الصين ودمشق الانتقالية: شراكة واعدة … وفرص معلّقة على حافة النفوذ الأميركي
مقالات
الصين ودمشق الانتقالية: شراكة واعدة … وفرص معلّقة على حافة النفوذ الأميركي
عامر أبو حامد
18 تشرين الثاني 2025 , 20:08 م

تتزامن مؤشرات الانفتاح المتبادل بين دمشق وبكين مع تسريبات عن تقدّم في التفاهمات الأمنية، خصوصاً في ما يتعلق بإيجاد صيغة لمعالجة ملف المقاتلين الإيغور في الشمال السوري، وهو مسار قد يمتد لاحقاً ليشمل بقية الفصائل الأجنبية. وعلى المستوى السياسي، أعلنت دمشق موقفاً لافتاً باعتبار تايوان جزءاً لا يتجزأ من الصين، في خطوة تُفسَّر على أنها تأكيد لانسجامها مع رؤية بكين لوحدة الأراضي، وبالمقابل إشارة إلى أن الصين لن تعترف بأي كيان أو منطقة سورية تقع خارج سلطة الدولة.

ورغم هذه الدوافع المشتركة، يبقى نجاح الشراكة غير محسوم حتى الآن، فالحضور الأميركي القوي في الملف السوري—عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً—لا يزال العامل الأكثر قدرة على تعطيل أي مسار لا يمر عبر واشنطن أو يتقاطع مع مصالحها.

ضمن هذا السياق، تدخل بكين الساحة السورية بمنطق براغماتي شديد الحذر. دوافعها ثلاثة: تأمين ممر ثابت لمبادرة "الحزام والطريق" نحو المتوسط وأوروبا، احتواء مخاطر الجماعات المتشددة وعلى رأسها الإيغور، والاستفادة من الورقة السورية في لعبة توازن مع الولايات المتحدة، لا في إطار مواجهة مباشرة بل لتعديل شروط التفاوض على خطوط التجارة العالمية.

الحكومة السورية الانتقالية، من جهتها، تنظر إلى الصين بوصفها القوة الكبرى الوحيدة القادرة على التحرك خارج الضغوط الغربية، وترى فيها شريكاً محتملاً لكسر العزلة وبدء إعادة بناء البنية التحتية. إلا أن هذا الطموح يصطدم بواقع معقّد: فأي حضور صيني كبير يحتاج عملياً إلى بيئة مستقرة، بينما النفوذ الأميركي المترسخ في شمال وشرق سوريا يجعل هذه البيئة هشّة ومتقلّبة.

على المستوى الجغرافي، تعتبر الصين أن المسار السوري هو الأقصر والأقل كلفة لمشروع الحزام، مقارنة بالممرات البديلة عبر الأناضول أو سيناء. فاستقرار سوريا قد يتيح للصين إرسال البضائع إلى أوروبا خلال يومين فقط—ميزة استراتيجية لا يمكن تجاهلها. لكن بكين تدرك أيضاً أن هذا المسار يمر فوق حقول ألغام سياسية، أبرزها العقوبات الأميركية ووجود قوات واشنطن شرق الفرات، ما يجعل الاستثمار الصيني الواسع خطوة محفوفة بالمخاطر.

بالنسبة لدمشق، يبقى الرهان على الصين خياراً حتمياً وليس ترفاً. فالصناعة السورية قبل الحرب كانت تقوم على تجهيزات وخطوط إنتاج صينية، وإحياء هذا الترابط ضرورة لإعادة تشغيل الاقتصاد. كذلك تسعى الحكومة إلى طمأنة بكين عبر تعاون أمني أوسع لضبط الجماعات المتشددة، في محاولة لترسيخ الثقة وفتح الباب أمام دور سياسي أكبر للصين في المرحلة المقبلة.

لكن، وبرغم تطابق عدد من المصالح، تظلّ الشراكة محاطة بعوامل عدم يقين: فالصين لن تغامر بدخول ساحة يتقدم فيها النفوذ الأميركي على الميدان والقرار الاقتصادي، ودمشق، مهما انفتحت على الشرق، تعرف أن واشنطن قادرة على تعطيل أي مشروع لا يتقاطع مع رؤيتها للمنطقة.

في الخلاصة، تبدو العلاقة الصينية–السورية أمام فرصة تاريخية، لكنها فرصة معلّقة—قابلة للانطلاق كما هي قابلة للتعطيل. فالصين تبحث عن نافذة آمنة على المتوسط، ودمشق تبحث عن شريك يملك التمويل والنفوذ… لكن الطريق بينهما ما زال يمرّ عبر ظل أميركي ثقيل لا يمكن تجاهله.