كتب الأستاذ حليم خاتون: أموال المودعين.. من المسؤول؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: أموال المودعين.. من المسؤول؟
25 أيلول 2022 , 16:06 م


من وجهة نظر بعض الخبراء التابعين للمصارف والسلطة الحاكمة، " يتحمل المودع جزءًا كبيرًا من المسؤولية لأنه طمع بالفائدة العالية غير المنطقية، ودفع المصارف إلى إعطاء المزيد من الفوائد للمحافظة على الزبائن الذين كانوا يهرعون من مصرف إلى مصرف آخر طمعا بنقطة او نقطتين زيادة في هذه الفائدة"...

من وجهة نظر هؤلاء، ما قام به المودعون هو نوع من الإستثمار الذي انتهى إلى خسارة؛ لذا، عليهم الخضوع لمبدأ الربح والخسارة في هذا الإستثمار...

في المقابل، ينبري خبراء آخرون لتحميل المسؤولية للمصارف اللبنانية التي طمعت هي بدورها بالفوائد العالية التي كان يعطيها مصرف لبنان، وقررت المغامرة إلى درجة الخروج من دورها المتعارف عليه في النظام الرأسمالي، حيث توقفت إلى حد كبير عن إقراض المؤسسات الاقتصادية، بما في ذلك تلك التي كانت في وضع مالي مقبول جداً، وقامت بتقديم فوائد عالية وغير منطقية للزبائن بهدف جمع أكبر كمية ممكنة من الأموال وإيداعها في المصرف المركزي بفوائد عالية...

فعلت هذا وعينها على أصول الدولة، وكل الآذان لا تسمع سوى تطمينات حاكم المصرف المركزي...رياض سلامة...

الحاكم نفسه يلجأ في تبرير ما فعله إلى أمرين:

أولا، أنه ليس ملزماً بتسديد ودائع المصارف في المصرف المركزي قبل بلوغ الآجال المتفق عليها مع كل مصرف على حدة، وأن الذنب في ذلك يقع على تلك المصارف لأنها لم تنسق بين آجال ودائع المودعين عندها، وبين آجال ما أودعته هي نفسها في مصرف لبنان المركزي، حيث دخلت من تلقاء نفسها في المحظور طمعا بمكاسب سهلة كانت تعتقد أنها مضمونة...

هنا، يبدو كلام الحاكم منطقيا جداً وإن كان المفروض به في هذه الحال اللجوء إلى الأنظمة التي ينص عليها النظام المصرفي الذي يوجب إما مساندة المصارف المتعثرة في حال كان ذلك ممكناً، وإما إعلان إفلاس تلك المصارف ووضع اليد على كل ممتلكاتها وممتلكات أصحابها والمساهمين فيها والمدراء الرئيسيين الذين كانوا يمتلكون سلطة القرار في هذه المصارف...

ثانياً، يقول الحاكم إنه كان مضطرا لمساندة الحكومات لضمان استمرارية سير الإدارات العامة ومنع انهيار هذه الإدارات والمؤسسات العامة معها...

هنا، يجب الإشارة إلى أن الحاكم لم يحترم القانون ولا النظام المصرفي اللبناني، ليس فقط من أجل ضمان سير هذه المؤسسات، بل فعل ذلك حفاظاً على مصالح سياسية تضمن استمرار نفس الطبقة السياسية الحاكمة التي ينتمي هو نفسه إليها، والتي كان يشكل هو شخصياً أحد ركائز هذه السلطة وأحد المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية فيها...

لو كان الحاكم حريصاً فعلاً على سير المؤسسات لكان رفض مثلاً إعطاء سلف لمؤسسة كهرباء لبنان بشكل متواصل خلافاً لكل قوانين النقد والتسليف التي ينص عليها نظام المصرف نفسه...؛ على الأقل إلى أن ترفع هذه المؤسسة تعرفة الاستهلاك لتأمين الكلفة مع هامش ولو بسيط من الربح للسماح بتطوير هذا القطاع الذي كان يدر على الدولة أرباحاً في ايام الزمن الجميل... أيام كانت الحكومات تشتري الذهب لزيادة احتياطات الدولة وتقوية غطاء الليرة اللبنانية، حيث كان معدل سعر صرف الليرة يدور حول ليرتين للدولار الواحد...

عندما تتحدث الأرقام عن خسائر تزيد على ٢٦ مليار دولار في مؤسسة الكهرباء، مع دعم تجاوز الخمسة مليارات يتساءل المرء عن مدى صحة عقل الحاكم!!!...

لكن ما يجمع عليه كل الخبراء دون استثناء، هو أن الطبقة الحاكمة هي أكثر من يتحمل مسؤولية ضياع الودائع وضياع مستقبل الأجيال في لبنان...

طبقة حاكمة كانت تعمل على تمويل تبعية الناس واستزلامهم من المال العام عبر دعم غير منطقي وغير مجدي عمل على رفع مستوى الإستهلاك والتبعية للمنتجات الغربية مع قتل منهجي لكافة المجالات المحلية من صناعة وزراعة وحتى سياحة عبر تسهيل سفر اللبنانيين الى تركيا ومصر وأوروبا الشرقية للسياحة بليرة مدعومة، بدل تقوية المرافق السياحية المحلية وتحويل لبنان الى مركز استقطاب سياحي يحتل مكانة افضل على خريطة المنطقة السياحية...

يقدر بعض الخبراء كلفة دعم الليرة بأكثر من سبعين مليار دولار ذهب معظمها على السفر الى الخارج، وشراء السيارات بدل امتلاك خطط نقل مشترك على مستوى الوطن، ودعم الاحتكارات التجارية والنفطية التي راكمت المليارات في الوقت الذي حرمت الخزينة من فرض ضرائب مباشرة مناسبة على هؤلاء والتوجه دائما نحو الضرائب غير المباشرة التي تطال بشكل أساسي الطبقات الشعبية...

لكن اسوأ ما يمكن أن يدين هذه الطبقة هو تبعيتها إلى الخارج بحيث لم ترى مدى التأثير السىء الذي تتسبب به العلاقات السيئة مع الجار الوحيد الذي يربط لبنان بريا مع العالم، سوريا...

في مقارنة بين اردوغان الذي فرض على اوروبا تمويل جزء من النزوح السوري إلى تركيا، رغم أن قدرة هذا البلد على الاستفادة من النازحين السوريين تفوق بأضعاف قدرة لبنان، وبين الطبقة السياسية في لبنان الذي يرزح تحت نفقات تزيد على ٣٠ مليار دولار سنوياً بسبب هذا النزوح وفقاً لرئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان؛ ترضخ هذه الطبقة الحاكمة لاميركا وأوروبا ولا تقوم بأية محاولة لحل هذه المشكلة وإعادة هؤلاء إلى الديار..

تبين الأرقام أن جزءًا كبيرًا من أسباب تفجر الأزمة الاقتصادية يعود إلى الحرب الكونية التي شنها الغرب على سوريا والتي تواطأت فيها الطبقة الحاكمة في لبنان مع هذا الغرب ضد الدولة السورية...

خلال أحدى عشر عاما من عمر النزوح السوري إلى لبنان، ابتلعت الحكومات اللبنانية أضعاف قيمة أموال الودائع في المصارف لتمويل بقاء النازحين عبئا على الاقتصاد...

بعد كل هذا، يخرج عباقرة مختلون عقليا يتشبثون بالنظام الاقتصادي المتفلت، المسمى زورا نظاما حرا، وهو في حقيقة الأمر نظام يحمي حرية الاحتكار والسرقة المقوننة والنهب غير المباشر لمقدرات البلد وتسخيرها لخدمة الزمرة الحاكمة والسرقة المباشرة لأموال ومدخرات الناس من المصارف وضرب القيمة الشرائية وجعل عمل اللبنانيين اقل حتى من عمل السخرة حيث يتمتع العبيد بالمأكل والمشرب والمسكن على الأقل، بينما يعمل اللبنانيون شهرا كاملاً مقابل بضعة أيام لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة...

المسؤول عن ضياع أموال اللبنانيين هو في الحقيقة هذا النظام القائم على قوانين استغلال الإنسان لأخيه الانسان...

هو نظام تعيش فيه طبقة طفيلية لا تزيد على ١٠٪ من الناس على ظهور ٩٠٪... ثم يخرج من يتحدث عن امتلاء المطاعم والمقاهي بالرواد...

في الازمات يتوجب تكبيل النظام الاقتصادي الحر، كما يتوجب وضع الأمان الاجتماعي فوق كل اعتبار...

في الازمات يعمل القاضي على حبس اللصوص وليس الضحايا كما يحصل في لبنان...

في الازمات يقفل المسؤولون افواههم، وينزلون إلى الحقول والشوارع بدل إدارة اللعب بالدولار، وتلقي ارباح البنزين والمازوت والأدوية وغيرها من الاحتكارات كما يحصل في لبنان...

في فرنسا، قامت الثورة بقطع رؤوس الطبقة الحاكمة...

في بريطانيا مع كرمويل، تم رم الطبقة الحاكمة في السجون...

في لبنان، تجلس الطبقة الحاكمة على ظهر البلد و"تدندل" أرجلها كما الاخطبوط القابض على حياة البشر والحجر...

هنيئا للبنانيين...

لقد وجدها المفتي دون أن يخرج إلى الشارع كما غاليليو...

الحل يا شباب هو بالمحافظة على دستور وإنفاق الطائف والدليل... "قالولو"...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري