بقلم/د. محمد سيد أحمد,
ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن أدعياء الناصرية, فقد تحدثت كثيراً في هذا الموضوع وكتبت العديد من المقالات في هذا الشأن, حيث ينشط هؤلاء الأدعياء في المناسبات الناصرية المختلفة ويعتقدون أن الذهاب لضريح الزعيم جمال عبد الناصر هو من يمنحهم صك الانتماء للناصرية, وفي الضريح تشهد مهازل حيث يتسابق الجميع ليقف تحت صورة الزعيم في مدخل الاستراحة الملحقة ليلتقطون الصور التذكارية, ثم يقومون بنشرها على صفحات التواصل الاجتماعي ليعلنوا عن ناصريتهم.
وخلال هذا الأسبوع صدر عن أحد المدعين المتمسحين بالناصرية والذي تجاوز عمره الثمانون عاما ويترأس أحد الكيانات الناصرية الهزيلة والهزلية في مصر, والذي وصل لموقعه هذا عبر عملية تزوير فاضحة يندى لها الجبين, حيث قام المدعو الثمانيني بإيهام بعض المدعين أمثاله أنه مكلف من جهات عليا بتشكيل الكيان الهزلي وبأي شكل وبالمخالفة لكل القواعد اللائحية والقانونية للكيان, بيان يدين فيه التصعيد المتكرر التي تنتهجه سلطات الاحتلال الصهيوني للمسجد الأقصى والاعتداء على المرابطين من أبناء شعبنا العربي الفلسطيني, لكن للأسف الشديد جاء البيان متضمناً لفقرة كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى, حيث وصفه أحد الناصريين الحقيقيين بأنه بيان العار والردة والخيانة والتصهين.
وقد جاءت الفقرة مؤكدة على ضرورة التسوية مع العدو الصهيوني على النحو التالي " كما طالب - المدعو- بضرورة الإسراع بالتسوية السلمية للقضية من قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس, داعياً مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بتفعيل القرارات الدولية الصادرة بهذا الشأن خاصة القرارين (242) و (338), كذلك الاضطلاع بدورهما الحقيقي وفرض العقوبات القاسية على الاحتلال الإسرائيلي وتوفير الحماية اللازمة للأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني".
ومن الواضح أن المدعو الثمانيني لا يدرك معني ما كتب له فهو أولاً لا يدرك معنى كلمة التسوية السلمية مع العدو الصهيوني فالتسوية في حد ذاتها اعتراف بالعدو, وثانياً وحتما فالرجل لا يعرف شيء عن القرارات الدولية المزعومة الصادرة لصالح العدو الصهيوني من مجلس الأمن خاصة القرار (242) الصادر في 22 نوفمبر 1967, والقرار (338) الصادر في 22 أكتوبر 1973 وهذان القراران يدعوان لوقف إطلاق النار وإنهاء حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة, وبالطبع هذه القرارات تطالب بحل الدولتين أى أنها تمنح العدو الصهيوني المغتصب حق إقامة دولة على الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة, وثالثاً فالرجل لا يدرك ولا يعلم شيء عن موقف الزعيم جمال عبد الناصر من العدو الصهيوني حيث اعتبر الزعيم الصراع مع هذا العدو صراع وجود وليس حدود, وأكد في قمة الخرطوم في 29 أغسطس 1967 أنه لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض, ثم أكد على أن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة, هذا هو الموقف الناصري من العدو الصهيوني, وأى انحراف عنه يعد خروجاً عن الناصرية.
وهذه الصورة المزرية جعلتني أعيد السؤال هل هؤلاء ناصريون حقاً ؟! وفي محاولة الإجابة على هذا السؤال كان لابد من فض الاشتباك حول ماهية الناصرية والناصريين, وفى البداية لابد من التأكيد على أن الناصرية هى تلك التجربة التي صنعها الزعيم جمال عبد الناصر عبر ثورة 23 يوليو 1952 والتي أعلنت ستة مبادئ أساسية شكلت البذور الجنينية للمشروع الفكري لجمال عبد الناصر وهى: ( القضاء على الاقطاع - القضاء على الاستعمار - القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم - إقامة جيش وطنى قوى - إقامة عدالة اجتماعية - إقامة حياة ديمقراطية سليمة ).
وبالطبع قام جمال عبد الناصر ببلورة مشروعه عبر ثلاثة محاور رئيسية لتحقيق التقدم والتنمية الشاملة, من خلال الحرية والاشتراكية والوحدة باعتبارها مرتكزات رئيسية للنهضة, ومن خلال المبادئ الستة للثورة والمحاور الثلاثة للتقدم والتنمية الشاملة تشكلت المعالم الرئيسية للتجربة الناصرية التي أعلن جمال عبد الناصر أنها خاضعة للتجربة والخطأ عبر الممارسات الواقعية اليومية, وهو ما يميز تجربة جمال عبد الناصر عن التجارب المستمدة من النظريات الفكرية الغربية التي يتعامل أنصارها على أنها مسلمات في قوالب جامدة, لذلك ظل يصحح من أخطاء تجربته حتى اليوم الأخير في حياته.
إذن يمكننا الآن تعريف من هم الناصريون ؟ فالشخص الذي يدعي أنه ناصري لابد أن يكون على وعي تام بمبادئ جمال عبد الناصر ولا يخرج عن هذه المبادئ التي أرساها عبر مشروعه وتجربته, فالناصري ضد الاقطاع وسيطرته بكافة أشكاله القديمة والحديثة, والناصري ضد الاستعمار بكل أشكاله القديمة والحديثة, والناصري ضد سيطرة رأس المال على الحكم بمختلف أشكالها القديمة والحديثة, والناصري مع جيشه الوطني يدعمه ويقويه في مواجهة أعداء الداخل والخارج, والناصري مع العدالة الاجتماعية منحازاً للفقراء والكادحين والمهمشين في كل مكان كما كان زعيمه, والناصري مع الحياة الديمقراطية السليمة القائمة على تمكين المواطنين جميعا من مباشرة حقوقهم الدستورية والعيش بكرامة في وطنهم, والناصري مع حرية الإنسان داخل مجتمعه وفقا للدستور والقانون وضد أى فعل يمس هذه الحقوق والحريات, والناصري مع الاشتراكية باعتبارها آلية لمنع الاستغلال داخل المجتمع ووسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية, والناصري مع الوحدة العربية باعتبارها آلية لمواجهة التكتلات الاقليمية والدولية الكبرى.
هذا هو التعريف العلمي للناصري, فلا يمكن أن يكون ناصري من يخرج عن هذه المبادئ التي حددها مشروع وتجربة جمال عبد الناصر, أما الذهاب للضريح في المناسبات الناصرية والتقاط الصور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي فلا تمنح صك الناصرية, فغالبية من يزاحمون لالتقاط مثل هذه الصور في المناسبات المختلفة لا يمتون للناصرية بصلة, بل هم جزء من المؤامرة على المشروع الناصري, وهو ما أظهره البيان الكارثي للمدعو الثمانيني, اللهم بلغت اللهم فاشهد.