كتب نارام سرجون,,
لم يعد مقبولا بعد اليوم ان نبقى أبرياء .. ونحسن الظن بأي شيء حولنا لأننا أنقياء وطيبون .. ففي عالم تقوده المادة وشهوة المال وشهوة القتل لايجب ان نقول ان الخير فيما اختاره الله .. فالله لايختار لنا ان نموت دوما بالخناجر والسكاكين .. بل ان الخير هو فيما نختاره نحن بملء قلوبنا من الخير .. ومانختاره سيختاره الله .. وكل التسليم بغير ذلك ذل وانكسار .. وتسبب لنا الى الان بخسارة فلسطين واعتداء أمم الارض علينا وعلى أرضنا ووجودنا وديننا ..
ولذلك فانني لاأنظر الى ماحدث في اوكرانيا على انه محض صدفة وأنه تداع للاحداث خرج عن سيطرة الاطراف .. فاميريكا مثل روسيا تدرس كل الممكن قبل الاقدام على أي قرار .. ولدى الطرفين مراكز أبحاث ومراكز صناعة النظريات وعكس النظريات .. ولذلك فان كل حركة تحدث في روسيا ترصدها اميريكا وكل حركة تصدر عن اميريكا فانها مرصودة سلفا في روسيا ..
الروس منذ بداية الربيع العربي كانت لديهم معلومات عن خطة امريكية لاجتياح الشرق الاوسط ولكن لم تكن لديهم تصورات وخطة لاستيعاب الهجوم لانه خارج حدودهم .. وكان الاميريكون يعلمون ان الروس متيقظون ولكن كانت تقديرات الامريكيين ان المعطيات كلها تشير الى أن الروس من بعد انكسار امبراطوريتهم سيسلمون أمرهم الى الله ويقولون مثل العرب ان الخير فيما اختاره الله .. والله هنا في نظر الاميريكيين هو (أميريكا) ..
الشعب السوري وهو أكثر الشعوب التي تحب مايختاره الله .. أدرك ان اميريكا هي التي تختار هنا وليس الله .. ولذلك لايجوز ان يترك الخيار لها طالما ان الله أعطانا القدرة على صنع مايختاره هو لنا .. نحن نعمل ونختار .. وهو يقبل ويختار مانختار ..واصطدمت خياراتنا بخيار اميريكا .. احدنا سيرسل خياره الى الله.. ومن يستبسل في سبيل خياره سيمنحه الله مايريد .. وسيقرر ويختار مايختاره الأفضل .. والانقى والاقوى .. انه ليس قانون دارون في الاصطفاء وبقاء الانواع بل انه قانون الوجود البشري .. القائم على التفوق الاخلاقي ..
في الحرب انتصر خيارنا .. وانتصر الله لخيارنا .. لان الله ينتصر فقط لمن ينتصر من أجل خياره في الحياة .. وكان ان الروس تخلوا عن فكرة الاستسلام لفكرة التسليم بما هو مكتوب ومقدر فقط لأن اميريكا قادت ثلاثة ارباع العالم لتغيير خارطة العالم .. لأن الشعب السوري رفض أن يسير مع القافلة الاميريكية .. واختار القتال حتى الموت .. وهنا حدث الخلل في التقديرات والحسابات الامريكية .. اذ خرج الروس من مكمنهم وقرروا ان يغيروا مااختاره الله (الاميريكي) عندما وجدوا ان بضعة ألاف من الشباب السوريين وشباب محور المقاومة أوقفوا اميريكا كلها حائرة فيما تصنع .. وكان الصمود السوري مفاجأة كسرت الحسابات ثم تلتها الحركة الروسية التي لم تكن متوقعة في كل سيناريوهات الحرب ..
اليوم في اوكرانيا كان هناك حسابات كثيرة ودقيقة جدا .. ولكن من الذي رسم الفخ للآخر .. الروس ام الامريكان ..
البعض يظن ان الامريكان كانوا يتوقعون كل الموقف الروسي وكل عناد بوتين .. ولذلك دفعوا بالطعم الاوكراني الى فم بوتين .. وماان علقت السنارة حتى ابتلع بوتين الطعم وتورط في نزاع ليست له نهاية ..
ولكن الاحداث تشير الى عكس هذا السيناريو وهو ان بوتين ليس من اقتنص الفرصة بل انه هو الذي صنعها .. فقد اعطى الأميريكيين شعورا بالتراجع وانه يريد تبريد الجبهات .. ولذلك فانه اوقف العمليات العسكرية في سورية استجابة لخطوط الغرب الحمراء .. وأبدى بعض الحذر .. ولكنه لم يغامر .. وقد استثار اصراره على البقاء في سورية غضب الامريكيين .. ولكن لم يغفر له الاميريكيون خطواته في سورية .. فهاجم الاسرائيليون قرب قواعده العسكرية وتسبب ا في سقوط طائرته واسقطت تركيا قبل ذلك طائرة له دون ان يبدو عليه انه مستعد لتغيير قواعد اللعبة .. وهذا ماأسال لعاب الامريكيين في اوكرانيا .. فقرروا لعب ورقة اضافية في اوكرانيا .. وفي كل الحسابات الغربية فان اوكرانيا هي الورقة التي يجب ان يخشاها بوتين … وعندما لعب الاميريكيون الورقة التقط بوتين الفرصة وبدأ بالتصعيد فظن الاميريكيون انه يجب ردعه برفع منسوب التصعيد .. ولكن قبل تلك الحركة كان بوتين قد نسق كل خطته مع الصين .. ووقع معها عقودا بمئات المليارات .. ثم فعّل وجوده في سورية في أهم قاعدة عسرية روسيا خارج روسيا على الاطلاق ..
يبدو ان الصياد الاميريكي العجوز الذي اعتاد اصطياد الطرائد بسهولة في العراق وافغانستان وليبيا واليمن ولبنان ودخل حدود روسيا لمتابعة رحلة الصيد قد وقع في الفخ وصار هو الذي تم اصطياده .. الصياد الامريكي في كل جولة يخسر .. وكل ماكسبه في العقود الماضية بعد طلقة البيريسترويكا ضاع .. وكل دولة صنعها من لحم الاتحاد السوفييتي ستتحول الى طلقة في جسد اميريكا ..
اميريكا تتلقى الطلقات .. وهي تجرح أكثر وأكثر .. نزيفها لن يتوقف .. وتراجعاتها لن تتوقف .. ونحن يجب ان نساهم في حفلة اطلاق النار واعدام الكاوبوي في منطقتنا .. انها فرصة لم نصنعها بل جاءت الينا بقدميها .. فرصة ثمينة لايجب ان تفوت .. تشبه فرصة الحرب العالمية الثانية التي اضعفت لنا الامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية وسهلت لنا عملية الاستقلال والتحرير ..
هلا أطلقنا النار ايضا؟