عندما تحدث فوكوياما عن صراع الحضارات وعن نهاية التاريخ، لم يكن يخطر على باله أن تجري تلك الصراعات يوماً على أرض أوروبا..
حتى استعمال فوكوياما (لأل) التعريف "the" في كلمتي (ال)حضارات و(ال)تاريخ لم يكن موفقاً، وعكَس الحقد الدفين الذي يحمله الكثير من الغربيين لكل ما هو شرقي...
لقد فهم ايمانويل ماكرون هذه المسألة جيداً حين تحدث ليس عن نهاية (ال)تاريخ، بل عن نهاية تاريخ سيطرة الغرب على العالم...
يقول ماكرون أن القرن الثامن عشر كان فرنسياً بامتياز مع عصر النهضة؛ إنكليزياََ في القرن التاسع عشر مع الثورة الصناعية، وأميركياََ في القرن العشرين مع العولمة وعصر الذرة والنانو... رغم تجاهله لسبب غير معروف للقرن السابع عشر الذي كان اسبانياََ برتغالياََ بفضل نهاية العصر الإسلامي في هذين البلدين من جهة، وسقوط القسطنطينية ونهاية الإمبراطورية البيزنطية من جهة أخرى...
يضيف الرئيس الفرنسي أن العالم يتغير... هناك الصين وروسيا... والهند... ويجب على الغرب التعايش مع هذا...
في الثمانينيات من القرن الماضي، وأثناء حرب البوسنة تحدث أحد الوزراء الفرنسيين الذي يغيب اسمه عن بالي عن أن الحرب (العالمية) القادمة سوف تكون بين الكنائس الغربية والكنائس الشرقية، وأنه يجب كسب المسلمين إلى جانب الغرب، لذلك كان يجب التدخل في البوسنة وضرب وتدمير صربيا...
كان حلم العنصريين في الغرب، ومنهم فوكوياما، أن ينحصر الصراع بين الغرب والشرق، وتحديدا ضد المسلمين والصينيين والهنود وفقاً لمبادئ مؤتمر كامبل...
لم ينتبه إلى أن روسيا تحمل الكثير من خصائص الشرق والغرب معا...
لقد أعمى عداء فوكوياما لروحانية الشرق بصيرته عن الأطماع التاريخية التي يحملها الغرب تجاه تلك الدولة الروسية المترامية الأطراف، الفائقة الغنى، والطامحة كما الكثير من الشرقيين للالتحاق بالسيد الأبيض...
إنها العبودية الفكرية التي لا تنحصر بلون الجلد بقدر ما تعبر عن الدونية في محاولة الانتماء إلى طبقة الأسياد سواء كانوا أفراداََ أم دولا...
ليس الروس وحدهم أسرى هذه النزعة التي تكلم عنها قبل قرون ابن خلدون في مقدمته الرائعة...
يزخر عالمنا العربي بالكثيرين من هؤلاء العبيد "البيض"( في لبنان خاصة مع اتباع اميركا في ١٤ وفي ٨ آذار، وكذلك في العالم العربي)...
هذا أحد عناصر البنيان الاجتماعى للبشر...
هو موجود في روسيا، ولكن النزعة الوطنية الروسية تحد كثيراً من قوته...
بينما في لبنان خاصة، وفي العالم العربي، تصبح هذه الخاصة الاجتماعية مرضاََ سرطانياََ يجب اجتثاثه حتى ولو أدى ذلك إلى اجتثاث أصحابه من الأساس...
إذا كانت ويستفاليا أنهت الصراع الدموي بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية في غرب أوروبا والذي استمر أكثر من مئة عام وتميز بوحشية تزيد على ما عرفناه مع داعش والنصرة وغيرهم من وحوش البشرية...
فإن على الغرب أن يفهم أن العنصرية التي تنتشر في شرق أوروبا، والتي أخذت طابعاََ نازياََ في اجزاء كثيرة من أوكرانيا مع اتباع ذلك الضابط النازي ستيپان بانديرا الذي حارب إلى جانب هتلر ضد السوفيات أثناء الحرب العالمية الثانية، سوف تؤدي في النهاية إلى انبعاث النازية الهتلرية بأبشع صورها...
ما يحدث في غرب أوروبا وانتشار تلك الفوبيا المقيتة التي كانت تطال المسلمين قبلا، لتصل اليوم إلى العنصر الروسي، ينبئ بمستقبل بشع لتلك الديمقراطيات...
من ملاحقة المسلمين ومهاجمتهم، والتطاول على معتقداتهم في لبس الحجاب مثلاً، إلى ملاحقة المثقفين من اصل روسي، أو حتى من يرفض تلك الممارسات العنصرية النازية والتي كان آخر ضحاياها الكاتب النمساوي Peter Handke، الحائز على جائزة نوبل للأدب والذي يتعرض لأسوأ انواع الهجوم المعنوي بسبب رفضه التوقيع على بيان إدانة لروسيا...
هل يحتاج الغرب إلى ويستفاليا ثانية مع أوراسيا، وثالثة مع الحضارة الإسلامية، ورابعة مع الحضارة الصينية، وخامسة مع الحضارة الهندية... إلى آخر الزمن...
أم يجب العودة إلى الأساس المسيحي العيسوي النقي بعد التخلص من التأثير الصهيوني الذي جعل من هذا الغرب وحشاََ كاسرا لا يلوي على شيء...
هل تكون الحرب الدائرة في أوكرانيا اليوم درساً لأوروبا كي تنزع عنها ذلك الثوب النازي الذي يطبع تعاملها مع الآخر، بغض النظر إذا كان هذا الآخر روسياََ
أو مسلماً أو إفريقياََ أو غيره...
أم هل تكون درسا لروسيا كي تتخلص من تلك الدونية التي تميز علاقتها مع الغرب ومحاولة الركوب دوما على قاطرته...
لقد ميزت هذه الدونية بوتين في محاولاته تلبية كل ما طلبه الغرب إلى الأمس القريب الذي اكتشف فيه أن الهدف هو روسيا وتقسيمها ونهبها بغض النظر عن النظام الذي يحكمها...
سواء كانت روسيا اشتراكية أو رأسمالية أو اي شيء آخر... يبقى الهدف نفسه:
ضرب بنيان هذا البلد وتقسيمه والهيمنة على ثرواته...
أم هل يستمر الغباء الغربي إلى الحد الذي يدفع روسيا إلى تجاوز أوكرانيا وحتى دول بحر البلطيق وضرب شرق أوروبا التي لا تتوقف عن استفزاز الاخ الأكبر...؟
نحن على بعد أمتار من الحرب العالمية الثالثة... والأخيرة...
قد يتفوق حلف الأطلسي على روسيا في الكثير من الأمور بعد أن أمعن غورباتشوف ويلتسين في إضعاف ذلك البلد...
لكن الروس ليسوا عرباََ...
الغرب يحشد المرتزقة، ويبدو أنه كان قد بدأ بهذا الحشد منذ أكثر من عقد من الزمن تحسبا لهذا اليوم...
حتى الفئران إذا ما تمت محاصرتها للقضاء عليها، سوف تخرج وتعض...
روسيا تتفوق على اميركا بالعزيمة والقرار الرافض لأية هزيمة...
هذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن ذهن كل المتآمرين على ذلك البلد...
في حالة دولة تمتلك أكثر من سبعة آلاف رأس نووي، هذا يعني عليّ وعلى أعدائي...
بكل أسف، هذا يعني امتلاك القدرة على التدمير المتبادل بين الطرفين عشرات المرات مع تدمير كامل لكوكب الارض واختفاء العنصر البشري...
سُئِل ألبرت اينشتاين مرة عن أي نوع من السلاح الذي قد يظهر بعد الحرب العالمية الثالثة، فأجاب... الحجارة...
كان أينشتاين يعتقد أن البشر بعد استعمال السلاح النووي سوف يعودون إلى العصر الحجري من التخلف وإعادة التكوين...
عرف أينشتاين القنبلة الذرية الاميركية التي دمرت هيروشيما وناكازاكي...
اليوم، هناك رؤوس نووية تزيد قوتها آلاف المرات عن قوة قنبلة هيروشيما...
من المؤكد أن الحرب العالمية الثالثة إذا وقعت لن يبقى هناك كوكب حتى تبقى عليه حياة...
لذلك احذروا أبي النفس إذا غضب...