البراغماتية الأميركية شيء...
والمؤامرة الأميركية شيء آخر...
هذا ما يتبادر إلى الذهن في الوهلة الأولى حين النظر وتحليل الأمور والأحداث...
لكن الحقيقة الثابتة هي أن البراغماتية الأميركية ليست سوى جزء من خطة المؤامرة الأميركية فيما يخص أي بلد أو أي قضية...
هذا ليس من أغنيات نظريات المؤامرة... هذا هو الوضع الطبيعي لقوة عظمى تتربع على عرش العالم ولا تريد أن تسقط إلى مستويات أقل، ولا حتى الى مستوى تعدد الأقطاب..
في عالم الذئاب، وحدهم الخرفان يذهبون إلى الذبح دون مقاومة، ووحدهم عربان الخليج يخدمون السيد الأميركي الجزار على بني قومهم كما في قصة الحمار الذي عينه الاسود ملكا على الغابة...
صحيح أن الأميركيين يتكيفيون مع الصفعات حين لا يستطيعون الرد مباشرة، فيظهر للمرء أن اميركا استوعبت ما حصل، لكن الصحيح أيضاً، هو أن لدى الأميركيين مراكز دراسات لا تتوقف عن العمل...
كلما حصل أمر ما، تقوم مراكز الدراسات تلك بتحليل الأمور وابداء الرأي...
للوهلة الأولى، قد تبدو تلك الدراسات على تناقض كامل...
لكن شيئا واحدا مهماََ جداً يجمعها كلها: مصلحة اميركا العظمى العليا...
الهدف دوما، هو خروج اميركا بأقل الخسائر الممكنة في المرحلة الأولى، قبل إعادة الإنطلاق لتحقيق هيمنة المشروع الأميركي إياه، لكن بطريقة أخرى... هذا ما يسميه الاميركيون الخطة ب أو س أو غيرها... Plan B , plan C...الخ
وحدهم السذج هم من يعتقدون أن كل ما حصل أو يحصل في لبنان وفي المنطقة هو تسلسل احداث حياتية طبيعية...
قبل نصف قرن تقريباً، هُزمت اميركا في فيتنام شرّ هزيمة...
صحيح أن السوفيات كانوا الداعم الأساسي لفيتنام، لكن الصين لم تكن بعيدة أيضاً عن هذا الدعم...
اليوم، بعد خمسين سنة، تُعتبر فيتنام حليفة اميركا الأولى في مواجهة الصين...
العداء للشيوعية شيء، وشراء ذمم الشيوعيين، شيء آخر...
الياس عطا الله، ومنظمات المجتمع المدني، ويسار السفارات ليسوا الدليل الوحيد على إمساك الأميركيين بالكثير من الخيوط في الداخل اللبناني بحيث انهم يتكيفون مع أي تغيير ليعودوا من الشباك بعد أن يظن المرء أنهم خرجوا من الباب...
أليس هذا ما فعلوه في العراق...؟
طيلة سنين استطاعت دولة الكويت تغطية تبعيتها الكاملة للمشروع الأميركي ببعض المواقف التي فرضها وجود هامش من الديمقراطية في هذا البلد...
امير الكويت، ليس محمد بن زايد أو محمد بن سلمان...
امير الكويت عندما يخون قضايا الامة، عليه سلوك معابر تمرر هذه الخيانة بشيء من التبرير...
"الديمقراطية" الكويتية الهشة تتطلب هذا الطلاء...
الكويتيون لا يصدقون حتى اليوم أن صدام حسين غزا البلد بتحريض اميركي واضح، وشبه علني...
لقد تم زرع المشروع الأميركي في الوعي الكويتي، حتى صدق هذا الأخير أنه مجتمع ديمقراطي عروبي في الوقت الذي تتحكم أميركا بكل مفاصل الدولة...
ولأن صيت الكويت أقل بشاعة من صيت شريكاتها في الجزيرة العربية تم إرسال وزيرها ليحمل جزرة كاملة العفن من الداخل، تم طلاؤها من الخارج حتى لا يبان المخفي... والمخفي هو تحريض اللبنانيين بعضهم على بعض والتأسيس لحرب أهلية تحت بند ١٥٥٩...
يقول سفهاء ١٤ آذار أن ما يريد المجتمع الدولي منه شبراََ، يريد منه اللبنانيون متراً...
تناغم خونة الداخل مع عدو الخارج ليس جديداً...
لكن الجديد هو فيما يجري على الساحة السنية، حيث يتم تفخيخ هذه الطائفة في لبنان كي تمشي في مشروع سمير جعجع، وتجر معها وليد جنبلاط...
أولا، يرسلون وزيراً، يتلطى بالعروبة وفلسطين، ثم يزيحون سعد الحريري لكي يفلت في الميدان فؤاد السنيورة وأشرف ريفي وبقية كلاب المخابرات المركزية الأميركية...
كل ذلك، والكثيرون من سُنّة المقاومة، لا يجرؤون على مواجهة المشروع علنا وبحزم خوفا من انهيار اقتصادي خطط له ودبر له عملاء اميركا في لبنان...
رياض سلامة ليس أوحد هؤلاء العملاء، ولا هو أكبرهم...
عملاء اميركا في الرئاسات الواعية والغافية على حد سواء...
عملاء اميركا في كل الحكومات والبرلمانات السابقة والحالية...
عملاء اميركا في القضاء والجيش والشرطة والأمن...
كل ما شعر به بعض الخائفين على الصيغة اللبنانية هو الحزن الذي يغطي الخوف...
هل هو الخوف على مصير الوطن أم على مصيرهم هم في الحرب التي تقترب شرارتها كل يوم أكثر...
وحده حزب الله لم يعلق لا على بذاءة الكويتي، ولا على خضوع الرئيس الحريري مرة أخرى وأخرى لإملاءات ابن سلمان وزبانيته...
العبرة ليس في التعليق...
العبرة هي في الصحوة وضرب المشروع في مهده عبر المباشرة فورا إلى تأسيس تلك الجبهة الوطنية العريضة المناهضة للإمبريالية، والتي يبدو أن هناك من يتردد في استفزاز الخونة خوفاً من فتنة صارت في قلب الوطن...