هام, هام.. كتب الأستاذ حليم خاتون: هل أخطأ بوتين..؟
دراسات و أبحاث
هام, هام.. كتب الأستاذ حليم خاتون: هل أخطأ بوتين..؟
حليم خاتون
28 شباط 2022 , 19:00 م


قبل أكثر من ثماني سنوات، قاد الغرب انقلاباً في أوكرانيا تحت رايات الثورة الملونة...

كادت أوكرانيا ان تخرج من أزمتها الاقتصادية بعد ضخ أكثر من خمسة عشر مليار دولار من الشقيق الأكبر روسيا التي كانت مطمئنة إلى وجود رئيس جديد نجح في انتخابات حرة، وينحدر من الأقلية الروسية في الدونباس...

رفض الرئيس الجديد توقيع أية خطط لطلب الدخول الى الوحدة الأوروبية أو حلف الأطلسي مستندا إلى التأييد الشعبي الذي حصل عليه في الانتخابات...

لم يرق الأمر لزمرة اليمين المدعوم من القوى الفاشية المتمركزة في غرب البلاد، فقاموا بالتجمع في ساحة الميدان تحت رايات التوجه غربا...

اقتحموا البرلمان وقصر الرئاسة...

لم يكن في القصر رجل من طراز بشار الأسد، بل رئيس ضعيف ولى هاربا تاركا وراءه السلطة في أيدي رجال جورج سوروس الذين جاؤوا بمهمة محددة:

قلب المزاج الشعبي من الأخوة السلافية بين الأوكران والروس وبث الدعايات الكاذبة عن الرخاء الذي ينتظر أوكرانيا والقضاء على الفقر وغيرها من الأكاذيب التي نعرفها نحن في العالم العربي جيداً، ورأيناها في مصر والأردن والسودان ولبنان وغيرها من البلاد...

حاولت روسيا استيعاب الأمر وعدم التصادم مباشرة مع الغرب، خاصة وأن رجلها هرب ولم يقاوم، بل تبين حتى أنه لم يكن بنظافة الكف التي كان يجب أن يكون عليها، تماما كما الكثيرين من جماعة ٨ آذار عندنا الذين رغم (وطنيتهم!!)، لم يستطيعوا سوى الدخول في منظومة الفساد...

كان على روسيا استلحاق الأمر وضم شبه جزيرة القرم كخطوة أولى لحماية وجودها على البحر الأسود بشكل دائم وقاطع قبل التفكير بأي شيء آخر...

هل أخطأت روسيا حين دعمت يونوكوفيتش...؟

ربما...

لو كان الرئيس الاوكراني يومها من طينة بشار الأسد، لكانت روسيا دخلت منذ ذلك اليوم ومنعت اليمين من التحكم بالسلطة ونصب الجسور لحلف الاطلسي لكي يسيطر على كل كبيرة وصغيرة في هذا البلد...

لكن هل كان هذا، هو السبب الوحيد لدى بوتين...؟

رغم التصميم والإصرار الذي يبدو عليه الرئيس الروسي، إلا أن الرجل الذي ورث الرئاسة من بوريس يلتسين بعد أن كان رئيسا للوزارة في أواخر عهده، كان هو الآخر يعتقد أن الغرب سوف يقبل به شريكاََ، خاصة بعد إدخال روسيا الى نادي السبعة الكبار حتى اصبحوا ثمانية...

لم يكن بوتين رجلا ثوريا يريد إنقاذ العالم من براثن الإمبريالية...

هذا ما ظهر بوضوح في توجهه الأخير للأمة قبل شن الحرب على أوكرانيا...

لكنه بالتأكيد قومي روسي يحب وطنه...

انتقد بوتين لينين، كما انتقد السلطة السوفياتية التي سلخت اجزاء من روسيا وضمتها إلى الشقيقة الصغرى أوكرانيا...

لم يتناول غورباتشوف ولا يلتسين بأية كلمة رغم أن المصائب التي حدثت وساهمت بارتكاب أكبر جريمة جيوسياسية في التاريخ حصلت بسبب هذين الرجلين...

كم حاول رئيس المانيا الشرقية إريك هونيكر، تصحيح الأمور دون جدوى...

هل كان يجب تفكيك حلف وارسو بالشكل الذي حدث دون تفكيك حلف الأطلسي في المقابل...

نعم كان الاتحاد السوفياتي غارقاً في فساد يفوق بأضعاف ما نعيشه نحن اليوم في لبنان...

لكن على الأقل كان هناك سلطة مركزية يكفي أن تجتمع وتتخذ قرارات إصلاحية جدية ليتم إصلاح الكثير من الأمور...

بعد موت بريجنيف الذي اتسم عهده بالكثير من الفساد، استلم الرئيس اندروبوف الآتي من ال KGB السلطة، وبدأ عملية تطهير واسعة وصلت حتى إلى ابنة بريجنيف التي كانت ملكة تهريب الماس والذهب الروسي إلى الخارج وتهريب منتجات الغرب التافهة إلى الداخل...

بعد أقل من شهر من تبوؤ يوري اندروبوف السلطة، امتلأت المخازن بكل انواع المنتجات...

لم تعد الرفوف فارغة أو تحوي فقط كل انواع الفودكا الرديئة أو معلبات البازيلا التي كانت دول شرق أوروبا تغرق روسيا بها مقابل النفط والغاز والطائرات والقطارات...

لكن عهد اندروبوف لم يدم أكثر من ستة أشهر قبل أن يقال أن الرجل توفي من السكري!!!

الحقيقة أن مافيا الفساد كانت أقوى حتى من ال KGB...

مات اندروبوف ليتم تسمية تشيرنينكو كمرحلة انتقالية قبل وصول "الإصلاحيين!!" إلى السلطة بشخص ميخائيل غورباتشوف على مستوى الاتحاد السوفياتي، وبوريس يلتسين على مستوى جمهورية روسيا الاتحادية...

هنا أخطأ فلاديمير بوتين...؟

اعتقاده أن الغرب كان يعادي روسيا والاتحاد السوفياتي بسبب الشيوعية كان اعتقادا يلامس الغباء (Naivité)...

لقد كان حلم الاستعمار البريطاني، كما كان حلم المانيا النازية، كما هو حلم الإمبريالية الأميركية اليوم... تقسيم روسيا...

بلد قاري تزيد مساحته على ١٧ مليون كلم٢، غني بكل انواع الطقس والغابات والمياه والبحيرات والبحار الداخلية والغاز والنفط والمعادن على أنواعها...

شيء واحد فقط ينقص هذا البلد، العنصر البشري...

تعداد السكان هو حوالي ١٥٠ مليون نسمة، ونسبة ولادة سلبية تهدد بتحول المجتمع الروسي إلى مجتمع عجائز يتناقص باستمرار...

بريطانيا التي تحولت الى جرو اميركا المدلل، نقلت حلمها الامبراطوري إلى شقيقتها الكبرى اميركا، وإلى الشقيقتين الوسطتين كندا واستراليا...

حلم تفتيت روسيا...

جرت البروفا مع يوغوسلافيا... ثم مع صربيا...

نجحوا هناك بسبب بلاهة حكام روسيا يومها...

لماذا لا ينجحون مع روسيا نفسها؟

بدأ التمدد إلى الحدود الروسية من كل صوب...

من الجنوب مع جمهوريات أسيا الوسطى حيث دخلت أذربيجان الى معسكر أعداء روسيا بفضل الدعم التركي والإسرائيلي لها ضد أرمينيا...

سيطر المتشددون الإسلاميون على نواحي الحياة في قرقيزيا، اوزباكستان وتركمانستان وكادوا يسيطرون على كازاخستان مؤخرا لولا التدخل الروسي الفوري...

جورجيا كما اوكرانيا، تنتظر اللحظة المناسبة...

في الشمال دخلت جمهوريات البلطيق الثلاثة لاتفيا وليتوانيا واستونيا في حلف الأطلسي منذ اليوم التالي لانهيار الاتحاد السوفياتي...

هل أخطأ بوتين...؟

نعم أخطأ...

أخطأ لأنه تأخر عقدين من الزمن وسمح لدخول ليس فقط أعضاء حلف وارسو إلى الأطلسي بل حتى في دخول الجمهوريات السوفياتية أيضاً...

لكن جمهوريات البلطيق شيء، وأوكرانيا شيء آخر...

في جمهوريات البلطيق يوجد أيضاً أقليات روسية...

لكن هذه البلاد لا تشكل خطراً على روسيا رغم قربها أيضا من بطرسبورغ ورغم أنها تجرأت مؤخرا بمنع الطيران الروسي من العبور فوقها الى منطقة كالينينغراد الروسية على بحر البلطيق...

لكن أوكرانيا شيء آخر تماماً...

أوكرانيا هي الشقيق التوام لروسيا كما هي سوريا للبنان...

حتى لو اختلف اللفظ قليلا واختلفت بعض الأحرف، يتفاهم الروسي والأوكراني دون مترجم حتى اليوم، رغم كل ما حرص اليمين على القيام به في العقد الأخير...

خطأ بوتين كان الانتظار لمراكمة القوة كما تفعل غزة أو كما يفعل حزب الله...

كما كان بوتين يراكم القوة ويزيد ترسانته، كان الغرب يزيد في تعميق الهوة بين الروس والأوكران، ويقوم بتغيير عقيدة الجيش الأوكراني وتدريب هؤلاء على كيفية محاربة روسيا يوماََ تحت الوعد بالضم إلى أوروبا وحلف الاطلسي حيث الرخاء والرفاهية...

لم يكن الغرب غافلاً عما يفعله بوتين... بل ربما استغرب تأخر الروس في فهم أنهم الأضحية التالية بعد صربيا والعراق وسوريا وأفغانستان...

لا يهتم الغرب لمصير أوكرانيا، حتى لو استقبل البولنديون والغجريون والتشيك اللاجئين بالأحضان...

ما يهم الغرب هو ان تطول الحرب لأن ذلك سوف يزيد الشرخ الذي قاموا بحفره بين روسيا وأوكرانيا...

لقد وصل الأمر مع بوتين أن يوافق على أوكرانيا حيادية دون قواعد أطلسية، فقط كي لا تكون موسكو في متناول الصواريخ المزروعة اليوم في بولندا وتشيكيا وهنغاريا والبلطيق...

رغم هذا رفض الغرب...

لماذا رفض الغرب...

لأنه لو وافق، لكان بوتين انتقل الى الطلب التالي احترام اتفاقية بوش الأب مع غورباتشوف، والانسحاب من تلك الدول التي يفوق ولاؤها لاميركا على ولائها الأوروبي...

الكاتب توفيق شومان يعطي بوتين أسبوعاً أو ما يقارب لتحقيق الانتصار وإلا سوف تتحول أوكرانيا إلى فيتنام روسية...

اميركا العظمى وبريطانيا واستراليا وبولندا وهولندا وحفنة من الدول لم يستطيعوا دخول بغداد إلا بعد حوالي ٢٨ يوماً... وخرجت اميركا بعدها قطباََ اوحداََ...

الروس ليسوا من الغباء حتى يقعوا في المصيدة...

لقد ارتكب السوفيات هذا الخطأ يوم دخلوا إلى أفغانستان في الثمانينيات...

بوتين يعرف هذا...

لقد حاول الروس تجنب إراقة الدماء بين شعبين شقيقين، وهم لا يزالون يحاولون...

لكن الهزيمة أو التراجع ليست واردة على الإطلاق...

إذا لم يتم لهم الأمر بالحسنى، سوف يكون الكي بالنار آخر الحلول...

لن تدخل روسيا الى غرب أوكرانيا حيث تسود قوميات تكره القومية الروسية، أو حيث النزعات النازية هي المسيطرة...

لقد ظهر جليا مدى نازية هؤلاء الذين رفضوا استقبال اللاجئين الأفارقة والآسيويين أكثر من مرة، خاصة مؤخرا على حدود جمهورية روسيا البيضاء وكانت الاعداد لا تزيد على بضعة آلاف...

وها هم اليوم يستقبلون بالاحضان مئات آلاف اللاجئين الاوكران لأنهم من العنصر الأبيض...

سوف تكتفي روسيا بالسيطرة كاملاً على الدونباس والمدن ذات الأغلبية الروسية، خاصة على بحر آزوف والبحر الأسود...

إذا تمكنوا من إنقاذ الأوكران من الدواعش الذين بدأوا بالتدفق إلى الغرب والوسط، سيفعلون، وألا فلتكن هذه المناطق كما إدلب ولينتشر فيها عناصر الإرهاب الذي بدأت بريطانيا بتوريده إلى هناك...

أما إذا حاول الغرب أي شيء آخر...

فلن تقبل روسيا النووية بأن تهزم...

زمن بريجنيف ولى...

وكذلك زمن غورباتشوف ويلتسين...

إنه زمن بوتين الآتي من حرب سوريا الكونية...

في النووي لن ينتصر أحد...

والذي يظن أنه دفن يالطا وأنه سيد العالم الأوحد، سوف يكتشف أنه واهم...

هزيمة روسيا أو تراجعها سوف تكون نهاية روسيا... لهذا هذه الهزيمة، وهذا التراجع مستحيلان...

باي باي اميركا...

إنه زمن تعدد الأقطاب الجدد ومعهم حتى دول لم تكن على البال ولا على الخاطر...

كما هو زمن اختفاء المحميات العنصرية التي أنشأها المستعمر البريطاني وحماها الاميركي والغربي، وحتى بعض الشرق...

باي باي إسرائيل...