الكاتبة : مها علي

أوروبا تدخل النفق المظلم , وأمست تعيش ليالٍ سوداء,
حرب في الشرق وانهيار في الغرب , والقارة العجوز تزداد مشاكلها يوماَ بعد يوم, فالدولة التي يجب أن تحميها وتدعمها تتخلى عنها وتنشغل في منافستها للصين, وتحاول حشد الدعم لتايوان وربما للمواجهة العسكرية, بالمقابل موسكو تجبرها على دعم اقتصادها من خلال دفع ثمن الوقود بالروبل,
إن ليلة الرابع والعشرين من شباط عام 2022 ,كانت حاسمة حيث ظهر الرئيس فلاديمير بوتين وهو يضع يده على الطاولة وبكل حزم ليعلن انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية لإقتلاع النازية منها, لمنع تمدد حلف الناتو أكثر نحو بلاده, فانقلبت أوروبا رأساً على عقب فتلك الحرب لم تحدث منذ مائة عام تقريباً.
طبول الحرب قُرعت, وأمريكا أرسلت الضمانات بأنها ستجد لهم البديل عن روسيا في مجال الطاقة, وستدعم أوكرانيا لتقاتل بوتين حتى آخر رمق,
وفي ذات الوقت سيبقى اقتصاد أوروبا في القمة, ولكن لم يحدث شيء من هذا فأوكرانيا تقاتل وحيدة , وبوتين يهدد كل دول شرق أوروبا, والدولار الأمريكي يحلق بعيداً واليورو ينهار للأسفل, هي وقائع لا تحتاج لأرقام أو دلائل بل يشاهدها العالم كله في كل يوم أن أوروبا وقعت في ليلها الأسود, وإليكم تسلسل هذا الإنهيار:
إن الحرب الروسية الأكرانية كانت سبب من بين أسباب, ولم تكن هي المسبب الرئيسي بالسقوط المدوي للقارة, فمع انطلاق الحرب تسابقت دول أوروبا على دعم اوكرانيا عسكريا وإنسانياً وكانت في المقدمة الولايات المتحدة, فالأرقام تشير إلى أنها قدمت 16 مليار دولار كمساعدة لكييف ونصفها على شكل مساعدات عسكرية لكنها في ذات الوقت كسبت المليارات وذلك لأن أغلب الأسلحة التي قدمت لأوكرانيا تم شراؤها منها, وبعد مرور شهر على الحرب كانت دول الاتحاد الأوروبي قد دفعت 55 مليون دولار كمساعدة عسكرية لأوكرانيا, لكن أوكرانيا وجدته قليل للغاية مقابل دفاعها عن أوروبا أمام روسيا لتمارس معها واشنطن ضغطاً على دول الإتحاد , رُفع من خلاله الدعم العسكري إلى واحد مليار دولار, بالإضافة إلى 550 مليون دولار كمساعدات إنسانية, كلها دفعت من الخزائن الأوروبية دون عودة, يضاف لها تورط بعض الدول بشكل مباشر, ومنها بولندا التي تحولت للممر الوحيد لعبور الأسلحة لكييف, ما وضعها في حالة شبه حرب مع موسكو.
وبالتدريج وجدت الدول الأوروبية نفسها في مأزق مع تأمين الطاقة التي تعتمد فيها على روسيا بشكل أساسي,ومع فرض كل دول الإتحاد الأوروبي ومعهم الولايات المتحدة عقوبات على روسيا كانت مشكلة طريقة استيراد الوقود الأحفوري تقلق الأوروبيين, وموسكو واجهتهم بحزم وذلك بفرضها دفع ثمن الوقود بالروبل الروسي, وهذا انعكس إيجاباً على اقتصادها الذي لم يتأثر بتلك العقوبات,
وفي منتصف تموز من العام 2022, هبط اليورو إلى مستوى الدولار حتى أنه نزل إلى مادونه, بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة, بالإضافة للانكماش الاقتصادي وارتفاع نسبة التضخم في منطقة اليورو لأكثر من 5%,
وهي أعلى نسبة تسجلها القارة الأوروبية منذ ثلاثين عاماً حتى الآن,
وفي الوقت الذي كان فيه اليورو ينهار ويضعف كان الدولار يرتفع ويزداد الطلب عليه في الأسواق العالمية, إذ أن أغلب أسواق الطاقة العالمية بخلاف السوق الروسية مُسعرة بالدولار,
ويتوقع الخبراء مزيداً للهبوط في اليورو في الأشهر المقبلة, خصوصاً عند اقتراب فصل الشتاء حيث ستحتاج أوروبا المزيد من إمدادات الغاز, لذلك يبقى مصير اليورو مجهولاً ومظلماً,
ويحتاج تدخلاً قريبا من البنك المركزي الأوروبي والفيدرالي الأمريكي لدعمه.
وبعد مرور أشهر من الحرب الأوكرانية ظهرت حالة التصدع بشكل كبير بين مواقف الدول الأوروبية فعلى الرغم من كون كل الإتحاد الأوروبي قام بالاستجابة للعقوبات التي فرضت على روسيا لكن كل واحدة منها كانت تراوغ على طريقتها, فعندما طلبت روسيا دفع ثمن الوقود بالروبل رفضت بعض الدول مثل بلغاريا وفي ذات الوقت وافقت دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا لتستجيب لطلب روسيا, ما جعل الموقف الأوروبي يعيش حالة من التصدع والتوتر. ومع تحول الحرب إلى حرب مفتوحة, زاد تخوف أوروبا من أن تنجر للدخول العسكري, وفي ذات الوقت واشنطن تخشى دخول أسلحتها الحديثة في الحرب ووقوعها في أيدي روسيا وبالتالي ستحصل على التقنية اللازمة لتصنيع أسلحة أقوى منها, وهذا الواقع المؤلم والخسائر المستمرة دفع بعض الدول مثل ألمانيا للتصريح أنها غير قادرة على الدعم أكثر عسكرياً, وهو ما سيدفع باقي الدول الأوربية لذلك وحتى أن بعضها يحاول الدخول كوسيط فيها على الرغم من أنها تقول من أن موسكو ظالمة, مثل فرنسا خرج ماكرون ليقول لا يمكن أن يكون السلام من خلال إذلال روسيا, مؤكداً أن على أوكرانيا وقف إطلاق النار وبناء السلام مع روسيا, وعلى الرغم من فشل المحاولة لازالت باريس تحاول لعب ذلك الدور, أيضاً ألمانيا ترى أن أي شروط لوقف الحرب من قبل أوكرانيا لا يمكن قبولها, ومن جانبها إيطاليا تحاول لعب دور الوسيط للسلام بين روسيا وأوكرانيا رغم مشاركتها بالعقوبات ضد موسكو, لكن هذه التصريحات من قبل أكبر دول الإتحاد الأوروبي قوبلت بالرفض من زيلنسكي رئيس أوكرانيا وقال أنه سيستمر بالحرب حتى يهزم موسكو , وواشنطن تدعم هذا قراره, لكن ذلك لا يناسب القادة الأوروبيين وهي النقطة التي تُظهر حجم الشتات بينهم , فإن اتفقوا في العقوبات اختلفوا في نقاط اخرى , وهذا ما يجعل القارة العجوز تعيش حالة تخبط بعد انسحاب بريطانيا منها , وهاهي باريس تطالب بالخروج من الإتحاد الأوروبي من عام 2020 وقادم الأيام ربما يثبت هروب فرنسا ومعها ألمانيا التي منعت من تشكيل جيش خاص بها بعد أن خسرت الحرب العالمية الثانية والآن تريد إعادة تأسيسه واستعادت النازية.