كتب الأستاذ علي سمير:
يمكن توصيف الأزمة الأوكرانية الحالية باختصار : بأنّه التوتر الذي يمكن أن يؤدي إلى غزوٍ روسيّ لأوكرانيا، وبالتالي إلى مواجهةعسكرية مباشرة بين روسيا والغرب، وفي قلب هذه الأزمة رغبة الحكومة الأوكرانية الِانضمام إلى حلف الناتو، ممّا اعتبره بوتن تهديداً للأمن القومي الروسي، على اعتبار أنّ أوكرانيا خط أحمر لروسيا، وبينهما حدود مشتركة تتجاوز الـ 2000 كيلو متر، وأنّ انضمام أوكرانيا للحلف يعني أنّ منصات الصواريخ الأوربية ستتوجه للعاصمة موسكو، فضلاً عن أهمّية أوكرانيا تاريخياً وإستراتيجياً واقتصادياً للروس، بل ويعتبرها الروس (روسيا الصغرى).
وتنص المادة الخامسة من الناتو على أنّ: أيَّ اعتداء على أيِّ عضوٍ في الحلف هو اعتداءٌ على كامل الحلف يجب التصدي له.
المراقب للأوضاع الدولية خصوصاً في منطقة أوروبا الشرقية هـذه الأيام، والحشود العسكرية الهائلة التي تتجمّع، سواء من روسيا أو الناتو، على الحدود الأوكرانية وفي الداخل الأوكراني وباقي دول شرق أوروبا، يجد أنّ العالم مقبّلٌ على أزمة خانقة للغاية، وأنَّ الأمور بين روسيا والناتو، على المستويات الأمنية والاقتصادية والدولية، تتّجه للتصادم والتأزم واللاعودة، وأنّ جميع محاولات التسوية والاحتواء قد فشلت، وأنّ الضمانات الأمنية المكتوبة التي طالبت بها روسيا،كمنع انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي.
وعدم توسعة الناتو.
ووقف تسليم الأسلحة الهجومية والدفاعية إلى أوكرانيا.
وخروج كافة المستشارين والمدربين العسكريين الغربيين من أوكرانيا.
ووقف المناورات المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي.
وإيقاف شحنات الأسلحة الأجنبية وإخراجها من الأراضي الأوكرانية
وإخراج منصات الصواريخ من أوكرانيا وبولندا ورومانيا، وباقي الدول القريبة من روسيا.
كلُّ هذه الضمانات جوبهت بالرفض، وأنَّ نسبة التردّي تفوق نظيرتها قبل الحرب العالمية الثانية،وما أفضت إليه مخرجات مؤتمر فرساي الأول، وبشكلٍ سريع لا بُدّ أن نشير للآتي:
يظهرأنّ الولايات المتحدة تدفع باتجاه التصادم الأوروبي ــ الروسي للحصول على بعض المكاسب ومنها:
أ- إيقاف مد أنابيب السيل الشمالي الروسي باتجاه أوروبا الغربية، ومن الواضح أنّ تفاهمات إيجاد البديل للغاز الروسي تستهدف إيقافه تماماً.
ب ـ إشغال أوروبا بالحرب، واستنزافها اقتصادياً وعسكرياً،لإحياءسوق السلاح الذي تحتاجه أمريكا لتنشيط اقتصادها الذي يعاني.
ج ــ إيقاف التمدد الاقتصادي الصيني الذي يندفع باتجاه أوروبا، باعتبار أنّ السوق الأوروبي هو المستهلك الأكبر للمنتجات الصينية.
وبذلك تكون لأمريكا أهداف استرتيجية تدفعها باتجاه إيقاد نار الحرب.
لكن السؤال الأهم: هل روسيا والصين وأوروبا غافلة عن العقلية الأمريكية الشيطانية المنتجة للحروب؟
لا شكّ أنّ أمريكا لن تدخل الحرب من أجل أوروبا، لكنّها ستشعلها،وتترك أوروبا لمواجهة مصيرها وإضعافها، من أجل أن تبقى هي مسيطرة عليها.
ويمكن القول: إنّ المخطط الأمريكي ليس خافياً على هذه الأقطاب، ولذلك نتوقع ألّا تنجرف روسيا باتجاه حرب شاملة، وستكتفي باستقطاع الأقاليم الشرقية المنفصلة أساساً (دونيتسك ولوهانسك) وإلحاقها بروسيا، ويُمكن أيضاً تتطور الأوضاع لتشمل السيطرة على العاصمة كييف، لكنّ السؤال هو: في حال أقدم بوتن على اجتياح كييف، ماذا يمكن أن يفعل حلف شمال الأطلسي؟
من الواضح أنّ الغربيين هددوا روسيا بعواقب وخيمة، إن هي أقدمت على غزو أوكرانيا، وأرسلوا الأسلحة الفتاكة لردعها، وهذا ما يزيد من حظوظ توسّع الحرب، إن لم تتِمّ تسوية الأمور، بما يُرضي الطرفين؛ وهذا ما قد يحصُل.