كتب الأستاذ حليم خاتون: حزب الله والحصار.. إدارة الفراغ
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: حزب الله والحصار.. إدارة الفراغ
29 آب 2022 , 09:30 ص


يقول حزب الله أن ما يعاني منه لبنان هو حصار تفرضه اميركا عبر منع كل اتباعها من الأعراب والأوروبيين من أي إجراء ممكن أن يساعد هذا البلد على التنفس... هذا طبعا صحيح، لكنه لا يكفي لشرح ما يحدث، كما لا يكفي للوقوف مع الناس في مواجهة هذا الذي يحدث...

يسخر رياض قبيسي من هذا الحصار... هو يعتبر أن هذا الحصار شيء طبيعي طالما أن حزب الله هو عدو اميركا، واتباعها الأوروبيين والرجعيين العرب... يتغافل قبيسي عن حقيقة أن هذا الحصار هو بالقانون الدولي عقاب جماعي، وبالتالي هو ممنوع...

الحقيقة أن هذا الإنهيار هو النتيجة الطبيعية لأكثر من هذين العاملين... الحصار والفساد...

انهيار لبنان له أسبابه الموضوعية بالتأكيد، لكن له أيضاً العامل الذاتي الذي ينتج عن المجتمع اللبناني وتفكيره وتقاليده التي تجعل من قوى الثورة مجرد أدوات تقليدية في التفكير والممارسة...

رغم انقسام هذا المجتمع بشكل عامودي بين فئة تعادي حزب الله حتى لو أعطاهم لبن العصفور، وفئة أخرى تقف مع هذا الحزب وتخوض غمار موج البحر دون مساءلة ودون إتعاب النفس بالتفكير، لأن الحزب يستطيع التفكير بالنيابة عنهم...

الفئة الأولى، لا أمل يرتجى منها في العمل على فك هذا الحصار أو منع الإنهيار لأنها ببساطة تحت أمرة من يقوم بهذا الحصار من جهة وهي تعتبر من ركائز نظام لبنان ال ٤٣، ومن بعده لبنان الطائف من جهة أخرى...

ترفض هذه الفئة أي حديث عن وضع أسس جديدة لبناء لبنان جديد يتواءم مع مقتضيات ما يجري، وتتحدث دوما عن سلطة الطائف وانه لم يتم تنفيذه رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على هذا الاتفاق/ الدستور...

يتجاهل هؤلاء عن حسن نية أو عن مشاركة في المؤامرة في أن دستور الطائف أو غيره بقي حبرا على ورق طيلة هذه العقود لأنه اساسا غير قابل للتطبيق، وهو لا يمكن أن يرى التطبيق حتى لو مرت ثلاثة عقود أخرى...

في النهاية هناك عدة ملايين من اهل هذه الأرض يريدون حلولا...

بينما يدور جدل بيزنطي بين أطراف أهل هذه السلطة العفنة حول وجوب الخضوع لموجبات الدستور التي ترفض من جهة أن يبقى رئيس الجمهورية في قصر بعبدا دقيقة واحدة بعد انتهاء المدة القانونية... وبين من يقول من جهة أخرى، أن حكومة تصريف أعمال لا تملك حقا دستوريا في ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال وجود فراغ في هذا الموقع...

بينما يدور هذا الجدل البيزنطي، تتمترس القيادة الروحية المسيحية خلف موقف رفض حكومة تصريف الأعمال، في الوقت الذي تلتف الطائفة السنية حول وجوب مصادرة صلاحيات رئاسة الجمهورية حتى ولو عبر حكومة تصريف الأعمال...

أما الطرف الثالث الشيعي، فهو دخل هذه المعمعة تارة بمساندة ميقاتي عبر الرئيس بري، وتارة أخرى عبر مساندة حزب الله لميشال عون بطريقة غير مباشرة ولكن ظاهرة للعيان دون مواربة...

كل هذا يجري وكأن ليس في لبنان لا شعب ولا أناس يعيشون ظروف جهنم بفضل الأطراف الثلاثة، كل حسب درجة انغماسه في فساد المنظومة...

قد يعتقد البعض أن هذا التقسيم الطائفي لا يشمل نواب الصدفة مما يسمى حركة التغيير...

هؤلاء لم يزيدوا على كل ما جرى سوى المزيد من البؤس الفكري والغرق في شبر مياه...

من يتحمل ترك أمور الناس تصل إلى هذا المستوى من التردي...؟

لا، الحق ليس على الطليان...

كما أن يد الخارج القوية في إفقار اللبنانيين وحصارهم، فعلت وتفعل ذلك بمشاركة فعلية وحقيقية من كافة الطوائف والقوى السياسية وحتى المجتمع المدني الذي يظهر أنه لم يأت على حصان ابيض، بقدر ما أتى على ظهور حمير شاركوا في عملية الانتخاب إلى جانب منظومة الفساد، أو لم يشاركوا اصلا في عملية الانتخاب هذه وسمحوا بالتالي لقوى الفساد أن تستمر في حلب البلد حتى آخر نقطة دم في وريد أي مواطن صار يعيش قمة البؤس وسط شعارات فارغة تتلطى خلف بريق يلمع زورا أثناء انطفاء حياة وطن...

بعد كل النهب...

بعد أن غامر الكثيرون بمستقبل هذا الكيان...

يتبين أن الشعب الغبي لا يزال يلزم البيوت ويترك الحكم في كل المسائل لعصابة السلطة الحاكمة...

حزب الله يحترم سلطة هذه الطبقة الحاكمة حين يريد، ويرفضها حين لا يقوم بواجب ملء الفراغ السلطوي هذا...

المازوت الإيراني الذي أتى يوما، لم يعد يأتي، ولا يبدو في الأفق أن أحداً في هذه السلطة يريد القيام بالواجب...

لعل من حقنا نحن اهل هذه الأرض أن نسأل لماذا توقف حزب الله عن جلب المازوت مرة ثانية وثالثة إلى أن يستمر وجود مقومات الحياة في المجتمع بأكمله، بما في ذلك مجتمع المقاومة...

يا اخي اجلبوا المازوت ولو عبر سوريا ولكن لا تدعوا الناس تغرق في عتمة المولدات...

اجلبوا البنزين من روسيا بأسعار يستطيع البلد تحملها...

هل يستطيع أحد القول لماذا لا يأتي الفيول المجاني الإيراني رغم أن مدير عام هيئة الإغاثة أبدى الاستعداد الكامل لقبول هذه الهبة دون قيد أو شرط...

هل من المعقول أن لا يتوقف حزب الله عن الصراخ في وجه السلطة ثم لا يفعل شيئا من اجل قبول هذه الهبة...

عندما طرحت إيران مشاريع إقامة معامل كهرباء، انبرى السيد معن الخليل إلى تبني القبول بهذا الطرح الإيراني...

ثم انتقل إلى مرحلة صمت أبو الهول...

كل أحزاب السلطة، كما المعارضة لا يجرؤون على حفر حفرة صغيرة، فما بال المرء بالتنقيب والحفر والاستخراج...

هل يحق لحزب الله الإستمرار في لعب دور رفض الحصار في العلن والتعامل معه، والخضوع له في السر...

كيف يمكن الزراعة والصناعة وحتى أبسط العيش أن يستمر دون كهرباء ولا مياه ولا انترنت...؟

هل يحق لقوة كما حزب الله ان تراوح مكانها فقط لأنها مشغولة بمساندة السلطة في قضايا الترسيم...؟

الصراخ ضد الحصار شيء والعمل بقوانينه شيء آخر...

ماذا تنفع المسيرات والأعلام المرفوعة إذا كان رب البيت بالطبل ضارب...؟

من يقف إلى جانب مافيا المولدات...؟

من يقف إلى جانب مافيا الاحتكارات...؟

من منع الكابيتال كونترول وسمح بتطيير أموال المودعين وهو يقسم المرة تلو الأخرى أنه من الناس وإلى الناس...

حتى في المعنى المذهبي الضيق، هناك حلف بين الطوائف من فوق ضد حلف آخر للطوائف من تحت...

صحيح أن حزب الله يدرس أمور معركة حرب الترسيم...

صحيح أن هذا الحزب قاتل وحرر...

لكن الصحيح أيضاً هو أن الكيل المعيشي عند الناس قد طفح...

إما أن نخوض موج البحر معا في ملء فراغ السلطة وتأمين حاجات الناس أو على الأقل ترك الناس تعمل هي على إصلاح ذات البين... وإما...

لا احد يحب الحرب...

لكن إذا كانت هذه الحرب ضد الحصار من الخارج ومن الداخل،

هذا أبسط الإيمان...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري