لبنان الغارق في الإنهيار، غارق أكثر في جدل بيزنطي حول الثروة النفطية والغازية وحدود الخطوط بين الواحد من جهة، وبين ال ٢٣ وال ٢٩...
بينما يتلهى شعب لبنان العظيم بالتفتيش عن جنس الملائكة، تقوم الإمبريالية بوضع اليد على مستقبل البلد بعد أن صادرت حاضره...
نظرة سريعة إلى شبكة جورج سوروس وأمثاله المنتشرين ليس فقط في المجتمع المدني، بل حتى داخل أحزاب النظام والمعارضة المفترضة على حد سواء؛ نظرة واحدة شمولية تكفي كي يرى المرء المستقبل الاسود الذي يسير إليه لبنان في غفلة من شعبه النائم إما على حرير الغاز الموعود، أو على حرير المقاومة الساهرة التي غفا ممثلوها داخل السلطة أكثر من مرة عن ثعالب الغرب التي لا تنام...
في التسعينيات من القرن الماضي، تم التشهير بإحدى ملكات جمال لبنان، على تفاهة اللقب، وتفاهة ثقافة هذا اللقب؛ تم التشهير بهذه الملكة الساذجة لظهورها في صورة مشتركة مع ملكة جمال دولة الكيان الغاصب..
اليوم، وأمس، وقبل الأمس، انتهكت طبقة النظام في لبنان كل الأعراف حول كيفية التعامل مع دولة هذا الكيان الغاصب...
بعد أن وصل بشير الجميل إلى الرئاسة على صهوة دبابة إسرائيلية، خلفه أخوه امين الذي كان اجتمع أكثر من مرة ومع أكثر من ممثل لسلطة هذا الكيان...
في نفس تلك الفترة تقريبا، اجتمع النائب "التقدمي الإشتراكي" أكرم شهيب مع أحد قادة غزو لبنان سنة ٨٢، من أجل تنسيق لقاء بين "الاشتراكي اللبناني" وليد جنبلاط، و"الاشتراكي الصهيوني" شيمون بيريز الذي دخل إلى قصر المختارة ضيفا... ولم يخرج منه ابدا...
حصل الاتفاق الثلاثي، وصار إيلي حبيقة حليفا لسوريا رغم صبرا وشاتيلا...
لم يقم أحد في لبنان بمحاسبة حبيقة على جرائمه...
لكن دولة الاحتلال اغتالت حليفها السابق حبيقة بعد أن ضمنت تحالفا أكثر رسوخا مع خصمه اللدود سمير جعجع...
حملات التشهير الإعلامي والتخوين اللذان لاحقا ملكة جمال ساذجة وأكثر تفاهة من منصبها، لم يتفوه بكلمة واحدة ضد رموز العمالة من رؤساء ووزراء ونواب وأحزاب وتنظيمات بمن يمثلون وما يمثلون...
هذا هو لبنان...
فاجأني اليوم أحد المحللين المحسوبين على المقاومة بالقول إن لبنان لا يستطيع أن يفرض على الولايات المتحدة الأميركية إسم الوسيط الذي تعينه من أجل ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة...
تسمية الوسيط هو موقف "سيادي" أميركي...
عذر اقبح من ذنب...
في موقف كهذا لا تحضرني سوى صورة غاضبة للشيخ راغب حرب صاحب الشعار الخالد، الموقف سلاح...
في الوقت نفسه الذي يزدري فيه المرء كل تلك الحملات المدفوعة الثمن أو المشبوهة أو حتى الساذجة التي تتبلى على المقاومة حتى لو نطق بها من يحمل صفة دكتور في التاريخ أو الاقتصاد أو غيرها؛ إلا أن المرء لا يستطيع ألا توجيه اقسى النقد إلى هذه المقاومة على اكثر من تقصير أو تشوه ظهر خلال جلوس ممثلين غير أكفاء لهذه المقاومة في مراكز داخل هذا النظام اللبناني العفن...
هل فقدنا الثقة بالمقاومة؟
قطعا لا...
لكن المرء يرى أن عدم وضوح وصراحة المقاومة مع جمهورها، يضعف الروح المعنوية والثورية في المواجهة الآتية لا محالة...
ما تقوله المقاومة في الغرف المغلقة هو الذي ينشر بعض الطمأنينة في النفوس بأن هذه المقاومة لم تشخ بعد؛
لم تنتشر فيها البيروقراطية ولا انتهازية الوصوليين كما ادعى الدكتور خليفة على قناة طحنون بن زايد...
لا تزال القيادات الأساسية في المقاومة على نقائها الثوري حتى اليوم...
لكن كلام الغرف المغلقة يجب أن يخرج إلى العلن حتى لا تكون هذه الغرف مقبرة العنفوان الثوري...
هل هناك خوف على هذا العنفوان، وعلى التوجه الثوري للمقاومة؟
أجل، هناك خوف كبير...
خوف من بعض قيادات الصف الثاني وحتى بعض الصف الاول ممن صارت وجوههم تشبه وجوه بعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية التي أوصلتنا إلى أوسلو...
بعض تلك الوجوه لا يختلف عن وجوه بعض قيادات الفساد في حركة أمل أو حتى المستقبل أو الاشتراكي...
يسأل المرء نفسه إذا كانت دوائر الدراسات في المقاومة تقرا ما يقرأه المرء عن تغلغل جماعات اميركا داخل السلطة في لبنان...
يتساءل المرء كيف تستطيع قيادات المقاومة النوم وهي تسمع محمد نجيب ميقاتي يقول علنا وبأعلى الصوت أنه يستعين بالدكتور عامر البساط من أجل خطة التعافي الاقتصادي وهذا الشخص هو المخطط الأساسي الذي وضع كل ثروة لبنان في الحاضر والمستقبل، رهينة في أيدي شركة بلاك روك الأميركية...
لاءات الخرطوم الثلاث التي كتبها جمال عبد الناصر رغم هزيمة حزيران ٦٧، إسقطتها أنظمة التطبيع والذل العربي والفلسطيني...
هل وصلت المقاومة إلى هذا الدرك؟
لا يريد المرء أن يصدق أن المقاومة الإسلامية في لبنان تخلت عن شعار الموقف سلاح وقبلت بالتفاوض غير المباشر مع العدو عبر النظام اللبناني...
كيف يمكن تفسير القبول بهذا الوسيط الأميركي القذر...؟
حتى لو قبل المرء بوجوب التفاوض مع الأميركي القذر نفسه، تماما كما فاوضت الثورة الفيتنامية دولة الاحتلال الامريكي...
لكن أن يقبل المرء مفاوضة ضابط صهيوني بحجة أنه يحمل الجنسية الأميركية أو أنه معين من قبل الرئيس أو الإدارة الأميركية... هذا كثير...
هذا ليس كثير فحسب...
هذا بداية انهيار جبل العز الذي كان يتحدى يوما أساطيل أميركا إن هي تجرأت وأتت إلى شواطئ لبنان...
تتحدث المقاومة دوما عن بنية المجتمع اللبناني المعقد طائفيا ومناطقيا وعشائريا...
يصل تساؤل المرء حتى إلى مدى تكون وعي وطني لبناني وإذا ما كان هذا الوطن قد اكتمل تكوينه أو هو لا يزال في طور التكوين...
كما أن هنالك في القوات اللبنانية من هم أكثر صهيونية من الصهاينة، وكما أن هناك في التقدمي الاشتراكي من هم أكثر عمالة وانعزالية في قوقعة مذهبية مقيتة، كذلك داخل المقاومة من يتقوقع خلف إيران على أساس مذهبي، لا دخل له لا بالثورة الإيرانية ولا بمبادئ هذه الثورة العالمية الأبعاد...
هل صورة المقاومة في لبنان هي نسخة عن صورة المجتمع اللبناني؟
هل تحمل المقاومة في لبنان بعض DNA المجتمع اللبناني؟
نظرة واقعية مجردة إلى هذه المقاومة تنبئ بأن هذه المقاومة من هذا المجتمع، وتحمل الكثير من علاته...
علاج الأزمة في لبنان لا يمكن أن يكون سهلاً...
علاج الأزمة في لبنان لا يمكن أن يكون من داخل النظام...
علاج الأزمة بالتوافق شبه مستحيل طالما أن كل عنزة في لبنان معلقة بكرعوبها في الخارج، وطالما أن هذا الخارج يتجه كل يوم إلى تأزم اكبر مع تسارع الأحداث الإقليمية والدولية...
كل يوم تأخير في المعالجة الفاعلة من القوى الفاعلة على الارض، يعني تلقائيا انتشار الفوضى وسيطرة قانون الغاب على مجتمعاتنا حيث ياكل القوي حق الضعيف، وياكل الغني كل الرزق ولا يترك للفقير غير الغضب الذي لا بد أن ينفجر يوما...
ليس المطلوب من القوى الفاعلة لعب دور جمعيات إحسان...
المطلوب إجبار السلطة على إعادة بناء دولة القانون، بدل التلهي بمن يكون رئيس حكومة لبنان أو رئيس الجمهورية المقبل... هذا إذا ما بقيت هناك جمهورية...
عندما يقول الشيخ نعيم قاسم أن حزب الله يقف خلف السلطة في قرار الترسيم، يظهر مدى انتشار الفايروس الذي يفتك بدولة لبنان، داخل جسم المقاومة...
يعلق أحد التغييريين ساخرا لماذا لا يقف الحزب دوما خلف السلطة في أمور المقاومة الأخرى، كما يريد أن يفعل في مسألة الترسيم...
كلمة حق، يراد بها باطل...
لكنها تبقى فعلاً كلمة حق...
حزب الله أمام منعطف طرق...
الشعوب اللبنانية أمام أحد حلين لا ثالث لهما...
إما الفوضى والزوال وبالتالي العبودية...
وإما الثورة وكسر كل القيود...
حتى لا تكون هذه الثورة فوضى عارمة تؤدي إلى انتصار العدو دون قتال، يجب أن تكون هناك قيادة واعية لهذه الثورة...
أما إذا استمر حزب الله في سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، أو في سياسة الاعتكاف كما حصل بعد ١٧ تشرين... نحن نسير في هذه الحالة إلى أيام أكثر سواداً من كل ما مر منذ اندلاع الأزمة...
على المقاومة تنظيف صفوفها من المترددين أولاً، ومن الغنم ثانيا، وقبل هؤلاء وأولئك، من الانتهازيين والوصوليين الذين يركبون الموج ثم يتبين أن لا دخل لهم لا بالمبادئ ولا بالدين...