لو كان لدى صدام حسين عشرة في المئة من شخصية فلاديمير بوتين...؟
لو كان لدى ياسر عرفات خمسة في المئة من شخصية فلاديمير بوتين...؟
لو كان عند قيادة حماس وحتى المحور، شيئ من بعد النظر الثاقب إلى جوهر الأمور بدل اللهو بالقشور... لكان وضع الأمة بألف خير...
عندما يُتهم فلاديمير بوتين بارتكاب الخطأ والبساطة والسطحية، يحق للرئيس الروسي القول إنه غير معصوم، وأنه في النهاية ليس سوى إنسان قد يخطئ في الحسابات التكتيكية دون المس بالهدف الإستراتيجي...
الفرق بين بوتين والقيادات عندنا، أن بوتين يعيد تصحيح المسار، بينما تسيطر على قياداتنا نظرة التعصب للموقف ولو بانت عيوبه على كل الملأ... وفقا لنظرية أنا وحدي على حق...
كان بوتين يعمل وبكثافة منذ بضعة سنين...
يهيئ لذلك اليوم الذي تنتفض فيه روسيا وتخلع المسيح الدجال عن عرش العالم...
كان قد استدعى كبير مستشاري يلتسين الذي كان مأخوذاََ بدوره بالكلمات الخادعة لغرب أكثر خداعاََ وأكثر احتيالا...
حاول بوتين ربط مصالح أوروبا وبالأخص ألمانيا، بمصالح روسيا ليس فقط بالطاقة بل بالكثير من المبادلات التجارية حيث كانت روسيا تؤمن الالومنيوم والحديد والصلب ومادة الكادميوم المهمة لصناعة كوابح السيارات، بأسعار لا يمكن منافستها...
لكن، وتحسباََ من العقوبات التي رأى الرئيس الروسي حتمية وقوعها يوماً، بدأ شيئا فشيئا بتحويل الاحتياط الاستراتيجي المكون من حوالي ٦٥٠ مليار دولار إلى عناصر أخرى...
زاد مخزون روسيا من الذهب إلى أن ناهز ال ١٣٠ مليار دولار...
حوّل حوالي ٢٠٠ مليار دولار إلى اليوان الصيني، وحاول الاستثمار في أكثر من مكان عبر صرف مخزون الدولار ( مشاريع المصافي ومعامل الطاقة في لبنان، رغم عقم الرئيس عندنا، وعقم الطبقة الحاكمة كلها دون استثناء، وعجز حلفاء روسيا في لبنان الذين يتلهون بانتخابات سوف تنتج أعداء جددا للمقاومة، بثياب حلفاء)...
كان قد حاول بالتي هي أحسن معالجة الأمور قبل أن يكتشف أن الغرب ليس سوى أفعى من فصيلة الاناكوندا تزحف لابتلاع كل شرق أوروبا قبل الانقضاض على روسيا نفسها...
كانت المخابرات الروسية قد أبلغته قبلا عن انتشار مختبرات للسلاح البيولوجي في أكثر من بلد أوروبي شرقي، بالإضافة إلى جورجيا...
لكن الذي استعجل الأمور واجبر بوتين على الحشد وتوجيه الانذار لأوكرانيا، هو العمل الذي كان يجري تحت الطاولة من أجل ضم أوكرانيا إلى الحلف الاطلسي والبدء في شهر حزيران القادم ببناء ٤ الى ٥ قواعد قابلة لاستقبال صواريخ متوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية وتستطيع الوصول إلى موسكو خلال أربعة دقائق فقط...
جرى توجيه الانذار فوراً حتى لا يقوم الأطلسي بضم أوكرانيا فجأة ويضع روسيا أمام الأمر الواقع...
سقط الأمر في يد الاطلسي والأوكران في نفس الوقت...
قام زيلينسكي والحرباء البريطانية بافتعال ضجة حرية الدول في دخول الأحلاف التي تريد...
رد بوتين بحشد مئة ألف جندي والقيام بمناورات ترد على المناورات التي تجرأ الأطلسي على القيام بها في البحر الأسود...
نفى بوتين أي عزم على اجتياح أوكرانيا، وهذا كان واقع الحال بالفعل... فالرجل كان يسابق الزمن في تحويل الاحتياطات الاستراتيجية الروسية إلى ملاذات آمنة لعلمه اليقين بأن روسيا سوف تخضع في اقرب فرصة إلى إجراءات لا تقل عما كانت تتعرض له إيران وفنزويلا وكوبا...
زادت وتيرة ارسال الأسلحة إلى أوكرانيا ومعهم جماعات المرتزقة من النازيين الأميركيين خصوصاً... إضافة إلى العنصريين من الدانمارك والنرويج وبلدان بحر البلطيق...
زادت التحصينات وزاد حصار دونيتسك ولوغانسك وباقي مناطق الدونباس وبدأ العمل على تدريب المليشيات الآتية من غرب أوكرانيا والتي تتميز بالكره للعنصر الروسي؛ بدأ تدريبهم على حروب العصابات في الشوارع...
هنا رأى بوتين أن مراكمة القوة لم تعد في صالح روسيا... فكان لا بد من تسريع الخطى... لذلك وخلال أقل من ٤٨ ساعة كان الدوما الروسي يعترف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ويطلب من بوتين التصديق على هذا الاعتراف وعقد معاهدة صداقة ودفاع مشترك...
اضطرار بوتين القيام بالعملية قبل الأوان، سوف يتسبب ببعض الصعوبات ولكن لا بد من القيام بما على روسيا القيام به...
من وجهة نظر بوتين، كان يتمنى المزيد من الوقت...
من وجهة نظر السباق مع الزمن، كان يجب توجيه الضربة منذ شهور بل حتى سنين وما كان يجب المراهنة على تفهم غربي لقلق روسيا الأمني...
لكن ما حصل قد حصل...
سوف تزداد اعداد القتلى من الجنود والضباط الروس بعد أن قام العدو باستقدام النازيين الجدد والمرتزقة...
الاكثر حزنا أن موسكو التي تنظر إلى الأوكرانيين باخوة سلافية وتتحدث عن شعب واحد في دولتين، سوف تضطر إلى استعمال قوة زائدة على شعب شقيق...
عندما اتصل ماكرون مساء أمس، كان يظن أن العقوبات والمرتزقة قد نالوا من عزيمة الرئيس بوتين...
تمنى ماكرون كما الألمان لو أن بوتين يتراجع حتى يتوقف تأثير ارتداد العقوبات على أوروبا...
في الاسبوع الاول من الحرب زاد التضخم من ٢ إلى ٥٪ وقبل انقضاء الاسبوع الثاني زاد هذا التضخم الى ٦٪، وبدأت المخازن تزيد الاسعار وتتجنب إنزال بضائع تعلم جيدا أن أسعارها العالمية زادت على ال ٤٠٪...
ظن ماكرون أن التكالب العنصري ومهاجمة محلات الروس في أوروبا والتهديد بمصادرة ممتلكاتهم التي تزيد على ٧٠ مليار دولار وانسحاب الشركات الكبرى من السوق الروسية كما جرى مع إيران بعيد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي؛ ظن ماكرون أن لعبة عض الأصابع نفعت وان بوتين سوف يتراجع...
لم يعد مطلب حياد أوكرانيا هو الطلب الاهم عند روسيا...كان جواب الرئيس الروسي جملة واحدة رددها أكثر من مرة خلال ساعة ونصف من المحادثة الهاتفية:
يجب نزع السلاح ووضع المنشآت النووية الأوكرانية تحت مراقبة روسيا، وكلما تأخر الأوكرانيون في الموافقة على هذه المطالب، سوف تخرج مطالب أخرى حتى تتيقن روسيا من ان أمنها مُصان بالكامل...
لكي لا يساء تفسير كلامه، أمر بوتين القوات الروسية بالسيطرة على محطة زاپاروجا التي تحوي ستة مفاعلات نووية وتزود معظم أوكرانيا بالطاقة...
استيقظ الغرب على عويل أن بوتين يلجأ إلى الإرهاب النووي...
أما القول إن الذين استولوا على المحطة، كانوا من المسلمين الشيشان الموالين لموسكو، هذا ليس سوى من أضغاث احلام النازيين لبث الضغينة في قواتهم، فربما ساعدتهم تلك العنصرية البغيضة في بث روح القتال في صفوفهم المتضعضعة...
أصلا، رسالة السيطرة على المحطات النووية في أوكرانيا، كانت رسالة مزدوجة إلى السلطة الفاشية في كييف والمناطق الغربية من جهة، وإلى أوروبا نفسها من جهة أخرى...
رسالة أن الاستغناء عن الغاز الروسي لصالح الطاقة النووية كما جاء في برنامج ماكرون الانتخابي، لا يشكل حلا بل هذا ما يجعل من أوروبا فريسة للإرهاب النووي...
حتى اذا ارادت أوروبا العودة إلى الفحم الحجري الذي فات زمانه، فإن الدونباس هو موطن هذا الفحم...
الغاز الأميركي أغلى ثمناً بحوالي ٣٠٪، وهو لا يكفي...
الغاز والنفط الصخريان هما أكثر غلاء ويستهلكان كميات ضخمة من المياه العذبة في زمن نقص هذه المادة في كوكبنا...
لقد وصل الأمر بمستشاري بايدن أن يشيروا عليه بوجوب رفع العقوبات عن فنزويلا وإيران لأن ٦٠ مليون برميل من مخزون الاحتياط الإستراتيجي لا تكفي الاستهلاك العالمي أكثر من يومين...
أما الفوبيا ضد الروس التي انتشرت في أوروبا وأميركا، فبدل أن تزيد من خصوم بوتين في الداخل، عملت على زيادة التفاف الروس حول القائد الذي يرفض أن تكون موسكو تحت رحمة النازيين المنتشرين في غرب أوكرانيا وفي بولندا ورومانيا وحتى في المانيا...
صحيح أن الأمر لا يخلو من وجود ١٤ آذاريين في روسيا يفضلون المال على الكرامة...
كما صحيح وجود ٨آذاريين من عبدة الأوثان...
لكن خروج بطرك موسكو للدعوة للدفاع عن الوطن الأم روسيا، هو ما افشل خطط الأطلسي، وهو ما زاد من حنقهم وزاد جنونهم..