كتب الأستاذ حليم خاتون: هل أخطأ الأطلسي..؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: هل أخطأ الأطلسي..؟
حليم خاتون
2 آذار 2022 , 18:05 م

حلف الأطلسي ليس ذلك البلوك الجامد الذي يتبنى موقفاً صلباً واحدا لا يمكن التراجع عنه كما قد يبدو هذه الأيام لمن يتابع الإعلام الغربي، ويصدق ما يصدر عنه...

من الCNN, إلى ال BBC، إلى France 24، إلى DW... إلى كل الشاشات والإذاعات والفضاء، الاليكتروني...

تبدو اللغة واحدة...

صراخ وعويل وتهديد يصل حد النباح...

بعد خمسة قرون من هيمنة الحضارة الغربية على الإنسانية، بدأ شيء يلوح في الأفق...

لذلك يحاول الوحش المذبوح اصدار آخر زفرات الرعب التي يمكنه إصدارها،... علّ ذلك يبعد السكين عن رقبته...

قبل اجتياح العراق، جرت اكبر عملية شيطنة وترافق ذلك مع نزع أسنان البلد عبر حصار وتفكيك وتدمير مخزون الصواريخ والأسلحة الكيماوية والبيولوجية...

ظن صدام حسين أن التوازنات الإقليمية ووجود إيران وانصياعه لتجريد العراق من السلاح سوف يحفظ رأسه من القطع...

لكن الغزاة من التحالف الدولي الذي ضم فيمن ضم، كلاباََ من أوكرانيا وبولندا وبقايا حلف وارسو العنصريين، بالإضافة إلى الجرو البريطاني وبقية الجريان من كندي واسترالي وهولندي...

كانوا قد عقدوا النية على الاجتياح، لكن بعد اقتلاع اسنان العراق حتى لا يتعرضوا للخسائر...

هذا بالضبط ما كانوا يفعلونه مع روسيا... مع فرق بسيط،

بوتين ليس صدام أو القذافي أو البشير...

وروسيا ليست جمهورية موز كما هي حال تلك الأنظمة...

هل تأخر بوتين في الرد...؟

ربما...

لقد ضم الناتو إحدى عشرة دولة من جمهوريات حلف وارسو والاتحاد السوفياتي في زمن بوتين...

ظل الرئيس الروسي يحاول حتى وصل الأمر به أن تقدم بطلب دخول روسيا الى حلف الأطلسي ولو على دونية ظاهرة...

رغم أن بوتين لم يكن كما سلفيه غورباتشوف ويلتسين، لكنه لم يعارض هجوم الإمبريالية على فنزويلا ولبنان وغزة...

بل غض الطرف حتى عن الكثير من التدخل في شؤون روسيا الداخلية، طامعاََ في تصنيفه بين الديمقراطيات...

هل كان باستطاعة بوتين التحرك قبل الان...؟

بكل تأكيد...

لقد ورثت روسيا الترسانة النووية السوفياتية، ومن معه هكذا ترسانة يستطيع إجبار الغرب على احترام التعهد الذي قدمه جورج بوش الأب، للغبي الآخر غورباتشوف، بأن لا يتجاوز حلف الأطلسي نهر الأودر في المانيا الشرقية...

مَثَلُ كوريا الشمالية ساطع أمام كل البشر...

أميركا والغرب لا يحترمون إلا القوة...

نعم كان باستطاعة بوتين أخذ نفس الموقف الذي أخذه اليوم منذ ذلك اليوم وقبل دخول تلك الجمهوريات الإحدى عشر إلى الأطلسي...

لو فعلها يومها لكان تم تجنب التدمير الذي نراه اليوم على الجار الأوكراني...

بل ربما كان الغرب اقتنع منذ ذلك اليوم التزام الهدوء وعدم التحرش بالدب الروسي...

ماذا عن حلف الأطلسي؟

هل أصاب ام هل أخطأ هو الآخر؟

لقد لعب الحلف الاطلسي اللعبة بإتقان فائق طيلة عقدين من الزمان...

سمح بصعود الصين من أجل إسقاط الدولة السوفياتية، وحصل على ما أراد...

لكن جدلية الحياة لا تسمح لأي كان بامتلاك تحريك كل الحبال كما يريد...

لقد كان صعود الصين هو النتيجة الحتمية لسقوط الاتحاد السوفياتي...

فهم بوتين هذه المعادلة وأمِل بأن تراهن أميركا والغرب عليه من أجل ضبط الصين والهند وإيران وغيرها...

قد يكون الغرب فكر بهكذا رهان في زمن ما ولمرحلة ما...

استمر هذا الزمن أقل من عقدين من السنين، قبل أن يجد الغرب أن الطريدة الأساسية التي سعت إليها كل الامبراطوريات منذ القرن التاسع عشر هي أهم وأخطر بكثير من الصين...

العامل الوحيد الذي تخاف منه اميركا والذي تتفوق فيه الصين على روسيا هو العامل البشري...

في كل ما تبقى، تتفوق روسيا التي تملك تاريخا امبراطورياََ، وأراضِِ شاسعة، وغنى فوق الوصف... تتفوق على الصين...

يضاف إلى ذلك، أن روسيا تملك خصائص حضارية أقرب إلى أوروبا من الصين، وتشكل بالتالي عنصر جذب في المستقبل اكبر من الصين في أعين كل تلك الجموع التي تلتف اليوم حول اميركا وعلى رأس هؤلاء ألمانيا، ووسط وشرق أوروبا...

إذا تتبع المرء كل ذلك التحليل والتفكير المفترض لمراكز الدراسات الأميركية، يجد أن الجماعة كانوا على حق في الخوف من روسيا كونها تشكل خطرا أكبر من ذلك الذي تشكله الصين...

إذاََ، يعود السؤال، هل أخطأ الأطلسي؟

كما تم القول أعلاه، ليس حلف الأطلسي بلوكات صلبا واحداً...

في الحياة، يكون الطفل إما ذكراََ، وإما انثى..

في الحرب، إما تنتصر روسيا وإما تنهزم... لا وجود لحلول وسط...

عندما تعلن روسيا أن المسألة لم تعد فقط حلف الأطلسي، بل حتى الوجود النووي الاميركي في أوروبا، فهي تعلن للملأ أن الحرب سوف تستمر حتى ولو سقط الهيكل على رؤوس الجميع...

قد لا تهتم اميركا كثيرا، لأنها سوف تظل هي بالتأكيد بين الدول العظمى...

إذا هزمت روسيا، وهذا مستحيل لقوة نووية، فإن أمام اميركا مواجهة الصين أيضا للبقاء على القمة...

وإذا انتصرت روسيا، وهذا احتمال وارد جداََ، فسوف تتشارك اميركا السيطرة على العالم معها...

أما أوروبا باستثناء بريطانيا، فهي خاسرة حتما في كل الأحوال... طالما أن روسيا لن تتراجع وأكثر الخاسرين كما سبق القول هي ألمانيا ووسط وشرق أوروبا...

الذين أخطأوا هم هؤلاء من داخل حلف الأطلسي...

أوكرانيا أكبر الخاسرين، ومعها كل الدول المحيطة التي سوف تعيش الأزمات الاقتصادية بسبب اللجوء والحرب والدمار... وزيادة على كل ذلك، عودة الهيمنة الإمبراطورية الروسية من جديد...

خطأ الاطلسي أنه لم يرض أن يقاسم روسيا بالسلم، ما سوف يقاسمها عليه، ورجله فوق رأسه بعد انتهاء النزاع...

روسيا التي هددت بالنووي، لديها من الأسلحة الأقل ضررا الكثير...

أسعار النفط والغاز والمعادن والقمح...

حتى الأمس، كان التضخم قد تجاوز في أوروبا ال٥٪...

تعدت زيادة أسعار الكثير من السلع عتبة ١٠ إلى ٢٠٪...

رغم أن تدفق الغاز والنفط لا يزال سارياََ...

ماذا لو هاجم الحوثيون أرامكو لفك الحصار عن اليمن...؟

ماذا لو قصفت غزة آبار الغاز في البحر الفلسطيني ردا على الحصار والمصادرة والتوطين...؟

ماذا إذا بقي حزب الله على كلمته كما صرح محمد رعد في منع التنقيب في بحر فلسطين طالما ليس هناك تنقيبا في بحر لبنان...

ألف عامل وعامل يمكن أن يدفع اسعار البرميل إلى أكثر من ١٥٠ و٢٠٠ دولار...

في بضعة سنين تضاعف سعر الغاز أكثر من عشرين ضعفاََ...

في اقل من شهر زاد السعر أكثر من ٥٠٪...

الذي يراهن على انهيار روسيا، لم يقرأ التاريخ جيداً...

الشعب الروسي، ليس كما أهل الخليج أو بعض العربان...

سنة ٨٨، في طريقي الى الصين مررت إلى موسكو وكان يلتسين في قمة السطوة...

فوجئت بقول أحد معارفي هناك تعليقا على اقتحام القيم الغربية إلى داخل البيت الروسي...

"كنا نأكل البطاطا ايام الاتحاد السوفياتي، لكننا كنا دولة عظمى...

صرنا نجد الكثير من السلع التافهة، لكننا صرنا شعب بلا كرامة..."

يحاول الغرب دائما نسبة هزيمة نابليون أو هتلر إلى عامل الطقس...

الذي هزم نابليون وهتلر وسوف يهزم أي كان دفاعا عن كرامة الوطن هو ذلك الشعب الروسي وذلك العنفوان...

عندما أسر الروس فيلد مارشال الماني أثناء الحرب العالمية الثانية، ارسل الألمان يعرضون مبادلة الجنرال بابن الزعيم السوفياتي ستالين الذي كان وقع في أسر الألمان...

كانت إجابة ستالين هي التالية،

" ابني برتبة رقيب في الجيش.

نبادل رقيب مع رقيب...

عندما تنجحون في أسر جنرال، تستطيعون المطالبة بجنرال"...

في لينينغراد، في ستالينغراد، في القرى والبلدات على نهر الفولغا... كان الروس يحاربون من بيت إلى بيت ومن غرفة إلى غرفة داخل البيت، حتى استسلم الألمان، وكان من نتائج هذه الهزيمة على الجبهة الروسية... تغير مجرى الحرب بالكامل...

قد يجوع الشعب الروسي...

قد يخرج من بين صفوفه الكثير من العملاء والخونة...

لكن الأكيد أن روسيا لن تقبل بالهزيمة والركوع حتى لو خسرت عشرات الملايين كما حصل خلال الحرب العالمية...

في افغانستان، كان الاتحاد السوفياتي يغزو شعبا في عقر داره...

اليوم روسيا ذهبت لإنقاذ الروس في الدونباس وخاركوف وحتى كييف، عاصمة القياصرة الاوائل...

اليوم روسيا لا تقبل أن يكون الاطلسي على أبواب موسكو...

كما طرد الروس نابليون وهتلر سوف يطردون الأطلسي بالتأكيد...

لقد خرج بطرك موسكو أمس الأول، ودعا للدفاع عن روسيا...

بطرك موسكو ليس كما بطاركتنا والمطارين والشيوخ الذين يحللون الحرام ويحرمون الحلال ويغيرون في نصوص الدين لارضاء السلاطين...

روسيا إما تكون دولة عظمى أو لا تكون... هذا هو قدرها والتاريخ سوف يشهد سلباََ أو إيجاباً لشعب تلك الاصقاع...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري