كتب الأستاذ حلبم خاتون: هل يمكن بناء مجتمع مقاوم في بلد يعمه الفساد..؟
مقالات
كتب الأستاذ حلبم خاتون: هل يمكن بناء مجتمع مقاوم في بلد يعمه الفساد..؟
حليم خاتون
11 آذار 2022 , 01:22 ص

"نحن لم نعد حالة إسلامية، نحن وجود إسلامي... لنا مدارسنا.. لنا مؤسساتنا...

الحالة قد تتغير، أما الوجود فهو الواقع الموجود ولا يمكن أن يختفي..."

بهذه المعاني البسيطة، وصف الشهيد عماد مغنية ما تمثله المقاومة الإسلامية في لبنان...

الحاج رضوان الذي تنقل خلال حياته في عدة تنظيمات تتبنى المقاومة، آمن بأن ما صنعه هو ورفاقه وإخوانه للوصول إلى ما وصل إليه حزب الله، هو الحالة المثالية لما يمكن أن تكون عليه مقاومة...

لا شك أن حزب الله وهذه المقاومة الإسلامية هي من انقى الظواهر التي وجدت في هذه المنطقة إلى درجة أن البنتاغون في الولايات المتحدة الأميركية لحظ ميزانية لمواجهة الدول *والتنظيمات* المعادية لمشاريع اميركا في العالم...

لكن وحده الله هو الذي لا يتغير...

لا ضرورة للعودة دائما إلى مقدمة ابن خلدون في علم المجتمعات حتى نقول إن المجتمعات كما الأفراد...

تولد، ثم تكبر ثم تشيخ...الخ...

هذا قانون احتماعي...

نظرية ثبتت صحتها حتى اليوم عند دراسة تاريخ نشوء وموت المجتمعات...

حزب الله هو مجتمع فتي لا يزال في أوج قوته وفي قمة عطائه في المهمة التي وجد من أجلها...

لعل ما يساعد الحزب على النمو أكثر وأكثر، وعلى البقاء على تلك الحيوية، هو صعوبة المهمة الأساسية الملقاة على عاتقه والمتمثلة في التحرير ومواجهة الصهيونية والاستكبار العالمي بالإضافة إلى تسلحه بفكر ثوري لا يزال حياً منذ ألف وخمسمائة عام...

لقد وُجدت على مر الزمن أكثر من حركة ثورية... بعضها عاش عشرات السنين... وبعضها كان يحمل نفس الفكر الإسلامي الثوري الذي تحمله المقاومة الإسلامية... لكنها اندثرت ولم يعد لها وجود...

الخلود في هذه الحالة لا يكون لهذا التنظيم أو ذاك... وقطعاََ، ليس لهذه الحركة الثورية أو تلك... الخلود يكون للفكر الثوري نفسه...

أما الحزب أو الحركة التي تحمل هذا الفكر، فهي سوف تظل حية طالما هي تحافظ على وهج ذلك الفكر...

حين تبدأ هذه الحركة على الميلان...

حين تبدأ الافتراق عن هذا الفكر،

لن تلبث أن تزيد الهوة حتى ينتفي الخلود...

في النهاية، لا يوجد معصومين في هذه الدنيا...

التاريخ وحده كفيل دائما بتصحيح المسار...

لكي لا نصل إلى ما وصلت إليه حركة السيد موسى الصدر التي دخلت في منظومة الدولة الفاسدة، علينا أن نقوم كل فجر قبل الصلاة بإجراء عملية فحص للمسيرة والتأكد من أنها لا تنحرف عن المسار...

قد لا يكون الانحراف في البدء ظاهر للعين المجردة، لكن قلوب المؤمنين قادرة على رؤية ما وراء الظاهر...

استمعت إلى أكثر من مرشح من خارج نادي نواب مجلس العجز وتغطية الفساد والتستر على الفاسدين...

من الأستاذة بشرى الخليل إلى الاستاذ جاد غصن، إلى حتى الأصنام الذين ترشحهم الماكنات، فقط لأنهم أصنام...

الأستاذة بشرى تناولت أكثر من موضوع، وكان من الممكن أن يشكل ترشحها علامة فارقة لو لم تقع في التعبئة الطائفية المذهبية...

الكثير مما قالته الأستاذة يستوجب النظر والتأمل، لكن محاربة الرئيس بري بسلاحه الطائفي المذهبي معركة خاسرة بكل تأكيد...

إلرئيس بري نفسه هو من قال تلك المقولة الشهيرة بعد حراك ١٧ تشرين...

"لولا العصبية الطائفية والمذهبية، لكانوا اقتحموا القصور وقاموا بحرقها.."

خطأ الرئيس بري الذي أتى يوماً على فرس ابيض يريد اقتلاع النظام القديم وبناء دولة، أنه ما لبث أن التحق بنفس هذا النظام وتوافق مع أبرز رموزه فساداً من الحريرية السياسية التي تمثل أسوأ أنواع الرأسمالية المتوحشة التي قضت على كل مقومات أقامة دولة، سعياََ وراء ارباح سريعة لا يجلبها إلا السمسرة وبيع الأوطان في سوق النخاسة الدولي...

الرأسمالية الزراعية والرأسمالية الصناعية الوطنيتان لم يكن لهما وجود في قاموس رفيق الحريري...

وكما أضافت الأستاذة بشرى قائلة، حتى السياحة الثقافية تم القضاء عليها لصالح سياحة الكباريه والكازينو وبنات الليل القائم على استيراد الفتيات من أوكرانيا أو إيقاع جميلات الشام ومصر والعراق في فخ الوظيفة في "بلد عربي"...

حوالي ساعة كاملة من لقاء الأستاذة بشرى، لم يكن بالمستطاع رؤية برنامج واضح...

كل ما يراه المرء هو ضربة هنا وضربة هناك لا شيء أكثر...

سلاح الأستاذة في محاربة الفساد كان فقط في التصويب على هذا الفساد دون الإفصاح عن كيفية محاربته...

قد تكون الأستاذة بشرى مشت خطوة إلى الأمام بالنسبة لمرشحي حزب الله الذين أخطأوا أكثر من مرة، وفي أكثر من قضية... لكن هذا ليس كافياً في معركة لا بد أن تكون شرسة لأن الخصوم هم طيور جارحة من فئة التنين قاذف اللهب...

صحيح أن الأستاذ جاد، لم يفصح عن البرنامج الذي يتبناه والذي فهمنا أنه برنامج حركة مواطنون ومواطنات في دولة...

إذا كان هذا البرنامج لا يختلف عن طروحات الدكتور شربل نحاس في خلط الحابل بالنابل حين يضع حزب الله في نفس سلة أمل والمستقبل وجنبلاط وجعجع وعون وبقية الربع...

فإن خيار الاستاذ جاد يكون قد وقع في مطب التعمية وفقر التحليل رغم يساريته...

أخطاء حزب الله ليست خفية، وليست صعبة لمن يريد تناولها موضوعيا ومن منطلقات طبقية ووطنية...

وقد تناول أكثر من محلل، في أكثر من مناسبة تأثير الطبقة الوسطى في الحزب على ثورية هذا الحزب...

لقد واجهت الحركة الإسلامية في إيران هذا الوضع وتطلب الأمر أكثر من مجرد إراقة دماء وحيوية ثورية تسلحت بأفكار الإمام الخميني في الثورة الدائمة التي لا تتوقف عن تنظيف صفوفها إلى ان وصلت إيران إلى ما هي عليه اليوم...

ليس المطلوب طبعاً إراقة أية دماء، لكن وكما تم سحب حركة السيد موسى الصدر رويداً رويداً إلى المنظومة حتى غطست وصارت من أضلاع بوليغون الفساد في البلد...

يبدو أن هناك سحب مشابه يجري لحزب الله عبر ربطه بحلفاء هم من عتاة منظومة الفساد...

لنا مدارسنا صحيح...

لكن التربية الدينية وحدها مهما توسعت آفاقها، لا تكفي...

هناك تجارب شعوب وثورات وثقافة احترام الآخر، وتقبل الثقافات الأخرى...

لنا مؤسساتنا، هذا جيد، وجيد جداً... لكن يجب تعليم هذه المؤسسات أن أفضل البناء هو ذلك الذي يقوم على حرية التعبير وعدم الخوف من الغوص في أدق المجالات... والنقد، ثم النقد، ثم النقد حتى ينقطع النفس كما يقول دوما السيد نصرالله...

المسألة ليست في طقوس دينية جامدة عن كيفية الوضوء وكيفية الصلاة...

المهم الجوهر أكثر بكثير من الشكل...

المسألة تتعلق بالسماح للفكر أن يقتحم كل المجالات بما في ذلك فلك الممنوع علناََ...

إذا كان هذا النقاء هو ما نطلبه لأطفالنا والأجيال القادمة فاي مثل نعطيهم في سيرة وجودنا داخل المجلس وداخل الحكومات...

تجارب يكثر فيها السلبي على الإيجابي...

يمتدح الدكتور أسعد ابي خليل طريقة حزب الله في اختيار المرشحين قياسا على ما يجري في الأحزاب الأخرى كافة حيث الديمقراطية مجرد شعار فارغ لا يُطبق...

قد يكون حزب الله متقدماً، وهو فعلاً متقدم...

لكنه متقدم فقط لأن الآخرين من الأحزاب كافة، متخلفين لا يحترمون العقل ولا المنطق ولا القانون ولا الحريات...

هم مجرد تجمعات قبائلية أو عشائرية أو فاشية قائمة على التعصب الديني أو المناطقي...

مرة أخرى وأخرى أمام حزب الله طريق، وطويل جداً يقوم على التوسع وإقامة التحالفات بروية عبر المشي خطوة خطوة في رحلة الالف ميل...

لا هذه الانتخابات، ولا التي بعدها تعني شيئاََ أمام أن لا تزيح المسيرة عن الطريق الصحيح ولا حتى بوصة...

نحن في مجتمع جاهل وفاسد، علينا الرقي به وليس المشي على هواه، حتى لا يصيبنا قول الفيلسوف الايرلندي جورج برنارد شو حين قال ان مجتمع من الحمير لا يمكن أن يختار إلا حمارا على رأسه...

نحن لا نريد لا جاهلين ولا فاسدين، حتى لو كان في ذلك أن نظل أقلية نظيفة حتى يأذن الله...

المصدر: موقع إضاءات الإخباري