كان الطبيب الجراح المتحدر من طرابلس والمقيم فيها نائب رئيس تيار "المستقبل" (علي علّوش)
في خطوة كانت متوقعة، أعلن مصطفى علوش استقالته من منصبه كنائب لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري. ومن يعرف علوش جيدًا، يُدرك أن الرجل لم يقتنع اطلاقًا بخيار تعليق الحريري عمله السياسي، كما لم يكن طوال السنوات السابقة على انسجام عميق بخيارات زعيم المستقبل السياسية، وتحديدًا بعد التسوية الرئاسية في عام 2016، والتي أفضت حينها إلى تحالفه مع التيار الوطني الحر وربط النزاع السياسي مع حزب الله.
ولأول مرة منذ العام 1998، حين وضع علوش لبنة تيار المستقبل وأسسه مع زملائه، وفي طليعتهم أحمد فتفت وسمير الجسر، يصبح رسميًا الطبيب الجراح المتحدر من طرابلس والمقيم فيها، خارج التيار. ويرى كثيرون أن هذا القرار هو نكسة كبيرة لـ"المستقبل" الذي يخسر بانسحاب علوش أحد أهم شخصياته وأكثرهم ثقافة وانفتاحًا وجرأة وتمرسًا بالعمل السياسي.
ومصطفى علوش هو من أبرز الوجوه السياسية في التيار، حيث ولد في باب التبانة ومن عائلة عرفت بثقافتها وميولها اليسارية والعروبية، وراكم تجربته في سنوات الحرب، وكان نائباً عن طرابلس بين عامي 2005 و2009، ورافق الرئيس الراحل رفيق الحريري بكل تجربته، وما زال يحمل لقب "طبيب الفقراء" في طرابلس. وامتاز بثقافته وتجاربه الحزبية وجرأته السياسية، وظل باستمرار رغم تصنيفه من الصقور، من الشديدي الوفاء لسعد الحريري.
إعلان الاستقالة
وفي بيان مقتضب، أعلن تيار المستقبل أن علوش تقدم باستقالته من التيار في اتصال أجراه مع الرئيس الحريري. وأن الأخير اعتبر الاستقالة نافذة، وأودع القرار الأمانة العامة للعمل بموجبها.
واعتبر البيان أن علوش أصبح متحررًا من أي التزامات تنظيمية و"له الحق الكامل وفق الأصول أن يسلك الطريق الذي يراه مناسبًا، سواء في الانتخابات أو سواها، متمنين له التوفيق ومقدرين مواقفه والمهمات التي تولاها في التيار طوال السنوات الماضية".
ثالث استقالة؟
يرفض علوش التصريح حاليًا حول ملابسات استقالته. لكن مصادر خاصة مواكبة لقراره، أفادت "المدن" أن هذه الاستقالة النافذة هي الثالثة التي يتقدم بها علوش للحريري بظرف شهرٍ واحدٍ فقط.
وتربط المعطيات استقالة علوش برفضه قرار انسحاب الحريري من الحياة السياسية على مسافة أشهر من الانتخابات، ويعتبر مثل كثيرين في التيار، أن هذا الخيار الشخصي ينسف سنوات طويلة من عمر "المستقبل"، ولم يراع برأيهم كل التضحيات التي قدموها لأجل التيار.
لكن ما أجج الخلاف داخل تيار المستقبل، وبين الحريري وعلوش، هو إعلان الأخير تأييده للحركة السياسة التي أطلقها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، على قاعدة "أنه لا يجوز ترك الساحة السنية فارغة أمام خصومها، ولا للشخصيات الطارئة حديثًا"؛ فبدأت تتصاعد بعض الأصوات المستقلبية التي تطالبه بالاستقالة، وهو ما دفع الحريري إلى عدم التردد بقبولها.
ويبدو أن تيار المستقبل يعيش تخبطًا كبيرًا، وأن مسلسل الاتفاقات الجانبية والتحركات المخالفة لقرار القيادة لم ينته بعد، خصوصًا بعد توالي الأخبار حول عمل غير مباشر لكل من أحمد الحريري وأحمد الهاشمية لتشكيل لوائح في بيروت.
ويتوج علوش باستقالته عجزه عن محاولات إقناع الحريري بضرورة التراجع عن خيار انسحابه من الانتخابات.
لكن ما هي خيارات علوش راهنًا؟
تتحدث بعض المعطيات عن إمكانية أن تكر سبحة استقالات إضافية من تيار المستقبل، خصوصًا لأولئك الراغبين بخوض الانتخابات على مسافة أسابيع قليلة من إغلاق باب الترشح، ولأن السنيورة بحركته جذب كثير من الطامحين في خوض غمار المعركة معه.
لكن مصطفى علوش لم يحسم خياره، وهو في مرحلة استيعاب هذه الخطوة المصيرية بحياته السياسية. وحسب معلومات "المدن"، فإنه أمام مروحة من الخيارات، تبدأ باحتمال الانسحاب من المشهد السياسي، وتنتهي عند امكانية الترشح للانتخابات شمالًا. لكن الخيار الأخير، مقرون بجملة عوامل لدى علوش، وأهمها الطبيعة السياسية للوائح التي ستتشكل في طرابلس، خصوصًا أن كثيرين يرجحون عدم قبوله بالترشح على لائحة يشكلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، نظرًا لعدم انسجامه السياسي معه.
طرابلسيًا، ما زال المشهد الانتخابي ضبابيًا، غير أن استقالة علوش حركت المياه الراكدة في المدينة، وبدأت تتوالى التساؤلات حول الخيارات المقبلة عليها، في ظل التحذيرات والخشية على وضعها، أمنيًا وسياسيًا واجتماعيًا.
د طلال حمود- ملتقى حوار وعطاء بلا حدود



