتم التمهيد وتهيئة الأجواء بسياسة صفر أعداء، وأعطيت التعليمات لدول الخليج للاستثمار بأموالهم في تركيا، فانهالت الأموال عليها بأكثر من مئة مليار دولار محققة نهضة وفورة اقتصادية جعلتها في مجموعة العشرين لأكثر الدول تطورا في المجال الاقتصادي.

وحاول الغرب الرأسمالي المأزوم استثمار موقع تركيا وتموضعها في الناتو لإنجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد، للسيطرة على كل مواقع وخطوط انتاج ونقل الطاقة الرئيسية في العالم في وسط آسيا والخليج وشرق المتوسط، بهدف حل مشاكلهم الاقتصادية خنق الصين وروسيا وإسقاط إيران.

مع انطلاق حراك الربيع العربي توقع جميع قادة ومخططي مشروع الشرق الأوسط الجديد أن ما من أحد يستطيع الوقوف في وجه مخططهم، وهنا بدأت تتكشف المخططات والاهداف والأوراق وخاصة الدور التركي، فماذا حصل؟..

تم جلب الإيغور الصينيين لتدريبهم وإنجاز مهتم في سوريةـ على أن تتم إعادتهم بعد إسقاط سورية لإنجاز مهمتهم في الصين لزعزعة استقرارها واستكمال حصرها.

تم جلب الشيشان والقوقاز وغيرهم من الأصول التركمانية في روسيا لإنجاز المهمة في سورية، على أن تتم إعادتهم إلى روسيا لاستكمال مهمتهم فيها وعلى أسوار الكرملين بالتزامن مع حصارها.

نفس المهمة بشكل أو بآخر كان سيتم استخدام المجموعات الوهابية والإخوانية في الدول العربية ومحيطها الإسلامي، لاستكمال تفتيتها بحسب مخططات مشروع الشرق الأوسط الجديد.

وبالنسبة لإيران فلتركيا معها حساب آخر، حيث الحيز الاستراتيجي في المنطقة لا يتسع لدولتين قويتين بحجم تركيا وإيران، ولم يسجل التاريخ وجود تركيا قوية، وإيران قوية في وقت واحد، فإما تركيا قوية وإيران ضعيفة، واما إيران قوية وتركيا ضعيفة، وفي استحضار للتاريخ كانت الخطوة الأولى في قيام الإمبراطورية العثمانية معركة كالديران بين العثمانيين والصفويين عام 1514 التي انتصر فيها العثمانيون على الدولة الصفوية وأسقطوها، ثم توجهوا غربا وخاضوا معركة مرج دابق قرب حلب عام 1516 وانتصروا فيها، لتتساقط بعدها مدن الشرق العربي بدون قتال تقريباً، ولتكون بداية تشكل الإمبراطورية العثمانية، وهذا يفسر سر استشراس أردوغان للسيطرة على حلب لاستعادة مسار نشوء الإمبراطورية العثمانية.

مع وصول حراك الربيع العربي الى سورية توضح أنها كانت جوهرة العقد في كل ما يجري، لأن إسقاط سورية في براثن مشروع الشرق الأوسط الجديد وعصاباته الإرهابية من الأخوان والوهابيين تعني السيطرة على كامل المنطقة، وتوقعوا انتهاء كل شيء خلال ثلاثة أشهر على الأكثر، لكن تطورات الأوضاع في سورية سارت على غير ما خططوا له مع صمود سورية وتلقيها مساعدات من حلفاء وأصدقاء أمنت لها إحباط مخطط إسقاطها، ومع الوقت ظهرت بوادر فشل المشروع وبدأت الأوراق تحترق وفي مقدمتها الورقة التركية.

ولو قيض لهذا المشروع النجاح بتجاوز محطته السورية، لكانت الإمبراطورية العثمانية قد بعثت من جديد بنسختها الإخوانية، ولكنّا رأينا أردوغان اليوم يتحكم من حدود المغرب الى داخل حدود الصين وروسيا، ويفرض على أوروبا ما يريد، وهذا ما أثار عند الأوروبيين مشاعر الخوف والحذر من المخططات والطموحات التركية وأيقظ مشاعر العداء للإمبراطورية العثمانية.

اما وقد فشل المشروع فأصبحت الحسابات مختلفة بعدما نكأ أردوغان وحزبه الأخواني جروح كنا نتوقع أنها اندملت على مدى أكثر من قرن من الزمن، لكن واقع الحال يؤكد أنها لم تندمل وفتحت من جديد.

موازين القوى والقوة الإقليمية والدولية تسير اليوم مع التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة نحو عالم جديد متعدد الأقطاب، وسيشهد تراجع وانهيار دول وامبراطوريات وأنظمة، وصعود أخرى سيكون من أبرز هذه التطورات:

* تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية من قطب وحيد، إلى واحد من عدة أقطاب، مع فتح المجال نحو مشاكل وأزمات داخلية عميقة قد تؤدي إلى تفككها على المدى المتوسط.

* تراجع فرنسا وبريطانيا من مكانة الدول العظمى إلى مجرد دول إقليمية كبرى.

* عودة روسيا والصين كأقطاب عالمية تشارك الولايات المتحدة قيادة العالم مع افضلية لها.

* صعود إيران إلى مصافي الدول العظمى.

يلاحظ بوضوح أن المنظومة التي تتموضع فيها تركيا هي التي تشهد تراجعا، مقابل صعود القوى والدول التي عملت تركيا بوضوح على استهدافها ومحاولة زعزعة استقرارها وإسقاطها.

مع هذا التبدل المتسارع في التوازنات الإقليمية والدولية لا بد من طرح عدة أسئلة لنعرف إلى أين تسير تركيا وكيف سيكون حالها مستقبلاً.

* هل ستنسى الصين دور تركيا في محاولة حصارها وتدريب الإيغور لزعزعة استقرارها؟.. والجواب بالتأكيد الجواب لا.

* هل ستنسى روسيا دور تركيا في محاولة حصارها وتدريب الشيشان والقوقاز وغيرهم لزعزعة استقرارها ؟.. الجواب بالتأكيد لا.

* هل ستنسى إيران القاعدة الجيوسياسية في المنطقة، ومحاولة تركيا حصارها وإسقاطها واستعادة التاريخ ومعركة كالديران؟.. الجواب بالتأكيد لا.

* هل ستنسى بقية دول المنطقة ومنها سورية ما قامت به تركيا من دور تخريبي وإرهابي استهدفها كلها؟.. الجواب بالتأكيد لا؟

* هل ستنسى أوروبا كلها محاولات بعث الإمبراطورية العثمانية، وذكريات سقوط بيزنطة والسيطرة على مناطق واسعة منها ومحاصرة فيينا وحروب القرم وغيرها؟.. الجواب بالتأكيد لا.

هذا يعني أن التطورات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة والعالم لن تتسع لتركيا قوية، تعود لتهديد جيرانها واستقرار المنطقة والعالم، وتعود إلى احلامها الإمبراطورية، وهذا ما تتشارك فيه كل القوى الصاعدة في العالم وتحديدا الصين وروسيا وإيران بالإضافة إلى أوربا وكل المحيط العربي لتركيا، ولهذه الأسباب ستعمل كل هذه القوى والدول على أن تكون تركيا أما دولة مقسمة أو ضعيفة منهكة، وهذا ما نرى بداياته، وهذا سيكون مسار تركيا الذي تسير عليه.

قد يقول البعض إن تركيا تحتفظ بعلاقات جيدة مع روسيا وإيران، وأن هذه الدول مع الصين وغيرها لا تبدي مشاعر العداء لتركيا، وجواباً على ذلك نقول إن الدول العظمى والراسخة تبني سياساتها بعقل بارد، ولا تتسرع في اتخاذ مواقف العداء وإشعال الحروب وإثارة التوترات، لكن هذه الدول والامبراطوريات تعرف من هو العدو والصديق، وتعرف كيف تصل إلى أهدافها وخاصة إذا كانت في مرحلة الصعود والنمو وبناء مكانتها وموقعها.

ولنأخذ مثالاً على ذلك إيران التي لم تكن يوماً عبر التاريخ على صداقة مع تركيا، وهي تعرف اليوم دور تركيا في محاولة حصارها وإسقاطها، ولكن ما حاجتها إلى شن حرب معها إذا كانت السياسة التركية تأخذ تركيا إلى حيث تريد إيران ويحقق أهدافها؟.

لهذه الأسباب نرى الإيرانيون يبدون كل مشاعر الصداقة والحرص على علاقة جيدة مع تركيا، لكن ما وراء كل ذلك الكثير من تعقيدات السياسة والجغرافيا والتاريخ، والشكر من إيران على السياسات التي تأخذ تركيا إلى حيث تريد مصالحها، وكذاك روسيا التي تعمل على شق حلف الأطلسي من خاصرته التركية وهم يحققون ذلك بنجاح.. لكن لكل هؤلاء حساب مؤجل وقريب مع تركيا.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري