في مقالة قصيرة قياساً إلى الموضوع الذي تناوله في جريدة "نداء الوطن"، يحاول الاستاذ محمد عبيد تناول تلك العلاقة غير السوية التي وضعت المقاومة في حلف غير مقدس، مع ضدين لا يلتقيان إلا على المحاصصة، وعلى العيش الطفيلي وامتصاص دم الطرف الثالث، حتى آخر نقطة دم يمكن امتصاصها...
كل ما أورده الاستاذ عبيد صحيح إلى حد كبير، لكنه غير كافِِ في تحميل المسؤوليات عن تلك الفرص المهدورة في بناء الوطن...
كل الربط الذي بناه الاستاذ عبيد بين حركة أمل من جهة، والتيار العوني من جهة أخرى مع الفساد المستشري في الدولة، له أساس ظاهر في الإنهيار الذي وصلنا إليه اليوم...
لكن هذا لا يعني تبرئة الأحزاب والتيارات الأخرى...
الكل مذنب.
كل من تبوأ هذه السلطة يوماً، مسؤول أمام الله والناس على كل ما حصل وعلى كل ما يحصل، وبكل أسف، على كل ما سوف يحصل من ويلات لم نر منها سوى رأس جبل الجليد...
يتساوى في هذه المسؤولية كل الأحزاب والحركات التقليدية والإقطاعية، تماما كما يتساوى في ذلك ما يُسمى زوراً، أحزاب تقدمية أو وطنية أو يسارية... الخ من الأسماء اللامعة التي تخفي تحت جلدها اوراماََ سرطانية، والكثير الكثير من العفن بكل ما تحويه كلمة عفن من القرف...
لكن يبدو وكأن الاستاذ عبيد يحاول تبرئة حركة أمل من دم الصديق وشخصنة المسألة عبر حصرها في الرئيس نبيه بري، تماما كما يحاول التقليل من ذنب الجنرال عون في ذلك الإثم الكبير الذي سوف يتحمل وزره إلى الأبد بسبب تقوقعه داخل الطائفية والمذهبية والتخلي عن الحلم اللبناني الكبير ببناء دولة مدنية علمانية، تحترم كل الأديان، وتمنع أقزام هذه الأديان من الاستمرار في خنق هذه الدولة ومنعها من أن تصبح دولة بالفعل...
دولة لم تتعدى أن تكون اتحاد مزارع لا تحمل من الدين إلا الصبغة...
مزارع تتشارك في النصب والاحتيال باسم الطائفة، فيما تتقاسم فيما بينها جبنة السلطة في كل عمليات النهب المنظم الذي حكم هذه الدولة منذ تأسيس لبنان الكبير...
كل هذا ليس سوى تكرار يعرفه كل اللبنانيين...
لكن المأساة، بكل أسف، ليست محصورة في كل هؤلاء فقط...
المأساة هي عند هذا الشريك الثالث، حزب الله الذي وإن كان لم يدخل في لعبة الفساد والمحاصصة إلى حد كبير، إلا أنه دخل إلى السلطة من الباب المذهبي العفن...
تماما كما ورث الرئيس بري موقعا عملاقا من السيد موسى الصدر، ثم حوله من برنامج كل المحرومين، من كل الطوائف، إلى سوق طائفية يحضره من يريد أن يشتري ويبيع...
في هذا السوق، يبيعون ويشترون قطعا ممزقة من وطن قاموا هم بتمزيقه...
تماما كما جاء الجنرال عون على حصان علماني أبيض، ثم تبين أن هذا الرجل لا يحمل من المبادئ إلا الزبالة التي رأيناها عند كل من سبقه من رؤساء وزعماء ومسؤولين باستثناء، ربما قلة لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة...
ليس الأهم أن يتعاون حزب الله ويقدم المعونات الى كل الطوائف والمذاهب، وإن كان هذا مهماً...
هذا جيد كمسألة اجتماعية...
أما فيما خص الموقع النضالي... هناك أكثر من ملاحظة...
لا يستطيع أحد أن ينكر على هذه المقاومة انطلاقها من عقيدة أهل البيت، رغم أن أهل البيت ما كانوا ليقبلوا بالتعايش مع الفساد الذي تتعايش معه هذه المقاومة...
لكن المحزن في الأمر أن هذه المقاومة التي تعملقت حتى صارت رمزا للأمة ورمزا لكل الوطنيين في هذه الأمة على اختلاف معتقداتهم، كثيرا ما تقزًم نفسها بنفسها حين تدخل في زواريب لصوص الطوائف في هذا الوطن...
من المعيب أن تجلس هذه المقاومة العملاقة إلى أي طاولة حوار أو حكومة أو غيره وتحمل صفة مذهبية...
يجب على هذه المقاومة أن تكون فوق الطوائف وفوق المذاهب، وحتى فوق باقي الأحزاب...
لا احد ينكر صعوبة هذا الفصل، لكن بناء الوطن يحتاج إلى أن تسمو هذه المقاومة فوق الجميع...
لا يكفي أن تصر قناة المنار أو الNBN، على التشبث بصفة الثنائي الوطني حتى يكون هذا الثنائي وطنياً فعلاً...
شاءت المقاومة أم أبت، فإن هذا الثنائي شيعي بامتياز، وصار جزءا من المحاصصة بامتياز...
لذلك على المقاومة أن تختار بنفسها ماذا تريد:
القوقعة داخل المذهب،
أم السمو في الموقف الثوري...
على المقاومة أن تعقد مؤتمراً تقرر فيه ماذا تريد أن تكون...
هل هي حركة شيعية؟
هل هذه هي حدودها...؟
أم هي مقاومة لكل الوطن العربي ولكل المستضعفين فعلا الذي لا يمكن للقاء الأربعاء مثلاً، أن يمثلهم بأي شكل من الأشكال...
هنا تكمن المشكلة التي لم يتناولها الاستاذ محمد عبيد...
نحن ضد ال١٥٥٩...
نحن ضد ال ١٧٠١...
نحن ضد اتفاقية الهدنة...
حدود لبنان هي ابعد من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، شاء جنبلاط والسنيورة أم رفضا...
لو كان لهؤلاء الخونة ذرة وطنية لطالبوا على الأقل بحدود لبنان الكبير كما تم الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا في العشرينيات...
لو كان عند هؤلاء ذرة وطنية لوضعوا شرط تنفيذ القرار ١٨١ وعودة كل اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم... وانهاء وجود مخيمات لجوء تعيق تطور الدولة...
لو كان عند هؤلاء ذرة وطنية لرفضوا الانصياع إلى الغرب فيما يخص النازحين السوريين...
نحن مع أن تكون المقاومة حيث يجب أن تكون لأن ساحات نضالها يجب أن تشمل كل الوطن العربي، شاء خليج الذل ام أبى...
نحن لا نطلب من هذه المقاومة أن تتخلى عن حسينيتها...
من حق هذه المقاومة أن تتشبه بثورة الحسين... لكن من يريد أن يتشبه بثورة ذلك الإمام العظيم عليه أن يحمل أثقالا، ليس أقلها أن يكون كما قال سيد هذه المقاومة في الموقف من اليمن وأهل اليمن...
هؤلاء ليسوا فقط اهلنا،
هؤلاء ليسوا فقط جذورنا...
هؤلاء أكثر اهل العرب مظلومية...
هؤلاء يُذبحون لأنهم أهل حق...
المطلوب من المقاومة أن تكون معهم ليس بسبب هاشميتهم، وهذا شرف عظيم...
على المقاومة أن تكون مع اهل اليمن لأنهم مستضعفون يريد كلاب جزيرة العرب طحنهم بدعم من الغرب والصهاينة...
قد يكون الهامش ضيقاََ جداً بين التشيع ونصرة المظلوم...
لكن نصرة المظلوم هي الصفة التي يجب أن تغلب، وهي التي يجب أن تسود...
كيف سوف يستطيع حزب الله السمو بنفسه فوق المذاهب وفوق الأحزاب الأخرى...
هذه هي مهمته الأكثر أهمية...
عدو حزب الله هم ليس فقط أتباع اميركا من قوات أو غيرهم...
عدو حزب الله هم كل من يفكر من منطلقات مذهبية وطائفية، بما في ذلك "الحلفاء"...
لذلك، في ذلك الحلف غير المقدس بين حزب الله وأمل والتيار العوني، حزب الله سوف يتساوى في حمل المسؤولية إذا لم يخرج ويسمو بنفسه...
الانتخابات لم تعد مهمة...
المهم النقاء الثوري...
والنقاء الثوري يتطلب مواقف أكثر جذرية وأكثر سموا...