ذاكرة مغارة
ثقافة
ذاكرة مغارة "مراح سلامة", الأمة التي لا تملك ذاكرة تاريخها وحضارتها لا تستحق الحياة\ جورج حدادين
3 أيلول 2022 , 15:30 م


مادبا طائر الفنيق،

مادبا طائر الفنيق، الذي يخرج من الرماد بكبرياء أعمق، واصرار أقوى، وتصميم لا يلين، يخرج ليمضي قدماً في الحياة، ويقدم للبشرية كل ما هو جميل، وللقيم الإنسانية كل ما هو نبيل، بالرغم من جحود رسمي وشعبي تجاهها.

مادبا مدينة الفسيفساء الأولي، مدينة المبدع سلمان المادبي / سلمان الحسباني، صاحب مدرسة الفسيفساء المادبية، سلمان الذي لحق به الجحود، حينما نزعت عنه المؤسسات الرسمية والشعبية، صفته المادبية العروبية، وأطلقت عليه، وعلى حضارة شعبه الغساني العربي القح، مصطلح البيزنطي، كما سبق وأن فعلت مع حضارة أسلافه المؤابيين، حيث أطلقت عليها زوراً وبهتاناً الحضارة الرومانية، خاصة في الجانب المتعلق بقطاع المياه: الحصاد المائي وهندسة المياه، الأبار والبرك التي أطلق عليها مصطلح الرومانية، علماً بأن المملكة المؤابية قد سبقت الإمبراطورية الرومانية بحوالي 1320 عاماً، وتحديداً في الأردن.

مادبا التي عادت إلى الحياة بعد هجرٍ دام 1135 عاماً، نتيجة دمار لحق بها إثر زلزال شدّته، 8 درجات على مقياس رختر، حصل حوالي عام 745 م،

مادبا مدينة الفسيفساء الأولى في العالم، عادت إلى الحياة عام 1880 لتعطي الأردن أول مسرحية وأول غرفة تجارة وأول ...الخ

والكثير من المبدعين في كافة المجالات: الثقافية والفنية والعلمية والاجتماعية والسياسية.

لا نلوم الكوارث الطبيعية على ما فعلته لمادبا، لكن نلوم الإهمال الذي يلحق بها جراء السياسات الرسمية، بل نلوم أبنائها الذين تفرقهم العصبيات البدائية: العشائرية والطائفية والأقليمية والمناطقية والجهوية،

نلوم نخبها العاجزة عن الدفاع عن مصالح وقيم هذه المدينة التاريخية.

مادبا المدينة الأردنية الوحيدة ألتي أبت أن تغير أسمها منذ التأسيس قبل أكثر من 3200 عاماً، ولحد يومنا هذا.

مادبا لا تستحق هذا الإهمال القاهر من المؤسسات الرسمية ولا هذا الجحود من أبنائها.

مادبا أمكم جميعاً لم تفرق بين أبنائها يوماً، أعطت الجميع بحب بلا تمييز، واحتضنت الجميع بحنان الأم، فلماذا تقابل بهذا الجحود من طرفكم؟.

مادبا قدمت عبر التاريخ لهذه المنطقة والحضارة، وهي قادرة اليوم أن تقدم أكثر من أي وقت مضي، لتوفر كافة الشروط والمعطيات لها.

سائلني سائح إيطالي زار هذا المعلم، بينما كنت أسرد له ولصديقته الدنماركية سردية هذا المكان، عن سبب حماسي المتدفق، وأنا أسرد تاريخ وحضارة كهوف " مراح سلامة" ،

كان انبهاره لا يوصف، وكان سردي بشغف وحب لفت انتباهه، وكان جوابي على سؤاله، عن سبب حماسي، أجبته

" تخيل أنك تستعيد شريط تاريخ عمره 27 آلف عاماً، وتعيش بحواسك استمرارية الزمان بتفاعلات خصب الحياة، وصراع الإنسان مع الطبيعة، من أجل تأمين قوت يومه، بعرق جبينه، وتطور فكره وفنه، ونمط عيشه، والتشكيلة الاجتماعية، تأمل، ألا يولّد هذا الشريط السينمائي الممتد فيك مشاعر الإنبهار والحماس؟استمر على انبهاره ثم قال :

هذا المكان لن يغيب عن مخيلتي، أنه فريد على الصعيد العالمي، ولا هذه السردية بخصوص تاريخكم وحضارتكم، نجهلها للآسف، نتيجة تقصيركم أنتم، والذي يمكن اعتباره جريمةً بحق شعبكم،

وسوف لن أتوان عن تعريف محيطي بهذه الحضارة الغنية، وأدعو كل من يزور الأردن إلى زيارة هذا المكان المعلم والسماع لسردية ذاكرة حضارة منسية.

هو شخص إيطالي وصاحبته دنماركية، علقت على هذا الحوار بقولها، بصراحة، لم أكن يوماً مهتمة بالماضي، لا حضارتاً ولا تاريخاً ولا تراثاً، بل أنظر دوماً للمستقبل، هذا حدث فعلياً غير نظرتي للحياة وللحضارة والتاريخ، سوف أعود لبلدي وأبدأ بالبحث عن ذاكرة تاريخي وحضارتي.

قلت لها من لايعرف ماضيه لا يعرف ذاته، ولن يستطيع صنع حاضره ولا مستقبله.

ودعتهم إلى لقاء.

يتبع

المصدر: موقع إضاءات الإخباري