كتب الأستاذ حليم خاتون: حزب الله و
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: حزب الله و"اللحظة" التاريخية
21 تموز 2022 , 11:04 ص


تردد هذا التعبير أكثر من مرة على قناة المنار.

مفهوم اللحظة التاريخية، مفهوم قد يكون ثوريا بكل ما في الكلمة من معنى، لكنه قد يحمل معه مفهوم "خطوة إلى الأمام، خطوتين إلى الوراء"... كما حصل في انتفاضة ١٧ تشرين...

اللحظة التاريخية هي عامل موضوعي كثيراً ما يتوافر في حياة الشعوب، لكنه لا يكتمل إلا عبر توافر عاملين ذاتيين أساسيين:

١- القيادة التاريخية القادرة على اتخاذ القرارات التاريخية...

٢- الحزب أو التنظيم القادر على لعب الدور الطليعي في قيادة الشعوب إلى امتلاك قرارها والسيطرة على مجرى مصيرها في بناء المجتمع...

أربعون عاما مرت...

أربعون عاما من التجارب المجبولة بالدم...

أربعون عاما انتقلت فيها القيادة من الطفولية العقائدية المعلبة التي لم تمتلك بوصلة واضحة في كيفية التعامل مع الجماهير، إلى القيادة العقائدية دوما، لكنها أكثر انفتاحاً وفي حالة الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني، أكثر تنظيما في خدمة استراتيجية حتمية الصدام، أو على الاقل، حتمية وجوب إسقاط هذا الكيان مع كل ما يمكن أن يمثله من صفات استعمارية...

اللحظة التاريخية التي يجري الحديث عنها اليوم، هي في الواقع لحظات متتالية يوفرها تطور الأمور في هذا الصراع الابدي مع الصهيونية...

هي لحظات لم تنكفئ يوما... لكن الذي كان ينقص دائما هو العامل الذاتي...

هل قناة المنار مصيبة في أن حزب الله هو التنظيم أو الحزب القادر على لعب هذا الدور التاريخي؟

هل قيادة الحزب اليوم جديرة بحمل هذا العبئ...؟

يبدو أن مسار الأمور في المنطقة فرض تزاوج الوضع الداخلي في لبنان مع الصراع العربي الصهيوني...

لقد حاولت قيادة حزب الله، كما حاول هذا الحزب كثيراً دون جدوى، الفصل بين هذا الصراع وبين الأزمة الاقتصادية والمالية التي وقعت في لبنان...

لكن الأزمة التي أوقعت الإمبريالية نفسها بها، جعلتها هي نفسها تخلط الأمور في حربها ضد المقاومة، وعلى هذا الأمر غير المقصود تُشكر اميركا لأنها حفرت قبر الكيان بيديها...

هناك في الحقيقة اتجاهان لهذه اللحظة التاريخية...

اتجاه يريد فقط، يتمنى ويصلي كي يتم إيجاد حل وسط دون حرب، يستطيع لبنان بموجبه استخراج الغاز والنفط...

اتجاه آخر لا يقبل بأي حل وسط، ويصر على أخذ كامل الحقوق...

موقف حزب الله عدم الدخول في المفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة قد يكون مفهوما من وجهة نظر عقائدية...

لكن إسناد موقف المفاوض الرسمي اللبناني يحمل في طياته خطر الوقوع في الخيانة لسبب بسيط...

هذه السلطة الحاكمة في لبنان قد باعت روحها للشيطان منذ زمن...

يكفي أن نعرف أن السلطة في لبنان بكافة رؤوسها تريد الوصول إلى الخط ٢٣ plus...

أي أنهم يريدون العودة إلى الخط الإسرائيلي ٢٣ لكن مع أخذ جيب حول حقل قانا...

هل يستطيع حزب الله تغطية هكذا حل، مع ما يعنيه هذا من تفريط بحقوق لبنان المائية والبرية لاحقاً؟

يبدو أن هناك اتجاها في الكيان للقبول بالتخلي عن جزء بسيط مما يريدون السطو عليه استجابة للسلطة اللبنانية المهترئة الهزيلة التي يمكن بدون اي لبس اتهامها بالعمالة الموضوعية...

كان الكيان يعول كثيرا على فؤاد السنيورة ووليد جنبلاط اللذين يريدان التخلي عن حقوق لبنان مقابل لا شيء تحت شعار عدم خلق مزارع شبعا بحرية...

لكن دخول المقاومة على الخط، جعل هذا الكيان يميل إلى التخلي عن ابتلاع جزء من حقل قانا، لقاء حل سوف يعطيه الحرية في السيطرة على الجزء الأكبر المتبقي من حقوق لبنان...

العدو ليس غبيا...

لقد سُمع ميشال عون يتخلى عن الخط ٢٩...

سُمع جبران باسيل يضع معادلة غبية تضع قانا مقابل كاريش في خطوة يتم فيها التخلي عن حقوق لبنان في مساحة قد تزيد على الألف كلم٢...

سُمع بكل أسف الصحافي غسان سعود يتحدث عن "الواقعية" في المساومة من أجل الخروج من وضع الإنهيار...

العدو يعرف أن الصحافي سعود لا يمثل فقط ميشال عون، بل هو قريب جدا من حزب الله...

حتى اقتراح الخط ٢٩ minus... أي الخط ٢٩ مع جيب حول حقل كاريش يذهب إلى العدو، رغم أنه يتخلى عن مساحة أقل بكثير من ٢٣ plus... إلا أن السلطة لم تتبناه وظلت تضغط باتجاه التخلي عن أكبر مساحة ممكنة للعدو...

المشكلة أن حزب الله الذي يقف خلف السلطة لم يوضح بعد المدى الذي سوف يلتزم به في هذا الموقف...

إذا أخذنا تفسير الاستاذ بزي القريب من حزب الله، فإن الحزب قد تجاوز الموقف السابق الذي كان يدعم فيه السلطة اللبنانية العفنة في ٢٣ plus...

على ما يبدو أن الحزب قد وضع كل الشاطئ الفلسطيني ضمن الحساب...

إذا كان الأمر كذلك، هنا يمكن القول إن حزب الله جدير بقيادة المرحلة، حيث يكون هو الحزب التاريخي للإجابة على الوضع التاريخي المستجد بعد دخول روسيا إلى أوكرانيا...

اللحظة التاريخية تعني ببساطة أن الجزء الأكبر من حقل كاريش هي داخل المياه الاقتصادية اللبنانية...

اللحظة التاريخية تعني أن لا يقبل حزب الله ولا بأية صورة التخلي عن ولو ملم٣ واحد من المياه...

كما أن اللحظة التاريخية تعني أن لا يقبل الفلسطينيون ولا بأية صورة استمرار استخراج الغاز من الحقول الأخرى...

هل سوف يؤدي هذا إلى حرب في المنطقة؟

من الجهة اللبنانية يجب رفض التخلي ومنع إسرائيل من اي استخراج في كاريش دون الحفاظ على حقوق لبنان هناك..

هكذا يكون حزب الله حزبا تاريخياً...

أميركا وأوروبا تستطيعان الضغط بهذا الإتجاه...

هذا يمكن أن يحصل دون حرب...

في الحالتين، لبنان يكسب...

إذا حصل لبنان على كامل حقوقه دون حرب، بكون هذا حدث نادر سوف يؤدي إلى انهيار إسرائيل...

أما إذا رفض الكيان، ووقعت الحرب، فهذا لن يكون سوى دعوة مفتوحة للمقاومة الفلسطينية في غزة للدخول في هذه الحرب وقصف كل الآبار على كامل الشاطئ الفلسطيني...

هذا سوف يؤدي تلقائيا إلى انهيار الأميركيين في سوريا والعراق وإلى تجرؤ روسيا أكثر في أوكرانيا...

هذا بدوره سوف يشجع الصينيين على تحد أكبر لأمريكا...

سواء أعجبنا الأمر أم لم يعجبنا، أي تقدم للمحور الروسي الصيني، يعني تلقائياً تضعضع الغرب وأميركا، وتلقائيا إسرائيل...

هل يمكن التعويل على السلطة اللبنانية؟

بالتأكيد لا...

مجرد استقبال وفد مجموعة العمل الأميركية التي تهددنا علنا، وعدم ارسال هؤلاء إلى بلدهم مع موقف واضح يرفض فيه لبنان أي تنازل... هذا يعني أننا لسنا أمام لحظة تاريخية...

بانتظار ايلول، يتمنى المرء فقط أن يلعب حزب الله الدور التاريخي حتى لو أدى ذلك إلى الحرب...

في النهاية، على احد ما أن يوقف السقوط في التاريخ ويحول المجرى إلى داخل نفق الناقورة ومن هناك إلى فلسطين...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري