تقدم المتظاهرون صوب ممثلية الاتحاد السوفياتي في برلين الشرقية سنة ١٩٨٩...
كانت المظاهرات تعم شرق أوروبا، والأنظمة المحسوبة على الاشتراكية ظلما وزيفاََ، تتهاوى الواحدة تلو الأخرى...
تحمس بعض المتظاهرين وأرادوا اقتحام حصن الدب الروسي...
خرج عليهم ضابط شاب، وخلفه مجموعة من الجنود...
حمل مسدسه وخاطب الجمع قائلا:
أنا أتفهم ما تقومون به، لكني سوف اقتل أي شخص يتقدم إلى هذا المبنى الموضوع تحت حراستي...
تراجع الجمع...
تنفس من في داخل الممثلية الصعداء، وشكروا الرب الذي أرسل إليهم ذلك الضابط الشاب الذي لم يكن سوى فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين...
هذا بعض ما يروى عن ذلك الضابط الذي استقال من ال KGB، بعد إعلان بوريس يلتسين استقلال روسيا عن الاتحاد السوفياتي، متسببا عن سابق إصرار وتصميم في تدمير الدولة السوفياتية وهو يقف مخموراََ على المنبر يبيع الدولة، وحلفاء الدولة، وثروات الدولة إلى الغرب بسبعة من الفضة...
لم يكن سهلا على بوتين إعادة الامساك بمفاصل هذه الدولة ومحاولة تحريرها من مدراء صندوق النقد والبنك الدولي وحتى المؤسسات الخاصة الأميركية الذين قام يلتسين بزرعهم في كل مؤسسة حكومية أو وزارة في روسيا الاتحادية...
بدل بريمر واحد كما في العراق، كان في روسيا عشرات البريمر...
عمل هؤلاء على نهب الثروات في اضخم وأسوأ عملية خصخصة يمكن تصورها...
أعاد هؤلاء الخبراء الاجانب اقتصاد الاتحاد السوفياتي الذي كان يعاني من بيروقراطية الشيوعيين الانتهازيين أمثال يلتسين عشرات السنين إلى الوراء...
حولوا موسكو إلى خمارة يستطيع أي كان استعباد فتاة لاربع وعشرين ساعة لقاء وجبة ماكدونالدز...
ما تحمّله بوتين كان حملا ثقيلاً، وهو يحاول مواربة تارة، واحتيالا تارة أخرى، إعادة بناء الدولة دوم أن ينتبه الغرب إليه...
تجاوز حلف الأطلسي نهر الأودر في شرق المانيا وبدأ التمدد إلى بلدان شرق اوروبا وبحر البلطيق رغم الاتفاق مع غورباتشوف على هذا الأمر...
انتشرت القواعد العسكرية الأميركية في هذه الدول ووصلت إلى دول وسط آسيا التي كانت تشكل جمهوريات الجنوب السوفياتي...
كان فلاديمير بوتين يسابق الزمن محاولا عدم الاصطدام بالكاوبوي الأميركي قبل اكتمال بناء الدولة...
شاهد يلتسين يبيع العراق، واسرار القواعد الجوية في العراق، وخرائط المواقع السرية تحت الارض في العراق الى اميركا لقاء بضعة ملايين من الدولارات توضع باسم ابنته في سويسرا...
رأى كيف عامل الاميركيون حلفاءهم الألمان والفرنسيين في العراق، فتغاضى عن خسائر روسيا هناك حتى لا تنتبه اميركا إلى ما يقوم به في بناء الدولة في روسيا...
حتى في سوريا، كاد يصمت لولا أن تذكر قول الامبراطورة كاترين الثانية أن الشام هي بوابة موسكو على المتوسط...
قد يكون قاسم سليماني هو من ذكره وأقنعه بتخطي حاجز الخوف من الغرب...
ذهاب روسيا الى الشام كلفها الإبعاد من مجموعة الثمانية الكبار، لكنه ارجع روسيا الى مصاف الدول الكبرى...
لكن بوتين ظل حذراً...
أراد تقليد الصين في مبدأ التقية... لكن الخنزير البريطاني كان له بالمرصاد...
حتى حين كان الغرب يغفو أو أميركا لا ترى، كانت بريطانيا تكيل الاتهامات لروسيا وتحرًض عليها مهددة بعضلات غيرها...
ظل فلاديمير بوتين يقنع نفسه بأن الغرب سوف يقبل به ويعامل روسيا بما يليق بها إن هو غض الطرف عن أفعال هذا الغرب الشنيعة داخل حدائقه الخلفية...
إلى أن وصل "الموس إلى اللحية"، كما يقول المثل الشعبي...
بدأ "الدق" بروسيا البيضاء في محاولة لإيقاعها في ثورة ملونة مزورة كما حصل مع أوكرانيا...
رفض بوتين هذا، وقرر التصدي...
خاف جماعة سوروس في أوكرانيا استيقاظ الدب الروسي وأرادوا استعجال الانضمام إلى الأطلسي...
من حيث لا يدري هؤلاء، وضعوا فلاديمير بوتين في زاوية، وظهره إلى الحائط...
رفضت روسيا رؤية سلاح ألاطلسي على بعد كيلومترات من موسكو...
بدأ التهديد الغربي بالعقوبات والتهكم على الاقتصاد الروسي الذي سوف يتهاوى...
لكن بوتين ليس محمد بن سلمان...
خرج الى أوكرانيا وهو يهدد الباقين بما لديه من ترسانة نووية...
لقد احتاجت اميركا وبريطانيا واستراليا وبولندا وباقي دول التحالف الدولي غير المقدس إلى حوالي الشهر حتى استطاعوا إكمال غزو العراق والتربع على عرش محور الشر الأميركي...
كم من الوقت سوف يحتاج بوتين حتى تقع أوكرانيا في يده...
بدأ بوتين بعملية كان الهدف منها تحرير الدونباس وإجبار أوكرانيا على التقيد باتفاقية مينسك والبقاء خارج الاطلسي...
يبدو أن الأوروبيين حشدوا له من دواعش اوروبا شتلة...
لذلك توسعت المعارك حتى بلغت كييف وقد تتجاوزها...
هل يتراجع بوتين...؟
كل تاريخ الرجل يقول إنه ليس ذلك الرجل الذي يمكن أن يتراجع، حتى لو وصل الى حدود الحرب العالمية الثالثة...
عندنا، يقول السيد نصرالله أن العدو سوف يرى بأسنا إن هو اعتدى...
يا ليته يعتدي يوما...
في أوراسيا، تمادى حلف الأطلسي...،
تمادى بايدن وتمادى جونسون فاضطر فلاديمير بوتين أن يزأر وتبان أنيابه...
في اوراسيا، لا يملك بوتين أي خيار... إما النصر، وإما الانحدار إلى مستوى جمهوريات الموز...
لم يترك له لا بايدن ولا جونسون سترا مغطى...
حتى شولتز الخاسر الأكبر في كل ما يحصل، لم يستطع كبح جماح اغبياء أوروبا...
من سوف يتراجع...؟
إذا تراجع بوتين... يكون خسر كل شيء...
أميركا خسرت لقب القوة العظمى الوحيدة في العالم...
هي تستطيع خسارة أوكرانيا والبقاء في مربع الدول العظمى...
حتى الآن يرفض بايدن الدخول مباشرة في الحرب...
هو يعول على اليمين الأوكراني الفاشي... لذا سوف يكتفي بارسال السلاح والمساعدات بانتظار انهيار روسيا...
لكن مرة أخرى، بوتين ليس ابن سلمان ومن المؤكد انه سوف يضرب في مكان ما يوجع الغرب...
حتى الآن، يقول العقل ان السلاح النووي ممنوع...
لكن ماذا إذا وصل طرف ما إلى الانهيار...
ماذا إذا قررت الصين غداً اجتياح تايوان...
ماذا إذا قرر بوتين ضرب أميركا في سوريا... ؟
كل شيء ممكن...
يبقى ان يهيء الفلسطينيون انفسهم لساعة الصفر، لأنها صارت قريبة جداً...