كتب الأستاذ حليم خاتون: ررد ضروري، لكن غير كافي.
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: ررد ضروري، لكن غير كافي.
6 آب 2022 , 07:59 ص



يحاول المرء الدخول الى داخل عقل سلطة الاحتلال، لأنه لا يحتاج للدخول الى داخل عقل قيادات المقاومة في غزة...

المنطق يقول إن المستفيد من اي تفجير للموقف العسكري في هذه الأيام، هو حتما محور المقاومة عامة، والمقاومة الفلسطينية خاصة...

كل ما يحتاجه هؤلاء، هو غطاء أو تبرير لهبة تكسر القيود؛ تبرير موجود دائما رغم التظاهر بعدم الرؤية وعدم الإدراك، بينما الحقيقة هي عدم الجرأة وعدم إرادة الموت كي يحيا الوطن...

المقاومة الفلسطينية أينما وجدت، يجب أن تكون جاهزة للدخول الى الحرب بسبب، وبدون سبب...

موازين القوى سوف تظل دوما لصالح العدو الصهيوني بالمقياس العسكري الكلاسيكي؛ هكذا كانت الأمور دوماً في كل البلاد التي عرفت حروب تحرير... لذلك يجب أن لا يلعب هذا الاختلال دورا سلبيا في أخذ القرار...

هنا المطلوب فقط فعل الإرادة...

الذي يعرف كيف بدأت حركة التحرير الفيتنامية ضد الاحتلال الفرنسي قبل أن تتطور الأمور وتدخل اميركا بعد هزيمة الفرنسيين، يعرف أن خطوات المقاومة الأولى كانت تجري بالسلاح الأبيض للاستيلاء على بنادق المخافر والدوريات...

لم يأت الدعم للحزب الشيوعي الفيتنامي، إلا بعد أن أثبت الفيتناميون أنهم أمة تستحق أن يقف العالم إلى جانبها...

لذلك تم اختراع شيء اسمه حرب التحرير الشعبية...

نحن في لبنان وغزة محظوظون لأننا نملك استراتيجية مركبة من قوة ردع صاروخي بالإضافة إلى وجود شعب مستعد لقتال الشوارع...

لا بل الوضع في غزة افضل ألف مرة، حيث لا يوجد لا بطرك أميركي الهوى، ولا مطران عميل، ولا مفتي يسبح بحمد بني سعود ويدور كيفما داروا...

كما لا يوجد سمير جعجع ولا أشرف ريفي ولا حتى منظمات مجتمع مدني تابعة للمخابرات المركزية الأميركية أو البريطانية أو الفرنسية...

مسيحيو فلسطين عموماً، وغزة من فلسطين، هم رأس حربة حرب التحرير الشعبية... هكذا كانوا وهكذا هم... منذ حمل حكيم الثورة جورج حبش البندقية بدل سماعة الطبيب، ومنذ أن جمع الدكتور وديع حداد كل ثوار العالم خلف القضية الفلسطينية...

مطارنة فلسطين والمفتون، مناضلون فلسطينيون وليسوا عبيد دولار النفط الخليجي كما في لبنان...

لذلك، مقاومة غزة بالمفهوم العسكري غير التقليدي، هم أكثر قوة من مقاومة حزب الله في لبنان رغم الفرق في السلاح...

هم في غزة، لا خونة عندهم يطعنون في الظهر كما الوضع في لبنان...

وضعية الإسرائيلي الواقف على رجل ونصف بانتظار ايلول بعدما رفع السيد نصرالله إصبعه مهددا يطالب بحقوق لبنان في البحر والبر معا؛ هذه الوضعية يجب أن لا تسمح لقيادة الاحتلال بالمبادرة إلى الهجوم على غزة...

رغم ذلك، بادر العدو عبر القيام بعملية إغتيال لا تعني الكثير في الميزان العسكري...

القيادي الشهيد تيسير الجعبري، مثله مثل كل مناضل في قيادة الجهاد، هو اساسا مشروع نضال وشهادة، وعملية الاغتيال لن تغير شيئا...

هل يستبق العدو ما سوف يحدث في أيلول، وحتمية دخول المقاومة الفلسطينية إلى الصراع بمجرد اندلاع المواجهة بين حزب الله وهذا العدو...

هل هو استفراد بحركة الجهاد الإسلامي فعلاً، أم هو محاولة القيام بضربات تليها هدنة تجبر المقاومة الفلسطينية على عدم الدخول في معادلة السيد حسن نصرالله...

حتى قبل اندلاع الحرب، كان الجانب الفلسطيني يدير الظهر لفكرة حرب التحرير...

كانت المقاومة الإسلامية تكتفي بالفرقعات الكلامية...

حتى قبل منتصف الليل، ورغم رشقة وصلت إلى ريشون ليتسيون في عمق فلسطين ال ٤٨، يبدو أن الجهاد تكتفي بقصف غلاف غزة وسط تحرك قطري مصري أممي يهدف إلى التهدئة...

التهدئة هنا مطلب اسرائيلي ١٠٠٪.

هذا بالضبط ما يريده غانتز...

حتى الآن، يمكن القول إن المبادرة لا تزال في يد الإسرائيليين...

حتى لو تم قصف تل أبيب نفسها، ونجح المسعى الإسرائيلي في فرض التهدئة بعد الصفعة، يكون العدو قد كسب المعركة، وجعل المقاومة الفلسطينية تقبل بمعادلة قصف+ اغتيال+ تدمير= هدنة...

مهما بلغ عنف الرد الفلسطيني، يظل هذا الرد ضروريا ولكنه غير كاف ولا يشكل أي نصر طالما أن المعادلة المذكورة في الاعلى باقية...

بدء الحديث عن السولار الذي لن يدخل، والدواء والغذاء الموجود خلف معبر كرم أبو سالم هو تمهيد للوصول إلى تلك الهدنة الملعونة...

هل تستطيع المقاومة الفلسطينية تغيير هذه المعادلة؟

من المؤكد أن الرد على الحصار بالحصار، هو مسألة إرادة...

الصواريخ التي وصلت في سيف القدس إلى تل أبيب تستطيع تعطيل حركة الملاحة ما بعد تل أبيب...

الصواريخ التي أجبرت العدو على إقفال حقل غاز تمار في حرب القدس، تستطيع اليوم فعل المعجزات...

ماذا لو تم قصف لفيتان إلى جانب تمار؟

ماذا لو تم قصف أنبوب النفط الإماراتي في الجنوب، أو مرفأ حيفا في الشمال؟

طالما أن المقاومة الفلسطينية لا تجرؤ على خرق المعادلة السابقة، فهي لا تستطيع ادعاء الانتصار إذا ما جرت هدنة تُبقي الأحوال على ما كانت عليه...

لم تعد الظروف كما في سيف القدس...

اصلا، كان العدو يرتكب كل يوم أكثر من شيخ جراح، والمقاومة تكتفي بالصراخ والقصف بالتصريحات الفارغة من اي إرادة في التنفيذ...

تصريح الاخ نخالة عن عدم احترام أية خطوط حمراء بعد اغتيال الجعبري، هو كما التصريحات السابقة لقيادات المقاومة في إعطاء الانذار تلو الانذار ثم ابتلاع الألسن والاكتفاء برشقة هنا او رشقة هناك...

العدو يهدف إلى قتال يمتد أياما لا تصل إلى ايلول، يقوم أثناءها بتدمير مثلما فعل سابقاً، وأكثر من مرة... ثم ينجح المصري أو القطري في الوصول إلى هدنة مسخ، لا تحمل أية حلول انسانية لا لغزة ولا لفلسطين...

يستمر حصار غزة، ويستمر تقطيع الضفة ومصادرة الأراضي والبيوت... يستمر المشروع الصهيوني في التقدم خطوات إلى الأمام وسط ادعاءات فارغة وصواريخ تضرب العدو دون أن تصيب منه مقتلا...

حتى الآن، لا تزال يد العدو هي العليا...

المبادرة كانت منذ بدء القصف ولا تزال حتى الآن في يد العدو...

الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينتزع الورقة من يد الاحتلال، هو انتزاع مواقف تكسر الستاتيكو القائم حالياً...

تحقيق ولو مطلب واحد خارج القبول بهدنة سخيفة لا ترفع الحصار الخارجي عن غزة، ولا تنهي حصار الشعب الفلسطيني داخل كل قرية أو بلدة أو مدينة..

أي هدنة خارج هذا هو هزيمة...

ما تم قبوله في سيف القدس أصبح وراءنا...

اليوم يجب أن تكون المعادلة على الأقل...

هدنة مقابل رفع الحصار كاملاً عن الشعب الفلسطيني في كامل فلسطين التاريخية...

هكذا أمر لا يأتي بقصف غلاف غزة...

هذا يأتي عبر قصف منصات الغاز، عبر قصف المرافئ، عبر ضرب المنشآت الحيوية في الإقتصاد وفي ضرب نظرية الوطن القومي اليهودي...

حتى لو اضطر الأمر لقصف مفاعل ديمونا...

يجب وضع العالم أمام واقع أن الشعب الفلسطيني لن يبقى مقيدا بسلاسل العبيد إلى الأبد...

لا وجود لخطوط حمراء، يعني رفض الهدنة والرد على القتل بالقتل، وعلى الحصار بالحصار، وعلى التدمير بالتدمير...

من يريد فلسطين من البحر الى النهر، يقلع عن تلك السياسات الخائبة التي لا تميزنا عن محمود عباس سوى لبضعة درجات لا تصل إلى مستوى الحرية وكسر قيود العبيد مرة وإلى الأبد...

حليم خاتون 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري