كتب الأستاذ حليم خاتون: لبنان بين المصير الأوكراني، والمصير القبرصي
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: لبنان بين المصير الأوكراني، والمصير القبرصي
حليم خاتون
23 شباط 2022 , 16:59 م

من يشاهد ويرى ويسمع طبول الحرب يدق عليها الكثيرون من السفهاء في لبنان، يدعو أن يهب الله عقلاََ، ومنطقاََ، إلى من لا عقل ولا منطق لديه في هذا البلد، قبل فوات الأوان...

مقارنة بسيطة بين مساحة وعدد سكان أوكرانيا، مع مساحة وعدد سكان لبنان تكفي ربما لكي يفهم هؤلاء أن أي لعب خارج المنطق وخارج التوازنات الإقليمية والدولية قد يؤدي إلى اختفاء الكيان اللبناني المعاصر...

هذا ليس في صالح هؤلاء انفسهم بالدرجة الأولى... هم يفتقدون إلى القوة اللازمة للبقاء...

في أوكرانيا، أقليات عرقية ودينية يتبع بعضها لدولة بولندا، وآخرون لدولة هنغاريا، وآخرون لدولة تشيكيا أو سلوفاكيا أو غيرها... حتى الأتراك، وجدوا لهم أتباعاََ بين مسلمي التتار...

كل هذه الأقليات، لعبت بالنار على حساب وجود الدولة الأوكرانية... انجرف معهم بعض بقايا اليمين الفاشي من السلاف الأوكرانيين الذين ظنوا أن روسيا لن تجرأ على الوقوف في وجه الناتو...

لقد رأى هؤلاء دخول بعض بقايا حلف وارسو، وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق إلى المعسكر الغربي تحت أعين روسيا التي ضرب ميخائيل غورباتشوف أسس الدولة فيها، قبل أن يستولي المخمور بوريس يلتسن على ما تبقى من هذه الدولة، ويجعل منها مزرعة لا ابواب لها، ولا نوافذ...

تم استيلاء لصوص الخصخصة على كل مقدرات الدولة، وصارت كل مجموعة من أعضاء الحزب الشيوعي السوفياتي الفاسد تقوم بمعاونة الرأسمال الغربي والصهيوني بالاستيلاء على كل ما تطاله الأيدي...

تمت السيطرة على كل مؤسسات القطاع العام وتفكيكها ونقلها إلى الخارج تحسباً وخوفاً من المحاسبة يوماً...

صار يتم تهريب كل شيء من روسيا الى أوكرانيا، ومن هناك، من ميناء أوديسا تحديدا، كان يجري بيع سيارة نيفا الرباعية الدفع مثلا بخمسة آلاف دولار، وطائرة الركاب الصغيرة، (أقل من ثمانية ركاب)، بخمسة وعشرين ألف دولار... والخشب من الغابات... وحديد البناء وغيرها...

لم يكن هذا في متناول الأفراد...

كل ذلك كان يجري تحت إشراف المافيا الروسية الأوكرانية...

كانت سنين سلطة بوريس يلتسن، كافية كي يصبح الكثير من هؤلاء من أصحاب المليارات...

معظمهم ذهب إلى بريطانيا، بينما استقر بعضهم في دبي من حيث كانت تدار الكثير من هذه العمليات...

هؤلاء... بالأخص هؤلاء، هم من تعاون مع جورج سوروس للقيام بالانقلاب الذي هرب على أثره الرئيس الأوكراني (يونوكوفيتش، على ما اعتقد)، الذي كان فاز باكثرية الأصوات في الانتخابات، وكان يدعو إلى حيادية أوكرانيا وعدم دخولها في أحلاف...

وحدها المؤسسة العسكرية الروسية حافظت على شيء من التماسك؛

تماسك لم يمنع تسرب بعض السلاح من قبل الجمهوربات الاخرى، بما في ذلك حتى طائرات الميغ التي كان يعرض تسليمها في المياه الدولية خارج أوديسا... أو في بلدان وسط آسيا...

لعبت أوكرانيا دور مركز تلك المافيا إلى أن جاء بوتين إلى السلطة وبدأ عملية استعادة الدولة في روسيا...

حاول بوتين كثيرا الدخول في النظام العالمي من موقع الندية مع اميركا والدول الغربية...

حاول تقليد الصينيين في النمو دون أن تنتبه إليه الإمبريالية...

لكن اميركا التي تعلمت من تجربتها الصينية حين دقت إسفيناََ بين السوفيات والصين، وتسببت بانهيار الاتحاد السوفياتي، لم تنس أن روسيا دولة نووية غنية جداً بالمواد الأولية وأن السماح بعودتها إلى الحياة سوف يشكل خطراً على أميركا نفسها...

ما حدث مع الصين خير دليل على هذه الإمكانية...

يقول المؤرخ الروسي الكسندر دوغين إن روسيا من غير أوكرانيا هي دولة كبرى...

لكن روسيا مع أوكرانيا هي دولة إمبراطورية عظمى...

لذا جرى كل ما جرى في أوكرانيا...

بوتين يريد استعادة أوكرانيا بأي ثمن، وأميركا تريد منع ذلك بأي ثمن أيضاً...

لأن روسيا وأميركا دولتان نوويتان لا يمكن أن تسمحا لحرب أن تنشب بينهما؛

لذلك، سوف يتم تقسيم فعلي على الأرض،

روسيا سوف تقضم كل المناطق ذات الأغلبية الروسية...

الغرب سوف يقضم المناطق الغربية من أوكرانيا التي سوف يتم إيجاد صيغة مؤقتة/ دائمة لها، بينما تبقى الحكومة الأوكرانية صورة لا سلطة لها إلى الأبد...

تماما كما حصل في قبرص...

في السبعينيات من القرن الماضي، قام اليمين الفاشي في اليونان بتدبير محاولة إنقلاب في جزيرة قبرص ضد المطران مكاريوس الذي كان يحافظ على وحدة هشة بين الجاليتين اليونانية والتركية في الجزيرة...

أراد هؤلاء الضباط ضم الجزيرة إلى اليونان، فما كان من تركيا إلا أن غزت الجزيرة وفرضت تقسيما لا يزال قائما حتى اليوم...

بعيدا عن اوكرانيا وما يمكن ان يحصل، وبعيدا عن قبرص والستاتيكو الذي فرض تقسيما ومهجرين وأملاكا مصادرة ومآس...

ماذا عن لبنان...؟

من يستمع إلى حزب القوات اللبنانية والكتائب وجماعات اشرف ريفي وبهاء الحريري وغيرهم ممن يرفع شعارات 1559، ويظن أن الأميركيين والصهاينة سوف يحاربون بدلا عنهم ضد المقاومة... يأسف لمدى التفاهة التي تتحكم بهذا البلد...

هؤلاء يظنون انهم سوف يكسبون الانتخابات وانهم سوف يضعون سلاح المقاومة خارج الشرعية...

رغم صعوبة حصول هذا؛ لكن لو فرضنا جدلا انه بقدرة قادر صار المستحيل ممكنا وصاروا هم الشرعية... فعل يعتقدون فعلا انهم سوف يكونون في وضع أفضل من "شرعية" عبد ربو منصور هادي في اليمن...

هذا في حال جاء أحد لمساعدتهم...

هل يستطيع سمير جعجع أو سامي الجميل أو اشرف ريفي تحقيق ما عجز عن تحقيقه داعش والنصرة ونور الدين زنكي وعلوش وقاشوش وكل من هب ودب من مأرب في اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، وانتهوا جميعا إلى المزبلة رغم كل الدعم التركي والأميركي والإسرائيلي...

ما سوف يحصل هو ربما اندلاع حرب شبه اهلية سوف تنتهي بهزيمة هؤلاء حتما، حتى لو أتت جحافل الأطلسي كلها...

لن تحتاج المقاومة في لبنان إلى القيام بأكثر من عمليات تنظيف موضعية...

بنية المقاومة التي اجتاحت الغربية في السابع من أيار دون المس بالبنية المذهبية لمدينة بيروت ومناطق تيار المستقبل، قادرة على الاستعانة بحلفاء موثوقين لفعل الامر نفسه مع جعجع والجميل وكل من يلتف حولهم من ريفي أو بهاء أو غيرهم...

ما حصل مع سمير حعجع بعد حرب الجبل سوف يتكرر وينسحب أيضا على سامي الجميل...

ليس محمد بن سلمان، أكثر ذكاء أو اقوى ممن سبقه من ملوك وأمراء بني سعود...

كما فشل السابقون سوف يفشل اللاحقون...

المسيحيون سوف يلفظون حعجع والجميل مرة أخيرة وحاسمة...

وليد جنبلاط الحالي، لن يختلف عن وليد جنبلاط في السابع من أيار...

الرجل سوف يبعبع قليلا حتى أول ضربة كف، ثم يرفع العشرة...

هو يتكل على التوازنات الطائفية التي سوف تسمح له بتأجيل حكم التاريخ... ويتكل ربما على تدخل من هنا أو تدخل من هناك يحفظ رأسه من السقوط...

قد يتساءل أحدهم لماذا تنبيه هؤلاء طالما أن النتيجة الحتمية سوف تكون نهايتهم ونهاية غيرهم من العملاء...

الحقيقة أنهم ورغم كل السوء الذي يمثلونه، ورغم كل القرف الذي يتسببون به، فإن وجودهم على الأقل قد يمنع سيطرة التيار الديني داخل المقاومة، وقد يدفع باتجاه إقامة دولة مدنية يوما ما في هذه الأرض الملعونة... ليس حبا بهم ولا إرضاء لهم... لكن تسامحا مع البيئة التي يدعون تمثيلها، وإرضاء لباقي الطوائف...

توبوا إلى ربكم، وكونوا ولو مرة في هذه الحياة دودة حرير بدل أن تكونوا أفعى تلسع كل ما حولها فإن لم تجد من تلدغ لدغت نفسها...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري