بنبرة هادئة تحدّث السيد نصر الله عن التجاوز الإسرائيلي على حقول النفط والغاز اللبنانية. نبرة هادئة أخفى بها نية الحرب، فالضربة المنتصرة تكون مدّمرة حين تأتي على حين غفلة، وهذا ما يريده زعيم المقاومة.
ليست هذه طبيعة السيد نصر الله حين يتحدث عن تجاوز يتعرض له لبنان. إنه عادةً يغضب ويحذّر، فيلتزم الآخرون الصمت ويقفون على (رجل ونص). لكنه هذه المرة لا يريد أن يضرب مفرزة إسرائيلية، أو يقصف موقعاً عسكرياً، إنه يريد أن يحرق البحر.
لا مجال للشك بأن الصواريخ قد حددت أهدافها، وأصبع السيد على زر الاطلاق. هكذا كانت نظراته الهادئة تقول، لم يكن ينظر الى شاشة التلفاز، كان يحدّق هناك، على الهدف العائم في البحر. فالسيد يراه وحشاً جاثماً على ماء لبنان يسرق كنزه، وسيد المقاومة في حالة كهذه يخفف نبرته. يعطيها شيئاً من الهدوء، لأن صداها سيكون صاخباً، سيأتي بركاناً ثائراً في عمق البحر.
في مرة سابقة، في خطاب يعود الى أكثر من ثلاث سنوات، تحدث السيد نصر الله عن مساعي إسرائيل لسرقة نفط وغاز لبنان، ويومها قال محذّراً إذا حدث ذلك فان المقاومة ستتصرف من دون الحاجة الى قرارات حكومية، لأن المنهوب لبنان وشعبه، ولن نسمح بذلك.
لم يمض الوقت على زعيم المقاومة بالانتظار والتكهن، إنما صرفه بالتخطيط والاستعداد بانتظار اللحظة الحاسمة، وفيها يحدد ساعة الصفر ولحظة اندلاع النار.
خطأ كبير وقعت فيه الشركة اليونانية عندما جاءت تستخرج الغاز من مياه لبنان. كان عليها أن تدرس تاريخ المقاومة اللبنانية قبل أن تركب البحر. كان عليها أن تقرأ كلمات الرجل في خطاباته السابقة، ثم تقرأ نشرات الاخبار بعد ذلك بأيام، لتعرف أن اشارته قرار، وتهديده تنفيذ، وصرخته لهيب نار.
لن تبقى المنصة عائمة، فقبل أن تستخرج برميلاً واحداً من النفط أو متراً واحداً من الغاز، فانها ستتحول الى أشلاء محروقة، الى كومة حديد غارقة في قاع البحر.
كان السيد هادئاً. كان يداري غضب المقاتل خلف جبته، كان يُخفي ساعد المحارب تحت عباءته، لكن أصابعه كانت تتحرك كمن يريد الضغط على الزناد.
لا تناقش يا جيش المحللين احتمالات الحرب. لا تتعبوا أنفسكم بعقد مقارنات القوة، فالمقاومة اتخذت القرار، إنما الكلام في ساعة الصفر. فكّروا بهذا.
هدوء السيد ينبئ أنها قريبة.



