بقلم/د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن المشروع الاستعماري الغربي ضد الأمة العربية فهو مشروع قديم ومعلن, وعلى الرغم من ذلك يتعامل معه العرب باستهتار شديد وكأنه ليس موجودا, وبعيدا عن الرجعية العربية الخائنة والعميلة والتي تعاونت مع المشروع الاستعماري الغربي وأدت أدوارا وظيفية في خدمته, من أجل مساعداتها على البقاء في سدة الحكم, فإن باقي الدول العربية الخارجة عن محور الرجعية العربية قد تعاملت مع المشروع بتهاون وتجاهلت وجود هذا المشروع من الأصل, لذلك لم تسعى لمحاولة إجهاضه, وهو ما أدى إلى نجاح المشروع في تحقيق أهدافه المعلنة على مدار ما يزيد عن قرن من الزمان.
وبدأت معالم المشروع المعلنة في الظهور في مطلع القرن العشرين عندما ظهر التقرير النهائي لمؤتمرات الدول الاستعمارية الغربية الكبرى في عام 1907, والذي قرر أن منطقة شمال أفريقيا وشرق البحر الأبيض المتوسط هى الوريث المحتمل للحضارة الغربية الحديثة, لكن هذه المنطقة تتسم بالعداء للحضارة الغربية, لذلك يجب العمل على تقسيمها, وعدم نقل التكنولوجيا الحديثة إليها, وإثارة العداوة بين طوائفها, وزرع جسم غريب عنها يفصل بين شرق البحر الأبيض المتوسط والشمال الإفريقي, هذه هى الأهداف الكبرى المعلنة للمشروع الاستعماري الغربي ضد أمتنا العربية, فماذا فعل المشروع لتحقيق أهدافه ؟ وماذا فعل العرب لإجهاض مشروع المؤامرة عليهم منذ ذلك التاريخ ؟
وللإجابة على السؤال الأول يمكننا القول أن المشروع الاستعماري الغربي قد نجح في تحقيق أهدافه المعلنة بشكل تدريجى منذ ذلك التاريخ فبالنسبة للهدف الأول المتعلق بعملية التقسيم فقد نجح عبر اتفاقية " سايكس – بيكو " 1916 بتقسيم الأراضي العربية في المنطقة الواقعة بين شرق البحر الأبيض المتوسط والشمال الإفريقي كما جاء في التقرير. وبالنسبة للهدف الثاني للمشروع والمتمثل في عدم نقل التكنولوجيا الحديثة لمجتمعاتنا العربية فقد نجح المشروع قديما وحديثا في حرمان مجتمعاتنا العربية من التكنولوجيا الحديثة وتمكن من تحويلنا لمجتمعات مستهلكة للتكنولوجيا. وفيما يتعلق بالهدف الثالث للمشروع والمتمثل في إثارة العداوة بين طوائفها فقد نجح المشروع قديما في ذلك لكنه لم يكن بالشكل الواضح الذي يتم تنفيذه الآن فعملية التقسيم والتفتيت على الأسس الطائفية والمذهبية والعرقية قد أصبحت معلنة خاصة في الدول التي تتميز تاريخيا بهذا التنوع الطائفي والمذهبي والعرقي. أما الهدف الرابع للمشروع والمتمثل في زرع جسم غريب عنها يفصل بين شرق البحر الأبيض المتوسط والشمال الإفريقي فقد نجح المشروع قديما وعبر وعد بلفور عام 1917 في منح اليهود إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين, تحول إلى – دولة مزعومة معلنة – عام 1948 ومازالت قائمة وتتمدد حتى اليوم.
وبالطبع لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية من بين القوى الاستعمارية الغربية الكبرى عندما انطلق المشروع في مطلع القرن العشرين, لكنها جاءت بعد الحرب العالمية الثانية, وتمكنت مع مطلع التسعينيات من القرن العشرين من الإنفراد الكامل بالساحة الدولية, ومع مطلع الألفية الجديدة سعت لاستكمال المشروع بثوب جديد عرف بمشروع " الشرق الأوسط الجديد " والذي يسعى لتقسيم الوطن العربي مجدداً ويعتمد في ذلك على إشعال النيران داخل مجتمعاتنا العربية فكلما هدأت وخفتت في مكان عاود الأمريكى لإشعالها من جديد, ليظل مستفيدا على عدة مستويات لعل أقلها هو نهر الأموال المتدفقة على خزانته مرة بفعل التبعية الاقتصادية, ومرة ثانية بفعل شراء السلاح, ومرة ثالثة بفعل الحماية الوهمية من أعداء وهميين صنعهم لنا على أعينه ليبتزنا لنقدم له ثروات أوطاننا طواعية.
وفيما يتعلق بالإجابة على السؤال الثاني ماذا فعل العرب لإجهاض أهداف المشروع الاستعماري الغربي ؟ فالإجابة القاطعة تقول أننا فشلنا في المواجهة بل تعاملنا مع المشروع بتهاون شديد, ونجح العدو الغربي قديما وحديثا في تجنيد الرجعية العربية لتكون أدوات وظيفية يتم بها تنفيذ أهدافه, ووقفت باقي الدول العربية متفرجة وكأنها غير معنية بالاستهداف. لكن رغم ذلك كان هناك دائما أمل في بعض القوى العربية الواعية بأبعاد المشروع الاستعماري الغربي وأهدافه التآمرية والتي سعت دائما إلى مواجهة التقسيم بالوحدة, ومواجهة عدم وصول التكنولوجيا الحديثة بالاعتماد على النفس عبر مشروع تنموي مستقل, ومواجهة إثارة العدواة بين الطوائف بزيادة اللحمة بين المكونات الطائفية والمذهبية والعرقية, ومواجهة الجسم الغريب المزروع بالتصدي لهذا العدو الصهيوني والسعي لاقتلاعه, إنه مشروع المقاومة يا سادة, لذلك لابد أن تعي شعوبنا العربية حقيقة المؤامرة الأمريكية ويجب أن لا يتم استخدامهم كوقود لإشعال النيران داخل مجتمعاتهم, وأن يتم الاصطفاف خلف المقاومة وتوسيع دائرتها, اللهم بلغت اللهم فاشهد.