كتب الأستاذ حليم خاتون: سويسرا الشرق.. الكذبة الكبرى.
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: سويسرا الشرق.. الكذبة الكبرى.
حليم خاتون
20 نيسان 2022 , 17:39 م

بينما ينتشر الكذب في أوساط الانتيلبجتسيا الأوروبية، ويتردد صدى هذا الكذب في أوساط الكثير ممن يدعون الثقافة السياسية في الكثير من بلدان العالم الثالث حول ما يجري في أوكرانيا...

يخرج بعض المثقفين الأميركيين في قطار يسير عكس التيار ليعلنوا الأسباب الفعلية والحقائق المخفية خلف الستار حول هذه الحرب...

أنه النظام العالمي الذي كانت أميركا والغرب عموما، وبريطانيا وفرنسا تحديدا من أوروبا يسيطرون فيه على اكثر من ثلثي الاقتصاد العالمي ليس بقوة الاقتصاد الفعلي، بل بقوة نظام ريعي عالمي قادر على طباعة عملات تستند بشكل كبير على أسطورة الغرب الديموقراطي المتفوق كذبا ورياء...

الدولار واليورو ونظام سويفت يشكلون جدارا عالياً امام أي قوة صاعدة قد تحاول إيجاد مكان لها تحت شمس هذا النظام...

حتى الصين، رغم كل القوة الاقتصادية الكامنة والمستعدة للعمل من داخل هذا النظام، لم تستطع أن يشكل نظام السويفت الخاص بها اكثر من 3 إلى 5% من التحويلات في العالم، ولم يستطع اليوان ان يشكل عملة احتياط صعبة حتى لأعداء اميركا وأعداء هذا الغرب...

في نظر هؤلاء المثقفين الأميركيين... الحرب في أوكرانيا لها حل واحد لا بديل عنه...

تغيير النظام العالمي، وتخلي أميركا والغرب عن جزء مهم من الهيمنة لصالح القوى الصاعدة، بما في ذلك الصين والهند وروسيا... الخ...

ثم يأتينا في لبنان أناس من خلف نظارات لا تسمح بالرؤية... يحدثنا هؤلاء عن الزمن الجميل في لبنان، يوم كانت بيروت أحد اهم مراكز تلاقي أو تنافس ال KGB و ال CIA في إدارة هذا العالم...

لبنان هذا، في حقيقة الأمر، لم يكن أكثر من منطقة اتفقت الأطراف الدولية على أن يكون مركزا هادئا لفض نزاعتهم، وليس ساحة لتصفية هذه النزاعات...

كان لبنان، من حيث يدري أو لا يدري، ساحة هادئة طالما ان العلاقات الدولية، هادئة...

لكنه كان مهيئا للانفجار في حال اي اختلال في الموازين الدولية... وهذا ما كان... وهذا ما حصل بالفعل...

لم يكن هناك من ضرورة لثورة ملونة في هذا البلد...

طالما أن هذا البلد كان يلعب دور الماخور الذي تديره غانية تتحدث مع كل الأشقياء وتؤمن مصالح كل هؤلاء...

عندما تخرج پولا يعقوبيان أو اي من جماعة الاNGOs لتتحدث عن سلاح المقاومة ووجوب نزع هذا السلاح...

عندما يتستر بعض العونيين على ال OTV أو غيرها...

عندما تجهد الجديد للحديث عن السلاح الذي يمنع "الديمقراطية" ويؤثر على الانتخابات والحريات في لبنان...

يعرف المرء فورا أن حزب الله قد خرف تلك الصورة النمطية التي كان لبنان يتمتع بها تحت هيمنة غربية مطلقة...

هل يعني هذا أن حزب الله اليوم أو منظمة التحرير الفلسطينية سنة ٦٩ قد أخرجت لبنان من حالة الماخور الغربي في المنطقة، أم أن لبنان المحكوم بالجغرافيا الملاصقة لفلسطين، ولبنان غير القابل بانتهاك سيادته كما كان يحصل دوما منذ تأسيس الكيان على أرض فلسطين هو المسؤول عن نهاية ذلك الدور...؟

كل ما ذكر أعلاه صحيح وقد لعب دورا في نهاية أسطورة لبنان، سويسرا الشرق...

لكن العامل الأساسي لنهاية دور الكومبرادور في لبنان، كان في حقيقة الأمر مجموعة كبيرة من العوامل... منها ما هو خارجي ناتج عن تقلبات الوضع الدولي وتصميم الصهيونية العالمية على أن الأوان قد آن للتخلص من ذلك الصبي الذي لم يعد قادراً على تنفيذ المهام كما كان يفعل سابقآ..

أم هي أمور الداخل، حيث قرر فقراء الأطراف في الدولة اللبنانية أنهم لا يرضون بأن يستمروا في لعب دور الضحية دائما خاصة بعد أن عادوا يحملون ثروات جمعوها في بلاد الاغتراب...

لم يعد ابن الجنوب أو البقاع أو الشمال يقبل أن يكون مواطناً من الدرجة الثانية...

فجأة اكتشف ذلك اللبناني أن بلده يعوم على ثروات هائلة ليس النفط والغاز سوى الجزء اليسير منها...

وفقاً لأكثر من مركز دراسات، يقوم الصهاينة بسرقة أكثر من مليار متر مكعب من المياه العذبة الجوفية يومياً...

ليس من فراغ أن يخرج وليد جنبلاط أو فؤاد السنيورة رافضين أن تكون مزارع شبعا لبنانية...

ففي هذا التخلي يتلخص دور غانية الماخور...

ليس من فراغ أن يصب التقدمي الاشتراكي والقوات ومنظمات ما يسمى المجتمع الأهلي كل غضبهم على سلاح المقاومة...

كل هذه الأمور تهدف إلى أمر واحد فقط:

الحفاظ على دور صبي النظام العالمي، والحفاظ تاليا على صورة سويسرا الشرق في لبنان...

هل يمكن التصديق إن لبنان وصل إلى ما وصلت إليه الأمور تلقائيا وبفعل كل هذه التحولات في النظام العالمي...؟

أم أن نظرية المؤامرة لعبت هي أيضاً الدور المنوط بها منذ احداث نيسان ٦٩، مرورا بالحرب الاهلية، ووصولا إلى الانهيار الكبير...؟

تحليل كل ما جرى يستدعي فعلا فك شفرة هذا النظام العالمي...

لكن، مهما كانت نتائج هذا التحليل، لا بد من الإقرار أننا وصلنا الى حائط مسدود:

إما البقاء ملهى ليليا وبيع فتياتنا في سوق دعارة... والتمتع ببقاء لبنان سويسرا الشرق...

وإما الانتفاض على كل الواقع وفرض إقامة الدولة القوية العادلة...

هل سوف ننجح في هذا الأمر...؟

يكفي استعراض عام لكل اللوائح الانتخابية حتى نصل إلى استنتاج لا بد منه...

أمامنا سنوات عجاف طويلة جدا

وناتجة عن عدم وجود أي قوة تغيير حقيقية...

يكفي هنا ما يتفوه به كل المرشحون والذين تبلغ أقصى أمانيهم العودة إلى كذبة سويسرا الشرق التي لم يعد لوجودها أي مبرر...

لم يعد أحد، لا غربا ولا شرقا، يتجرأ على الخطوة القادمة اللازمة...

بناء الدولة القوية العادلة لم يعد أكثر من شعار طرح في لحظة شعور يتيم بعزة يتيمة ما لبثت أن أطاحت بها الوقائع على الأرض...

يقف اللبناني اليوم أمام حقيقة الأعمى والأعور....

يقف فقراء لبنان وليس بولا يعقوبيان وحدها أمام ذلك المثل اللبناني:

" قلو، شو صبّرك على المر...

قلو، الامَرّ منه..."

بالنسبة لعبد فقيرا لا فرق مطلقا بين پولا يعقوبيان والكثيرين ممن يتشدق بالحديث عن مصالح الناس...

بالنسبة إلى ابن عيتا الشعب، ليس نديم الجميل هو المنقذ المخلص...

لو شاءت الأقدار أن تسير السفن بما تشتهي الرياح الجميلة لتم رمي كل تلك اللوائح في مزبلة التاريخ... ببساطة لأن الجاهل لا يقل سوءا عن اللص السارق...

وببساطة اكثر، لأن العاجز أيضا لا يقل سوءا عن المرتكب عن سابق إصرار وتصميم...

قد يسالني البعض...

من سوف تنتخب...؟

جوابي اليوم، وفي هذه اللحصظة، هو تمني أن امتلك كمية تكفي من الرصاص ليعبر عن غضبي بإرسال كل هؤلاء إلى العالم الاخر لعل الله يمن علينا بمن لا يشل قدراتنا بعجزه وجهله وقلة حيلته أمام احفاد الجاهلية الأولى ومن رضي بالتعامل مع يزيد العصر الحديث...

حليم خاتون