الرقائق الالكترونية.. جوهر الصراع العالمي \ مها علي.
علوم و تكنولوجيا
الرقائق الالكترونية.. جوهر الصراع العالمي \ مها علي.
14 تموز 2022 , 10:02 ص

الكاتبة: مها علي,


إن كل ما يحدث في هذه الأيام يجعلنا نعود للتفكير في الثورة الرقمية وصناعة الرقائق الإلكترونية فما علاقة هذه الصراعات وسوء العلاقات الدولية والتضخم الإقتصادي والعقوبات المتوالية على بعض الدول العظمى كالصين وروسيا بالرقائق الإلكترونية؟

ببساطة, فهمنا لكثير من القضايا السياسية والإقتصادية لن يكتمل إلا بمعرفة ما يجري في هذه الصناعة الدقيقة والإستراتيجية جداً, وفهمنا لارتفاع الأسعار لن يكتمل إلا بمعرفة أبجديات هذه الصناعة , فإن أحد أهم ملامح الصراع بين الصين والغرب هو الرقائق الإلكترونية و وأحد أهم أسباب أهمية تايوان ودورها الذي تلعبه على الساحة الدولية هو تفوقها في صناعة هذه الرقائق الإلكترونية,

إن التكنولوجيا الرقمية ستشهد المزيد من الإنتشار، ومن المرجح أن تفشل كل جهود تجاهلها أو تقييدها بالتشريعات, وذلك لأن ثورة

( انترنت الأشياء) أي الثورة الرقمية التي انطلقت من أكثر من عقد ونصف شملت برمجة جميع الأدوات الكهربائية المنزلية:(تلفزيون,براد, غسالة,مكييف,الخ), ولاننسى الجوالات الخليوية وحتى وسائل النقل من سيارات وقطارات وطائرات, وصولاً إلى جميع الأجهزةالطبية, ولن أتردد بالقول حتى برمجةبني آدم مستقبلاًمن خلال هذه الرقائق الإكترونية,

من هنا نستنتج أن هذه الرقائق أصبحت عصب الحياةعلى الأرض,

ولاتكتمل الحياة البشرية بدونها.

لم يعد يخفى على أحد أن الصين تفوقت في صناعة وزيادة إنتاج هذه الرقائق على الولايات المتحدة, حيث أن الأخيرة اتهمتها بسرقةالملكية الفكرية لها,

بينما الحقيقة أن الصين أخذت التكنولوجيا وعملت على تطويرها وزيادة انتاجها وإضافة العديد من الميزات الجديدة عليها,

وبما أن هذا التفوق سيؤدي إلى أن تكون الصين هي من تقود العالم اقتصادياً, استشاطت الولايات المتحدة الأمريكية غضباّ وبدأت بالحروب الطاحنة انطلاقاً من أفغانستان مروراً بالعراق ثم سوريا واليمن, وذلك لتقطع الطريق أمام مشروع الصين المسمى بـ(مبادرة الحزام والطريق) من خلال السيطرةعلى الموانئ البحرية, و استندت الولايات المتحدة على شعارات مزيفة مثل نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب وتقليب الشعوب على حكامها لعزل جميع الحكام الذين يعارضون سياستها في الشرق الأوسط, ولكن الولايات المتحدة فشلت في مشروعها وخسرت جميع حروبها في المنطقة.

بالعودة للسبب الجوهري وهو الثورة الرقمية وتفوق الصين في الإنتاج العالمي للرقائق الإلكترونيةبصفة عامة, حيث تقول الإحصائيات العالمية في الأرقام المصمتة أن الصين تنتج 24% من الإنتاج العالمي ثم تأتي تايوان في المرتبة الثانيةليصل انتاجها حوالي 21% ,

ثم الولايات المتحدة ليكون انتاجها فقط 10 % من الإنتاج العالمي,

وتقول بعض الدراسات أن أوروبا كلها تنتج حوالي 8% فقط.

لكن يجب الإنتباه أنه عندما يتم التحدث عن إنتاج الرقائق المتقدمة فتكون نسبة90% منها تنتج في تايوان, وهذه الرقائق المتقدمة تستخدم للطائرات والأسلحة.

ونظراً لأهمية هذه الرقائق في المستقبل وكونها تُمثل عصب الحياة وبدونها سيكون العالم مشلولاً, فإن الولايات المتحدةلن توقف الحرب, لا في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا, ولا في بحر الصين, ومن المتوقع حصول ضربات نووية حتى تقبل الولايات المتحدة الجلوس على الطاولة مع روسيا والصين وبداية عصر جديد مكون من عدة أقطاب.

والمعلومة المهمة أن هذه الرقائق عابرة للقارات ويمكن إدخال عمليات تكنولوجية على الرقاقة بعد أن تخرج من الدولة المُصنعة ومن ثم إعادتها إليها, أي أن هذه الصناعة تعتمد على مجموعة من التحالفات, وبما أن إعادة بناء هذه الشركات المنتجة للرقائق الإلكترونية تحتاج إلى سنوات طويلة جدا, نرى الجميع حذر من ضرب النووي ولا يريدون تدمير تايوان خصوصاً لأنها الأولى عالمياً في إنتاج الرقائق المتقدمة,

ولا نخفيكم أن الولايات المتحدة كانت قد حاولت وعرضت على تايوان عمليةاستقدام هؤلاء العلماء والفنيين لأجل مساعدتها على بناء هذه الصناعة في الولايات المتحدة, ولكن تايوان رفضت وأظهرت نوع من المقاومةا لشديدة من قِبل الحكومة ومن أصحاب الشركة المصنعة لأنهم يخافون من غسيل العقول, ويخافون من انهيار الأمن القومي عند تايوان الكامن في أهميةالدرع السيليكوني,أي الرقائق المتقدمة, لأن السيليكون هو العنصرالأهم الذي يدخل في تصنيع الرقائق.

والخلاصة: إن كان لإيقاف تصدير القمح من أوكرانيا أثر كبير على الغذاء فإن إيقاف صناعة السيليكون سيؤدي إلى شلل أكبر لأنه ضروري لإنتاج هذا الغذاء حيث أن جميع التكنولوجيا تعتمد عليه والنتيجة أنه بات أكثر أهميةمن الغذاء ذاته.

والجدير ذكره أن هذه التكنولوجيا بدأت من أمريكية ثم تطورت جداً في تايوان بفضل الخبرات المحلية, أما عن سبب اختيار تايوان ودعمها من الولايات المتحدة فكان بعد الحرب الكورية مع الإتحاد السوفييتي ودخول الصين في الحرب عام 1953,والتي قسمت شبه الجزيرةالكورية إلى كوريتين, شمالية وجنوبية, بالتالي كانت تايوان تمثل الأمن القومي لأمريكا, حيث أنشأت فيها قواعد عسكرية, ومع بداية الثورة الصناعية في الستينات تم إنشاء المصنع فيها وتُركت لأهل المنطقة, ثم تطورت هذه التكنولوجيا بفضل الفنيين المحليين, و استمرت سلاسل الإمداد لعنصر السيليكون, من مختلف أنحاء العالم, والملاحظ أن جميع الدول تتمنى أخذ هذه التكنولوجيا وتوطينها بمافيها الولايات المتحدة, ولكن هذا يحتاج لوقت طويل, واللافت أن مبرر وجود القوات الأمريكية المحتلة في شرق الفرات في سوريا هو وجود كميات هائلة من مادة السيليكون النقية فيها.   

المصدر: موقع إضاءات الإخباري