عدنان علامه / عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين.
لفتتني صياغة البيان الصحفي لوزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 15 حزيران/يونيو 2022، حيث أسهب وزير الخارجية أنتوني ج. بلينكن في شرح أسباب دعم أمريكا وأكثر من 40 دولة شريكة وحليفة لأوكرانيا.
وقد اقتطفت من البيان فقرة محددة متعلقة بمشروعية "المقاومة الأوكرانية" حسب الفكر "الثوري" الأمريكي تجاه أوكرانيا. وحين تقرأ البيان وما یتضمنه من عبارات لرفع المعنويات وشحذ الهمم والبطولات الأمريكية والأوكرانية المنجزة؛ تخال أن كاتبه مفكر وقائد ثوري يساري وليس وزير الخارجية الأمريكية:- " لا تنفك المساعدات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر من 40 حليف من الحلفاء والشركاء تعزز موقف أوكرانيا للدفاع عن استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها وتحقيق الانتصارات في ساحة المعركة وتعزيز موقف أوكرانيا على طاولة المفاوضات في نهاية المطاف. لقد فرضنا عقوبات شديدة على روسيا، وعززنا قدرة الردع التي يتمتع بها حلف شمال الأطلسي (الناتو) وقدرته الدفاعية عند الجناح الشرقي، وقدمنا مستويات تاريخية من المساعدات العسكرية وغيرها لأوكرانيا لأنها دافعت ببسالة عن أراضيها وحريتها".
إن إستنفار أمريكا العام وغير العادي بعد مباشرة روسيا بالعملية المحدودة هو رد إستباقي وإعلان الحرب على روسيا بوضع اوكرانيا في الواجهة حتى لا ينكشف الدور الخبيث لأمريكا في نشر الأوبئة البيولوجية في روسيا والصين وايران وكافة الدول التي تناهض أمريكا. فقد تيقنت القيادة العسكرية في روسيا بأن أمريكا والناتو يتخذون من أوكرانيا ستارًا للوصول إلى اقرب نقطة من الحدود الروسية. وقد أكدت معلومات إستخبارية دقيقة تمويل أمريكا لمختبرات بيولوجية سرية في َعظم دول العالم وفي اوكرانيا تحديدَا. وباتت مسألة إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لمختبرات بيولوجية خارج حدودها مسألة مؤكدة، ونقلاً عن بيانات وزارة الخارجية الصينية، قال إيغور كيريلوف، قائد قوات الحماية الإشعاعية والكيماوية والبيولوجية التابعة للقوات المسلحة الروسية، إن البنتاغون يشرف على 336 مختبرًا في 30 منطقة خارج البلاد.
وفي العودة إلى بيان وزارة الخارجية الأمريكية؛ آمل التركيز جيدًا على التالي : "المساعدات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر من 40 حليف من الحلفاء والشركاء تعزز موقف أوكرانيا للدفاع عن استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها. وقدمنا مستويات تاريخية من المساعدات العسكرية وغيرها لأوكرانيا لأنها دافعت ببسالة عن أراضيها وحريتها".
فأمريكا أجبرت 40 دولة على دعم أوكرانيا للدفاع عن استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها؛ ولأنها دافعت ببسالة عن اراضيها وحريتها.
فهل يمكننا تطبيق هذا المعيار الجديد لأمريكا وأتباعها بدعم حركة المقاومة في أوكرانيا على مناطق أخرى ليكون عندنا وحدة معيار في التعامل مع حركات المقاومة غير الاوروبية. أم الآخرين ليسوا من جنس المقاومين أو البشر؟
فلنأخذ سويًا جولة قصيرة في التاريخ المعاصر لنتعرف على حركات المقاومة وتآمر أمريكا وأتباعها ال 40 والمجتمع الاممي عليها بينما في نفس الوقت تُنشئ الحركات الإرهابية وتدعمها وتعتبرها حركات جهادية لتحارب البلاد التي لا تخضع لها.
1- حركات المقاومة الفلسطينية: إن القرارات الدولية اعترفت بالكيان المؤقت الذي اغتصب فلسطين بعد التآمر البريطاني الذي أعطى مما لا يملك لمن لا يستحق الأرض الفلسطينية والتواطؤ الدولي الذي شرّع هذا الإحتلال. فكان من الطبيعي ان يطالب الشعب الفلسطيني بحقوقه وتنشأ مجموعات وتنظيمات المقاومة الفلسطينية التي اعتبرتها أمريكا ومن يدور في فلكها هذه حركات ومنظمات إرهابية. وبالرغم من إعتبار القدس الشريف مدينة محتلة والقوانين الدولية والأممية تعترف بذلك؛ إلا ان الإدارة الأمريكية تضرب بعرض الحائط هذه القرارات الأممية والدولية؛ فقرر ترامب إعتبار القدس عاصمة للكيان المؤقت ونقل سفارة بلاده إلى القدس. وتدعم الإدارة الأمريكية الكيان الغاصب دعمًا عسكريًا وسياسيًا غير محدود وتستعمل حق الفيتو في مجلس الامن لمنع اي إدانة لهذا العدو.
2- حركات المقاومة اللبنانية:- نشأت حركة المقاومة اللبنانية كنتيجة طبيعية للعدوان الصهيوني على لبنان وممارساته. فالعدو الصهيوني إرتكب جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية حين هاجمت مجموعة إرهابية من جيش العدو من وحدة سييرت متكال بقيادة رفائيل إيتان مساء 28 كانون الأول / ديسمبر 1968، هدفَا مدنيًا إستراتيجيًا في ضاحية العاصمة بيروت، فدمرت حوالي 13 طائرة ركاب وطائرة شحن واحدة، وجميعها تتبع لشركة طيران الشرق الأوسط (MEA) دون اية إدانة من المجتمع الدولي. وهذا ما شجع العدو على التمادي في عدوانه. واجتاح العدو لبنان في العام 1982 حتى وصل إلى العاصمة بيروت، وحصلت أول مواجهة مباشرة مع العدو في مثلث خلدة مع مجموعات المقاومة من مختلف الفصائل، وكانت بداية إنطلاقة حزب الله وقد جرح يومها القائد الشهيد السيد ذو الفقار. وقد أعلن حزب الله أمس عن بدء إحتفاليات ال 40 ربيعًا بذكرى إنطلاقته وستستمر شهرين كاملين.
وقد صنفت أمريكا حزب الله بشقيه العسكري والسياسي وعدة حركات ومنظمات مقاومة اخرى بالحركات الإرهابية فقط لأنها تقوم بواجبها الشرعي والوطني والإنساني لتحرير الأرض من رجس الإحتلال. وبفضل الله وسواعد المجاهدين أجبرت المقاومة الإسلامية العدو المتغطرس على الإنسحاب الذليل عام 2000 دون اي قيد او شرط. وحاول قادة العدو الصهيوني في تموز 2006 إعادة الإعتبار للمعنويات المنهارة فتحطمت مجددًا تحت أقدام المجاهدين. وكانت لنتيجة لجنة فينوغراد وقع الصاعقة على قادة العدو والمستوطنين: "لقد هزمنا حزب الله". وبات حزب الله بفضل الله وجمهورية إيران الإسلامية وقيادته الحكيمة وإرادة المجاهدين يشكل تهديدًا وجوديَا للكيان المؤقت بالرغم عن أمريكا وأتباعها ال 40 والدعم السياسي والعسكري اللا محدود لهذا الكيان المؤقت.
3-صمود سوريا أمام المحاولات الدولية لإسقاط سلطة الرئيس بشار الأسد.
استقدمت أمريكا كل مجرمي وإرهابيي الحركات التكفيرية من دول العالم لخوض "حرب مقدسة" في سوريا؛ ففتحت أوروبا حدودها للتخلص من الإرهابيين؛، فاحتضنتهم تركيا وفتحت حدودها وأقامت مراكز تدريب لهم، وقدمت أمريكا كل الدعم العسكري والمخابراتي للإرهابيين؛ وارادت امريكا ان تقسم سوريا، فأنشأت ميليشيا قسد ودربتها وسلحتها وانشأت قاعدة التنف لإدارة عمليات الإرهابيين من داعش وأخواتها بين البادية السورية والعراق. وكان عين امريكا على النفط السوري ؛ وقالها ترامب صراحة بأنه سيرسل شركات حفر البترول الأمريكية لإستخراج النفط السوري وبيعه. وبفضل الله وعونه ومساعدة روسيا والجمهورية الإسلامية تمكن ابطال الجيش السوري ومجاهدي حزب الله من تحرير معظم الأراضي السورية وشكل ما تبقى من الإرهابيين الأجانب مشكلة كبيرة لأمريكا بعد ان رفضت دولهم إستقبالهم. فتم الإعلان عن سجنهم تحت أمرة قسد لتستغلهم أمريكا في الهجمات الإرهابية في سوريا والعراق. ولما فشل التقسيم أوعزت امريكا إلى الكيان الغاصب باستهداف المرافئ ومطار دمشق الدولي كما اوعزت للسلطان أردوغان بإحتلال 30 كلم على طول الحدود المشتركة لفرض تغيير ديموغرافي على الحدود وسط صمت تام لمجلس الأمن والأمم المتحدة وطبعًا ستصمت ال 40 دولة الأوروبية التابعة لأمريكا.
4- المقاومة الأسطورية لأنصار الله واللجان الشعبية وصمود الشعب اليمني.
شنت دول تحالف العدوان هجومًا كونيَا وحشيًا غادرًا على اليمن، وتم فيه أرتكاب مئات جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وتدمير البنى التحتية في محاولة لإذلال الشعب اليمني ونهب ثرواته وتأمين طرق الملاحة للعدو الصهيوني من إيلات إلى خليج عدن. واذا دققنا في التدمير المنهجي للبنى التحتية والمجازر مرحبا وجرائم الحرب؛ نستنتج بأنها من تخطيط صهيوني ولا استبعد مشاركته في التنفيذ.
وكالعادة حين تفشل أمريكا وحلفائها في تنفيذ مخططاتها تلجأ إلى العقوبات واتهام حركات المقاومة بالإرهاب؛ وذلك لإبتزازها للحصول على تنازلات سياسية. فقد سجل الشعب اليمني صمودًا إسطوريًا في وجه اعتى قوة عسكرية في العالم، واستطاع بقدرته الذاتية المتواضعة وبرغم الحصار غير الشرعي وغير الإنساني والقانوي ان يذل أمريكا وينتصر على احدث الرادارات ومنظومات الباتريوت التي فشلت في التصدي لصواريخ أنصار الله ومسيراته المحلية الصنع. وفي المقابل نجح علماء ومهندسي الدفاع الجوي في اليمن تطوير أنظمة الدفاع الجوي التي نجحت في إسقاط العديد من مسيرات تحالف العدوان المستوردة والحديثة جدًا وفي مختلف الأوقات والظروف.
وفي النتيجة فإن أمريكا وحلفائها يطلقون صفات المقاومة والإرهاب بما يتفق مع مصالحهم. فكتيبة آزوف العنصرية اليمينية المتطرفة من النازيين الجدد انتقلت بين ليلة وضحاها من حركة عنصرية إلى حركة مقاومة. بينما المقاومون الحقيقيون الذين لا يخضعون للقرار الأمريكي فإنهم يصنفون كإرهابيين. وإذا دققنا جيدًا بما يحصل في لبنان سوريا واليمن نجد ان القاسم المشترك بينهم هو الثروات النفطية الموعودة في لبنان وسوريا واليمن. ويبدو ان العدو الصهيوني قد اخذ الضوء الأخضر لإستهداف المطارات والموانئ السورية واللبنانية كجزء من مخطط خطير لشرق أوسط جديد بعد ضمان التطبيع الخليجي وخاصة السعودية التي ستطبع قريبًا جدًا، وستكون مدينة نيوم دولة لها نظامها الخاص داخل المملكة السعودية حيث سيتم استقبال الصهاينة في الفنادق وبدون اية ضوابط. وإن مسارعة السلطان أردوغان إلى تنفيذ مشروع التغيير الديموغرافي في الشريط المنوي إقامته داخل الاراضي السورية هو خطوة إضافية لذلك المشروع . وأما في لبنان وللاسف فإن الإدارة الأمريكية تنفذ حاليًا ما وعدنا به بومبيو وفيلتمان "إما الفقر الدائم أو الإزدهار المحتمل إذا لم يذعن لبنان للشروط الأمريكية. فأمريكا وعبيدها في الداخل ينفذون حربًا إقتصادية جائرة وقاسية جدَا على الشعب اللبناني، وكل يوم يخترعون لعبة جديدة. فمن تذبذب سعر الدولار إلى عدم توفر الطحين ورفع سعر الخبز وتكلفة التخابر وخدمات الإنترنت إلى دولرة سعر المازوت وسيلحقه دولرة سعر البنزين بعد ان تخطى سعر "التنكة" إل 700.000 ليرة وذلك لدفع الشعب الى الثورة والفوضى وخضوع السلطة السياسية للشروط الصهيونية في ترسيم الحدود البحرية للإستيلاء على كنز لبنان من النفط.
ومن ناحية ثانية فإن من كتب بيان وزير الخارجية بارع في إستعمال المصطلحات وفي الحرب النفسية. فتعمده على إستعمال 40 دولة هو اختيار خبير لبث الذعر والرعب في قلوب البلدان الاخرى المستهدفة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكثرة لا تؤدي إلى الغلبة؛ والشواهد كثيرة في دول محور المقاومة. فالبرغم من العدوان الكوني على سوريا ولبنان واليمن فإن الأيام اثبتت فشل العدوان َوانتصار الحق على الباطل.
إن أمريكا واتباعها ينفذون سياسة حافة الهاوية مع محور المقاومة ولكن من يضمن عدم إنزلاق الأمور إلى ما لا يحمد عقباه؟
حاولت أمريكا وأتباعها منذ اليوم الأول للمواجهة مع روسيا التفتيش عن مصدر بديل للغاز والبترول الروسي، فقصدت إيران وفنزويلا وسيزور بايدن قريبًا السعودية، وأما اوروبا فقد عقدت إتفاقًا مع وزيرة الطاقة في الكيان المحتل لتزويد اوروبا بالغاز عبر مصر، وهنا بيت القصيد. فالغاز المتوقع تصديره سيكون من حقل كاريش النفطي؛ واستخراجه يحتاج إلى هدوء في المنطقة وليس لوضعها على فوهة بركان، إلا إذا كانت أمريكا ستطبق نظرية الفوضى "الخلّاقة" التي تؤمن بها لخلق شرق أوسط جديد. ولكن لن تجري الرياح بما يشتهيه بايدن وال 40…….
وإن غدًا لناظره قريب
18 حزيران/ يونيو 2022