كتب م. زياد أبو الرجا: فلسطين الهوية والانتماء
فلسطين
كتب م. زياد أبو الرجا: فلسطين الهوية والانتماء
م. زياد أبو الرجا
23 آذار 2022 , 19:14 م

عندما انطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل لافت للانظار بعد هزيمة حزيران توجهت انظار الراي العام العالمي الى ما يجري في الاردن وخاصة بعد اختطاف الطائرات المدنية وتفجيرها والعمليات الفدائية عبر نهر الاردن وقام كثير من الصحفيين واغلبهم من المخابرات الاجنبية وبعض قيادات من اليساريين بالتواجد في الاردن والتعايش مع الفدائيين في قواعدهم للوقوف على سلوكهم الاجتماعي ومواقفهم السياسية. كان قسم منهم مكلفين للاجابة على اسئلة طرحوها في مراكز الابحاث  والتي يتوقف على دقة الاجابة عليها المواقف والسياسات والاجراءات المطلوبة لقمع الثورة  قبل ان تتمدد في الاقليم كمنهج واسلوب عمل. كان من اهم الاسئلة المطروحة تلك التي تتعلق بالهوية والانتماء.

مثل هل يشكل الفلسطينيون هوية وطنية جامعة.؟

هل ما يقومون به من اعمال فدائية ومقاومة سيكون مقدمة لبناء جبهة وطنية موحدة؟

اذا ما تم تشكيل تلك الجبهة هل سيتم تطويرها لتكون جبهة قومية موحدة؟

هل الفلسطينيون شعب موحد اصلا؟ هل يتقاسمون نفس الالام والامال رغم اللجوء والشتات؟

ان الاجابة الدقيقة والعلمية على هذه الاسئلة تمكن اصحابها من الاجابة بشكل علمي ومنهجي على السؤال ما العمل؟

في تلك المرحلة من ستينات وسبعينات القرن الماضي توصلوا الى استنجاج خلاصته ان الفلسطينيين شعب وطني يجمعه حلم العودة والتحرير، وانه على استعداد تام ليقاتل ويضحي من اجل تحقيق هذا الحلم على ارض فلسطين. كان محصلة تلك الفترة الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية واعتبار الحركة الصهيونية حركة تمييز عنصري.

اشتغلت اجهزة المخابرات والاعلام المعادية للقضية والثورة الفلسطينية ، وفتحت عدة جبهات منسقة وذات هدف واحد بان لا جدوى من العمل الفدائي والذي لن يهزم جيشا هزم الجيوش العربية مجتمعة في ستة ايام. في نفس الوقت كانت طائرات العدو تشن غارات على المدن والبلدات التي تشكل الحاضنة الشعبية وكانت المدفعية الصهيونية تدك مزارعهم ومعاملهم. كانت الطائرات تلقى بالمنشورات على هذه المدن والبلدات التي تقول ان ما يتعرضون له هو بسبب دعمهم واحتضانهم (( المخربين))وبعد ان فشلت كل محاولات العدو لجأ الى شن عدوان واسع على غور الاردن بهدف احتلاله بالاضافة الى المرتفعات الشرقية المطلة عليه. ان الجيش العربي الاردني كان  يرصد تحركات العدو وعرف ساعة الصفر للعملية العسكرية، وحين تقدمت القوات الصهيونية امطرتها مدفعية الجيش الاردني بحمم مدفعيتها ورمايات الاسلحة البعيدة المدى والتحم الفدائيون على الارض وسطروا مع الجيش العربي الاردني اسطورة معركة الكرامة المجيدة.

بصرف النظر عن كل سلبيات وملابسات القرن الماضي، وما تعرض له الشعب الفلسطيني من نكسات اغلبها يعود لاسباب ذاتية متعلقة بقصر الوعي الفصائلي من جهة وتراجع اليمين الفلسطيني من جهة ثانية، الا ان الهوية والانتماء  حافظت على تماسكها. كان لخروج منظمة التحرير من لبنان وما تبعه من مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا الصدمة التي اخلت بجدار الصمود الفلسطيني على مستوى الشعب والفصائل وحصلت انشقاقات واصطفافات كانت كامنة واطلقها الخروج الفلسطيني من لبنان وبقيت تداعياتها مدة طويلة. من اهم هذه التداعيات هو تحرر اليمين الفلسطيني داخل فتح والمهيمن على المنظمة من الرقابة والكوابح التي كان يشكلها الطرف الوطني والموازي وخاصة القوات المقاتلة وقياداتها داخل حركة فتح.

اما الصدمة الثانية التي تعرض لها جدار الهوية الفلسطينية كانت عند دخول حركة المقاومة الاسلامية " حماس" على الخط ابان الانتفاضة الفلسطينية الاولى معلنة استرداد حركة الاخوان المسلمين بضاعتها من حركة " فتح" (( حيث ان قيادات فتح كانت من الاخوان المسلمين)) وشكلت اضافة نوعية الى التمزق الذي كان فصائليا ليضاف اليه التمزق العقدي. بقي الوضع متماسكا نوعا ما الى ان انخرط اليمين الفلسطيني في دوامة التسويات والتصفيات ووقع اتفاقية اوسلو وملحقاتها. احدثت هذه الاتفاقية شرخا وانقساما عاموديا وافقيا في المجتمع الفلسطيني وانعكس ذلك على الهوية والانتماء. ومما زاد الطين بلة هو انخراط كتلة من الشعب الفلسطيني ووقوعها في فخ الفتن المذهبية والعرقية والطائفية والتي القت بظلالها على المنطقة العربية حيث يقف وراءها عرابو الامبريالية والصهيونية ووكلاءهم.

سقطت شعارات وتجذرت اخرى ، وطرحت ايديولوجيات، والدينية خاصة والهدف هو الخروج من المأزق الحالي او تعميقه.

نعود الى التاريخ وما قدمه لنا من دروس وبشكل موجز. حين استسلمت الحامية الصليبية في القدس بعد صراع دموي لصلاح الدين الايوبي كان جيشه من خارج فلسطين حيث قام بالحشد والتعبئة والتجهيز في المشرق العربي بلاد الشام والعراق ومن الغرب مصر الكنانة. بعد وفاة صلاح الدين قام الكامل الايوبي باهدائها الى الملك فريدريك الذي اقام فيها دولته الصليبية التي دامت عشرة سنين والتي سقطت امام جحافل الغزو المغولي(( التتاري)) وبعدها قامت الجيوش المصرية بهزيمتهم في معركة عين جالوت. التارخ هنا يقدم لنا درسا مفاده ان تحرير فلسطين كان يتم بجهد عربي - اسلامي، وبقي هذا عالقا في وجدان وضمير وعقل الباطن للشعب الفلسطيني خاصة والشعوب العربية عامة بان تحرير فلسطين وقدسها ومقدساتهايتم على ايدي الجيوش العربية.

بما ان بلاد الشام وفي القلب منها فلسطين وقدسها ومقدساتها هي الموقع الاستراتيجي الاهم، والذي يربط اسيا بافريقيا، بقيت دائما الهدف الاول لكل من يريد ان يهيمن على الاقليم وامتداداته. كانت فلسطين دائما القاعدة والمنطلق، وبما ان المستهدف هو الاقليم برمته جغرافيا وشعوب ومقدرات ، فانه يصبح لزاما حتميا على شعوب المنطقة وخاصة دول الطوق ان تتصدى لاية قوة غازية، وتصبح المهمة وطنية اولا وقومية جدليا ولا نجاح لاي منهما دون الاخر. ان اي انحراف عن العلاقة الجدلية بين الوطني والقومي مصيره الفشل الذريع والهزيمة النكراء.

نحن الان كفلسطينيين نواجه دعوات الارتداد والتخلي عن العمق العربي والاسلامي ، دعوات قلبها خادع ومضلل يعيدنا الى شعار اليمين (( يا وحدنا)) الذي اتخذه مبررا لتوقيع اوسلو وملحقاتها.

انه شعار الانعزاليين والعاجزين حتى لو البسوه عمائم وجلابيب الدين.

ان تثبيت وتجسيد شعار الثورة الفلسطينية الذي تبنته " فتح" في منطلقاتها(( الثورة الفلسطينية فلسطينية الوجه عربية العمق والاهداف)) هو المفتاح لاقامة علاقات جبهوية نضالية واسعة مع محور المقاومة دولا واحزابا ونسج علاقات دولية مناصرة.

امام هذا الاستحقاق وفي هذه المرحلة بالذات، والتي تعج بصراع دولي يفضي الا تحولات جوهرية على مستوى العالم، الشعب الفلسطيني ليس لديه الا السلطة/ الجيتو  تحت الاحتلال وبعض من فصائل تتمسك بخيار المقاومة والنضال، وامتلكت  خبرات قتالية وراكمت مقدرات قوة وردع في قطاع غزة المحاصر. لقد واجهت الكيان في عدة جولات كان اخرها جولة سيف القدس التي من خلالها وحدت وجمعت الموقف الجماهيري الفلسطيني في كل اماكن تواجده تاكيدا وترسيخا لمقولة (( ان الكفاح المسلح والعنف الثوري قاطرة ورافعة بقية النضالات الجماهيرية على اختلاف وتنوع اشكالها. ان نقطة ضعف المقاومة في غزة هي موسميتها من جهة واختلاف طرفيها(( حماس والجهاد)) في النهج السياسي والاستراتيجية والتكتيك. ان حركة المقاومة الاسلامية

" حماس" تعاطت وما زالت تتعاطى مع افرازات ومندرجات اتفاقية اوسلو، من خلال المشاركة الفعالة في انتخابات المجلس التشريعي ومجالس البلديات وتفاوض السلطة على حصة في منظمة التحرير التي تحولت الى السلطة/ الجيتو. بقيت حركة حماس على هذا الموقف حتى بعد سيطرتها على قطاع غزة وانفرادها في ادارة شؤونه حيث تمارس التعاطي مع الكيان كما السلطة في رام الله. بمعنى اخر هي ليست بعيدة عن البرنامج المرحلي الذي اكل عليه الدهر وشرب.

في المقابل حركة الجهاد الاسلامي بشقيها السياسي والعسكري تقف على ارضية وطنية واضحة لا لبس فيها الهدف(( تحرير فلسطين التاريخية بالكفاح المسلح)) وخطابها التعبوي والمنهجي قائم على هذا الاساس. الواقع يقول اننا امام حركة جهادية اسلاموية طرفاها الجهاد وحماس، ولا يلتقيان في البرامج والتحالفات .

واهم من يعتقد ان القدرات التسليحية العسكرية لدى كتائب القسام وسرايا القدس هي نتاج جهدهما الذاتي فقط، والعزف على هذه الاسطوانة خداع وتضليل للجماهير، وتزييف للحقائق الدامغة. ان القيادة الامينة والواعية لاي حركة تحرر اجتماعي او تحرر وطني مطالبة بكي وعي جماهيرها وذلك بتسليحها بالمنهج العلمي واساليب تطبيقه على حركتها واداءها. لقد علمتنا التجربة التاريخية ان القيادة التي تداعب رغبات وتفكير ورؤية الجماهير الغير واعية مصيرها الفشل وتدفع  بالجماهير الى الاحباط واليأس .اما الحركات التي رفعت الجماهير الى مستوى التحدي الواعي والمدروس  ومراكمة الانجازات بعيدا عن الرغبات والامنيات هي التي انجزت مهماتها التاريخية.

اذا وقفنا امام الخطاب السياسي لحركتي " حماس" و " الجهاد" بعد جولة سيف القدس الاخيرة نجد ان القيادة السياسية لم ترق الى مستوى الاداء العسكري لكتائب القسام وسرايا القدس التي جسدت وطنية الانتماء ومهنية الاداء. في المؤتمر الصحفي الذي عقده السنوار في غزة بعد وقف اطلاق النار، لم يات من قريب او بعيد على ذكر دور محور المقاومة(( والذي كان رهن اشارة القيادة العسكرية الفلسطينيةفي غزة، حيث ان التفاهم والتنسيق بين الاطراف قائم على انه اذا كانت المعركة في فلسطين فامر  تدخل الاطراف الاخرى متروك لتقدير قيادتها العسكرية والعكس صحيح.)) بل لم يملك الجراءة الادبية كي يسلط الضوء على دور محور المقامة، وعندما ساله احد الصحفيين عن دور محور المقاومة كانت اجابته مقتضبة وخجولة، لانه كان رغبويا يراعي رغبات الجمهور الحمساوي الذي تقف اغلبيته على ارضية حركة الاخوان المسلمين المعادية لمحور المقاومة والتي تقاتله في سوريا واليمن.

في ذات الوقت وجدنا حركة الجهاد الاسلامي وعلى لسان امينها العام وقائدها زياد النخالة الذي تحدث بكل امانة وموضوعية عن دور محور المقاومة وحذر من الاستثمار الخاطئ على  سيف القدس والايحاء بان ما تم انجازه هو من طرف معين بذاته وانفراده بتحقيق تلك المكتسبات والقفز مباشرة الى الدعوة الى اعادة الاعمار بغض النظر عن هوية القائمين بها، ورشحت مصر للقيام بهذه المهمة.

ما زال في الساحة الفلسطينية من يجد ويجتهد دون كلل او ملل للابقاء على مقولة (( يا وحدنا)) حية وفاعلة، ويعمل جاهدا على التشكيك بوقوف محور المقاومة دولا واحزابا الى جانب فلسطين ومناضليها، لكي يستفرد الكيان وداعميه وقوى  الردة والتطبيع بالشعب  الفلسطيني لتبقيه مقطع الاوصال متعدد الهويات والولاء والانتماء بين طائفي ومذهبي ونرجسي محب للذات وشوفيني، ولا يجد امامه الا السلطة / الجيتو ملاذا. اننا امام مأزق الهوية والانتماء وعلى المتخصصين في علم الاجتماع ان يقدموا الحل الناجع لكي نبقى الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها كل مكائد الاعداء

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري