متى ينجز الشعب الفلسطيني ثورته\ زياد أبو الرجا
مقالات
متى ينجز الشعب الفلسطيني ثورته\ زياد أبو الرجا
31 آب 2022 , 19:32 م


بعد مضي اكثر من قرن من الزمان على الصراع مع المركز الامبريالي وقاعدته المتقدمة في فلسطين، ما زال الشعب الفلسطيني عاجزا عن انجاز مشروع " ثورة" ، كل ما حصل خلال المسيرة النضالية البطولية لشعبنا البطل هو انتفاضات مسلحة وجماهيرية داخل الوطن وفي دول الطوق العربي. قد يبدو هذا الكلام تجنيا على الواقع والتجربة، وصادما لذوي النفس القصير والوعي القاصر والرغبويين والعاطفيين. ان اعظم هبات وانتفاضات الشعب الفلسطيني تلك التي حدثت في منتصف الثلاثينيات من القرن الفائت والتي اطلق عليها (( ثورة الستة وثلاثين)) حيث كان الكفاح المسلح والنضال الجماهيري الشعبي - الذي تمثل في الاضراب الشامل العظيم مواكبا ومكملا كل منهما للاخر. كانت المحصلة النهائية الفشل الذريع، لان الذي قاتل العصابات الصهيونية وقوات الانتداب البريطاني لم يكن له دور او مشاركة في القرار السياسي، بينما الذي تولى القرار السياسي لم يسبق له ان حمل السلاح، ولا يعرف معنى الكفاح المسلح.

هناك قاعدة تقول: (( ينبغي التاكيد على خطورة ترك القرار السياسي بايدي من لا يخوض المعارك العسكرية تحت اي حجة ))

بعد قيام دولة الكيان واللجوء الفلسطيني جاءت انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح" التي قدمت عبر مسيرتها قوافل الشهداء من مختلف المراتب والمواقع الا ان الظرف الذاتي والموضوعي للقيادة تجسد في قصر الوعي الثوري وطبيعة الصراع حيث لم تستوعب " فتح" دروس الماضي الاليم - ان مجرد تسميتها بحركة - يعني اقرارا من الاباء المؤسسين الذين خلفيتهم السابقة "حركة الاخوان المسلمين" بانها حركة وليست ثورة- . انسحب قصر الوعي على بقية الفصائل التي دخلت على الساحة. حين اقام الفلسطينيون اكبر قاعدة انطلاق عسكري ورافد جماهيري في الاردن الذي احتضن كافة المقاتلين الفلسطينيين على اختلاف مشاربهم الايديولوجية وما هي الا اشهر قليلة حتى سطر الجيش العربي الاردني والمقاتلون الفلسطينيون(( ملحمة الكرامة الخالدة)) ملحقين هزيمة نكراء بجيش الكيان الذي كان مزهوا بنصره الزائف في حزيران ١٩٦٧.

لم تستوعب الحركة الفلسطينية في الاردن جدلية تواجدها ووضعها داخل دولة لا تسمح بالمساس بسيادتها على ارضها وبين تواجد الاف المقاتلين المدججين بالسلاح كل ما يجمعهم هدف التحرير والاستعداد للتضحية من اجل ذلك، وما عدا هذا لم يكن هناك اي اطار يحكم سلوكهم اليومي وخاصة داخل الاحياء والمدن من جهة ومع جنود وضباط الجيش العربي الاردني من جهة اخرى مما ادى الى نزاعات مسلحة بين المقاتلين والجيش. واستغل الكيان الصهيوني الاوضاع واخذ يقصف القرى والبلدات التي يتواجد المقاتلون فيها او حولها متعمدا الحاق القتل والاذى بالمدنيين لكي يحرضهم على المقاتلين. حين احتدم الصراع واخذ مداه واشتدت المعارك في ايلول ووصل الامر اما الجيش واما المقاتلين(( قالت العرب لا يجتمع سيفان في غمد)) تدخلت القوى الاقليمية وخاصة مصر عبد الناصر لوضع حد للنزاع والطرف الذي ادار المعركة السياسية كان ذلك الذي لم يمتشق السلاح في حياته ويخاف من ظله وعتمة الليل ورفع وتبنى شعار( الغابة الشجرية بديلا عن الغابة الحجرية) ممثلا بعرابه خالد الحسن. حين اعتصمت القوات الفلسطينية بالغابة الشجرية " الاحراش" منعزلة عن غابتها الجماهيربة وكان ما كان في الاحراش. اما الذي قاتل طيلة حياته وتاريخه في حركة " فتح" وقال جملته المشهورة والمحفورة في ضمير ووجدان كل فلسطيني : ( نموت واقفين ولن نركع) الشهيد الخالد ابو على اياد. هو واضرابه في الحركة لم يشاركوا بل استبعدوا من المشاركة في القرار السياسي مما زاد في تعميق الازمة داخل حركة "فتح"، وبما ان لكل قاعدة استثناء فان الاستثناء كان الشهيد ياسر عرفات ابو عمار الذي قام بنفسه بعمليات استطلاع وتنظيم خلايا داخل الارض المحتلة والعيش في قواعد الفدائيين والذي لم تقر له عين الا بالنوم بينهم ولم يتلذذ بطعام سوى طعامهم.

هكذا تكررت اخطاء ( ثورة الستة وثلاثين)

بعد الاردن شدت الفصائل الفلسطينية رحالها الى لبنان حيث انتشرت قواعد الفدائيين وعجت المدن اللبنانية بالمكاتب والمقاتلين، ولبنان ليس ككل البلدان ويختلف كليا عن الاردن حيث مواطنوه مهما كانت اراؤهم السياسية يبقون اسرى طوائفهم، والنظام فيه نظام قائم على المحاصصة الطائفية -- هكذا اراد له المركز الامبريالي -- ليبقى لكل طرف استعماري او وكلاءه الاقليميين حصة فيه. كانت التجربة الفلسطينية اشد تعقيدا واكثر خطرا حيث ان الوجود الفلسطيني المسلح في الجنوب اللبناني يواجه مباشرة العمق الاستراتيجي للكيان حيث المسافة صفر مع الجليل الفلسطيني. كانت الغارات والاجتياحات المتواصلة وقتل المدنيين الذي دفع بالقوى الطائفية المرتهنة للمركز الاستعماري والكيان بان تطل برأسها وشهرت سيوفها مطالبة باخراج الفلسطينيين من لبنان. اثبتت التجربة الفلسطينية في لبنان عدم وجود استراتيجية موحدة وتصور واضح للتعامل مع الاوضاع المعقدة في لبنان وكان لكل فصيل تصوره المغاير للاخر وفي داخل حركة فتح بالذات حيث كانت المواقف متباينة بين الجناح العسكري وبين الجناح السياسي اذا جاز التعبير حيث ان الجناح العسكري وعلى راسه الشهيد سعد صايل كان يرى مبكرا ان جيش الكيان سيجتاح بيروت عاجلا ام اجلا ومطالبته الحركة بالتصرف والعمل على تحصين بيروت وضواحيها لمجابهة اي اجتياح ، بينما الجناح السياسي استخف بالرأي العسكري ولم يعره اي اهتمام. عندما حصل الاجتياح عام ١٩٨٢ تكررت نفس الاخطاء السابقة ففي الوقت الذي كان فيه العسكريون يصدون جيش الكيان عن بيروت ملحقين به افدح الخسائر واوقفوا تقدمه وظهر عجزه كان القادة السياسيين المقيمين في الفنادق يفاوضون الامريكي على الخروج من بيروت مقابل اعترافه بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ( مرة اخرى قصر الوعي الذي يعجز عن التفريق او الربط بين امريكا والكيان) .

انتكس الشعب الفلسطيني بخروج المقاتلين من لبنان، وارتكبت القوى الانعزالية افظع مجزرة في صبرا وشاتيلا. شكلت بيروت مركز نواة الدائرة التي يدور حولها مجمل النشاط الفلسطيني -- الثقافي والسياسي والعسكري وكلها منجذبة اليه بقوة، وعند الخروج من بيروت تشظت الدائرة واصبحت الفصائل جميعها بلا مركز يجذبها ويوحد فعلها بعد التواجد في بلاد تبعد الاف الاميال عن فلسطين مثل تونس واليمن ....الخ ولم يعد للاجنحة العسكرية وخاصة " فتح" اي تاثير على صانع القرار السياسي الذي ادى الى التشرذم والمزيد منه وكانت محصلة ذلك اطلاق العنان للقوى الانهزامية داخل منظمة التحرير الفلسطينية للمضي في مشروعها التسووي والذي انتهى باتفاق اوسلو وملحقاته. لم تتاخر الفصائل بما في ذلك حركة حماس عن اللحاق بركب اوسلو ومخرجاته.

بما ان الطبيعة ترفض الفراغ تقدمت القوى الجهادية الشعبوية حركتي حماس والجهاد ودخلتا في صراع وتناقض حاد مع فتح راعية السلطة وانخرطت حماس في الانتخابات البلدية والتشريعية وابقت على تناحرها مع فتح والذي بلغ ذروته الدموية في عام ٢٠٠٦ بقيت حركة الجهاد بمنأى عن التعامل مع اوسلو.

اذا ما القينا الضوء على كل الماضي النضالي للشعب الفلسطيني نكتشف بسهولة ودون عناء ان ما كان لدينا وما زال هو مجموعة فصائل نسميها فصائل المقاومة تمييزا لها عن ما يعتقدون ( السلطة المساومة) .السلطة لها مشروعها الواضح والمعلن وهي الممسكة بمنظمة التحرير الفلسطينية وكافة مؤسساتها الداخلية والخارجية (البعثات والسفارات) وهي التي يعترف بها العالم اجمع( منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) ولا يحيد عن هذا ولا نريد له ان يحيد لانه ثمرة نضال مرير عمده الشهداء بالدم والنار. وللخروج من مأزق المساوم والمقاوم المطلوب العمل على انجاز مشروع ثورة فلسطينية تحافظ على المنجزات وتعبد الطريق الموصل لانجاز ثورة فلسطينية تختصر آلام ومعاناة الشعب الفلسطيني كي لا يمتد بنا النضال الى قرن اخر. ان هذه المهمة تقع بالدرجة الاولى على كاهل الانتلجنسيا الفلسطينية-- من مفكرين ومثقفين وادباء وشعراء وسياسيين وحكماء وفوق كل ذلك نسخة فلسطينية عن الفيلسوف الكسندر دوغين -- وعلى هذه الانتلجنسيا ان تستوعب الدروس من فشل الانتلجنسيا الفلسطينية التي واكبت النضال في الستينات والسبعينات التي تعرضت خلالها الى التهميش من القيادات الفلسطينية من جهة والاغتيالات من الكيان الصهيوني من جهة اخرى.

ومما يجعل مهمة انجاز هذا المشروع صعبة للغاية هي ان الانتلجنسيا الفلسطينية ضعيفة وشبه غائبة او مغيبة فلا شعراء ولا كتاب ولا ادباء كما في السابق والمتبقي صار اما طائفي اوفصائلي او عنصري بدل ان يكون فلسطينيا وفلسطينيا فقط.

امام هذا الواقع المرير المتمثل بالانقسام الوطني وتوجه دول الاقليم الى الاعتراف بالكيان والتطبيع معه، اصبح لزاما على الفلسطينيين وكممر اجباري ان ينسجوا علاقات اقليمية مع كل القوى القريبة والبعيدة العربية والاجنبية المؤمنة والمشككة التي ما زالت ترى في قضيتنا قضية انسانية وعادلة وتناضل ضد الهيمنة الامبريالية. فهل نحن فاعلون؟

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري