كتبت ماجدة الحاج:
فيما كانت أنظار العالم تشخص صوب اوكرانيا ترقّبا لأيّ حدث عسكري مفاجئ على وقع قرقعة سيوف الحرب والتّهويل الأميركي –الناتوي غير المسبوق ضدّ روسيا، وبينما كان الجميع يتوقّع "هجوما روسيّا خاطفا" على كييف ربطا بالموعد الذي حدّده الرئيس الأميركي جو بايدن لهذا الهجوم المزعوم الذي انقضى امس الأربعاء..جاء الحدث من مكان آخر، حيث بشكل فجائي، وبزيارة غير معلنة، حطّ وزير الدّفاع الرّوسي سيرغي شويغو في سوريا للإشراف على سَير المناورات في البحر المتوسّط، والتي رُفدت بقاذفات روسيّة مزوّدة بصواريخ "الخنجر"-كينجال فرط صوتيّة ومقاتلات "ميغ31 كيه "وصلت الى قاعدة حميميم الجوّية الروسيّة.. من هناك، آثرت وزارة الدّفاع الرّوسيّة بعث رسائلها "النّارية" الى "من يهمّهم الأمر" في توقيت بالغ الحساسية، وعلى مرأى حاملات الطائرات التابعة لحلف الناتو في البحر المتوسّط.
من السواحل السوريّة ارادتها موسكو رسالة غير عادية الى واشنطن على متن مناوراتها ردّا على "السُّعار" وعمليات التجييش والتأليب غير المسبوقة ضدّ روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانيّة.. تصدّر شويغو المشهد متابعا للتدريبات البحرية التي تضمنّت اكثر من 140 سفينة حربيّة، واكثر من 60 طائرة و1000 وحدة عسكرية، ونحو 10 آلاف عسكري وابرز الفرقاطات والسفن الروسية المضادة للغواصات..
ثمّة من رأى انّ تفاصيل زيارة شويغو الى سوريا في هذا التوقيت "هامة جدا" بكلّ المقاييس. احدهم أدرجها في اطار "الإستعداد للحرب مع الولايات المتحدة"- وفق ترجيح الكاتب الروسي الكسندر نازاروف.. حتى لقاء شويغو المفاجئ مع الرئيس الأسد استوقف بعض المحللين السياسيين والعسكريين في تل ابيب.. مراسلة الشؤون السياسية في قناة "كان" العبرية غيلي كوهين، رأت انّ شويغو قد يكون اودع الرئيس الأسد "كلمة سرّ" روسية لربما تتعلّق بإسرائيل، وكشفت انها حصلت على معلومات "دقيقة" من مصدرَين روسيَّين احدهما صحيفة Rusvesna، تشي ب "امر ما" ليس عاديّا تمّ التجهيز له في سورية ربطا بالتأزُّم والكباش الهائل الحاصل على ضفّة اوكرانيا!
ولا تُنكر وسائل اعلام عبرية مدى الحنق الرّوسي مؤخرا من "اسرائيل" على خلفيّة دعمها لأوكرانيا، وإدراك موسكو بعمليات التنسيق عالية المستوى بين تل ابيب وانقرة حيال اوكرانيا..ولعلّ قرار البدء بإجراء دوريّات روسية-سوريّة مشتركة قرب الجولان، كان من ابرز الرسائل اللافتة التي مرّرتها موسكو –ليس لإسرائيل حصرا، بل للولايات المتحدة ايضا، عبر التلميح لها انّ لديها ساحة تحرّك اخرى في الشرق الأوسط بعيدا عن اوكرانيا.. هذا قبل ان تكشف قناة "كان" الإسرائيلية الرّسمية في الثاني من الجاري، انّ القوات الروسية في سورية، تعمّدت استخدام انظمة تشويش لنظام التموضع العالمي "GPS" في الأجواء "الإسرائيلية"، "وهو ما عرّض الطائرات التي حاولت الهبوط في مطار بن غوريون للخطر..
الصحافي المتخصّص في الشأن العسكري لدى القناة إيتاي بلومنتال، الذي توقّف عند ما اسماه" الحنق الروسي غير المسبوق على اسرائيل" سيما بعد رفض موسكو الإستجابة للطلب الإسرائيلي بوقف التشويش في الأجواء "الإسرائيلية"، والذي أدرج الضربات الصاروخية "الإسرائيلية" على جنوب دمشق ليل الأربعاء في اطار "جسّ نبض القوات الروسية"، كشف انّ المعنيّين في تل ابيب، أُبلغوا عبر قنوات روسية، انّ اي رد سوري مؤلم على الاستفزازات العدائية "الإسرائيلية" سيتمّ بتوقيت دمشق وليس تل ابيب.. مع تذكير من يعنيهم الأمر في الدوائر "الإسرائيلية" انّ سورية منخرطة ايضا في المعركة بين الحروب التي تنتهجها "اسرائيل"، وتعلم الأخيرة جيدا حجم الضّربات التي سدّدتها سوريا في المرمى "الإسرائيلي" في اطار هذه المعركة بعيدا عن الضوضاء الإعلامي.. "وقد يكون من الجيّد الرّكون لشهادة قائد القوات الجوية "الإسرائيلية" عميكام نوركين، الذي تسبّب صاروخ سوري في سماء تل ابيب منذ اشهر، بإشعال رأسه بالشَّيب!
لا يغفل محلّلون استراتيجيون دقّة وخطورة المرحلة المقبلة على خلفيّة الأزمة الأوكرانية.. والمؤكد انّ التّصعيد الأميركي ضد روسيا سيستمرّ بوتيرة عالية في الحقبة المقبلة.. ولربما تحتكم واشنطن الى الإجراء الرّوسي اليوم بطرد نائب السّفير الأميركي في موسكو، للنّفاذ من خلاله الى اعلاء وتيرة تصعيدها المرتقب ضدّ روسيا، وهو ما ورد في بيان الخارجية الأميركية اليوم الخميس، حيث توعّدت بالرّد على الخطوة "التصعيدية" الرّوسية..
ففي حين يتوقّع محلّلون سياسيون وعسكريون روس ان تلجأ الولايات المتحدة الى عمليّات استفزاز ضدّ روسيا في اوكرانيا، تذهب مصادر روسية مواكبة الى ترجيح ان يتمّ تحريك جماعات متطرّفة في سورية بإيعاز اميركي لاستهداف الرّوس.. وهو ما تلقّفته موسكو التي اعلنت على لسان نائب وزير خارجيتها اوليغ سيرومولوتوف يوم الأحد الماضي، "انّ القوات الروسيّة في سورية تملك معلومات عن وجود خطط لدى الإستخبارات الأميركية لتعبئة متطرّفين نائمين لتنفيذ عمليات ضدّ قوات الأمن السورية، وعسكريّي روسيا وايران"!
وكان لافتا انّ اعلان سيرومولوتوف استُبق بإعلان جهاز الإستخبارات الخارجية الروسية، والذي جاء فيه" انّ الاستخبارات الأميركية تخطط لتعبئة خلايا متطرّفة نائمة في العاصمة السورية وريفها، ومحافظة اللاذقية، لشنّ هجمات على القوات السورية والروسية، والايرانية ايضا!
في المقابل، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي الرّوسي الكسندر نازاروف، انّ الرّد الروسي يجب ان يتركز على الإحتلال الأميركي لجزء من الأراضي السورية "حيث يعمل الإرهابيون بحريّة هناك"، واعتبر انّ الردّ الأمثل الذي على الرئيس بوتين فعله، هو مبادرته الى "تمشيط" تلك المنطقة وطرد الأميركيين من سورية. "وإذا وقف الجنود الأميركيون الى جانب الإرهابيين، فيتعيّن تدميرهم ايضا"-بحسب قوله.. وإذ لم يستبعد ان يلجأ الأميركيون مرّة اخرى الى عمليات استفزاز "كيماوية" بمساعدة جماعة" الخوذ البيضاء" لاتهام الرئيس الأسد وروسيا، كما لا يستبعد ايضا ما اسماه" تنسيق الولايات المتحدة لأيّ نوع من التخريب" على الجبهة الأوكرانية، مثل افتعال انفجار في محطّة نووية اوكرانية، او تسميم الرئيس الأوكراني بسمّ"نوفيتشوك"، اعتبر نازاروف انّ بحوزة روسيا اوراقا هامة تردّ بها على واشنطن في سورية، "ومنها سوف تُطرد قريبا من الشرق الأوسط"- وفق ترجيحه.
وعليه، باتت الأمور مفتوحة على كل الإحتمالات ربطا بالحاجة الأميركية الماسّة الى حرب ضدّ روسيا لكن بالوكالة.. فالرئيس الأميركي الذي يُدرك خطورة انحدار الوضع الإقتصادي في الولايات المتحدة، وحيث وصل التضخّم الى 7 فاصل خمسة بالمئة اضافة الى انهيار شعبيّته على خلفية خروج القوات الأميركية المذل من افغانستان، لا يجد بدّا من الهروب الى الأمام.. وعدم توفير اي وسيلة لجرّ روسيا ودفعها الى ما لا يحمد عقباه..
يبقى السؤال ليس ازاء ماذا ستفعل روسيا من الآن وصاعدا حيال القواعد والقوات الأميركية في شمال شرق سورية، بل هل ستكون القواعد والقوات الأميركية في العراق ايضا بعيدة عن دائرة التهديد؟ وماذا عن ساحات اخرى في المنطقة؟.. هذا من دون اغفال ما رشح من معلومات صحافية روسية وُصفت ب "الدقيقة"، تحدّثت عن احداث مرتقبة "من العيار الّقيل"، قد تكون باكورتها قريبا في احدى الدول الخليجية المطبّعة، "وعدم استبعاد اقتراب عمليّة امنيّة غير مسبوقة يُسجلها حزبُ الله في المرمى "الإسرائيلي" -وفق ما نقلت المعلومات عمّا اعتبرته" مصادر حليفة لروسيا في المنطقة".