ثنائية السلطة والمنظمة\ محمود فنون
مقالات
ثنائية السلطة والمنظمة\ محمود فنون
5 تشرين الأول 2022 , 18:16 م


منظمة التحرير الفلسطينية :

ولد النضال الفلسطيني بعد عام 1948م بمعزل عن المنظمة وقبل وجودها ، وحينما ظهرت المنظمة كانت مرفوضة من القوى الكفاحية الناشئة لجهة انها إطار رسمي شكلته الأنظمة العربية الرسمية من خلال مؤتمرات القمة والجامعة العربية.

وفي عهد الناصرية وتنامي المد القومي العربي ، واتساع نطاق حركات التحرر الوطني في أنحاء العالم المختلفة وانتصاراتها وظهور العديد من الدول المستقلة ، واتساع نظاق الدول والقوى والأحزاب المعادية للاستعمار والإمبريالية كما كان الحال بعد الحرب العالمية الثانية و في أواسط ستينات القرن الماضي وتعاظم دور الإتحاد السوفييتي والصين ومنظمة دول عدم الإنحياز وزعامة جمال عبد الناصر والمد الجماهيري الناصري.

هي إذن فترة نهوض ولذلك استقبلتها جماهير الأمة العربية والشعب العربي الفلسطيني بابتهاج . وكان لخطابات أحمد الشقيري دور كبير في استنهاض الحالة الفلسطينية جماهيريا مما عزز الآمال بتحرير فلسطين . هذا هو حال النشأة بميثاقها وشعاراتها .

من الجانب الآخر ظلت المنظمة عنوانا رسميا ولم تبادر لتأسيس عمل فدائي إلى جانب تراكيبها التقليدية . ويبدو أن مؤسسيها لم يكونوا يستهدفون ذلك بل شكلت جيشا تقليديا تحت عنوان مشاركة الجيوش العربية في حرب التحرير رغم الشعارات التي تحدثت عن الحرب الشعبية .

وبعد أن تم تسليمها للفصائل بعد حرب 1967م ظهرت ثنائية فتح والمنظمة حيث استولت فتح على المنظمة وترأست اللجنة التنفيذية بدور مهيمن . وتفرد رئيسها بالقرارات باعتباره ممثلا لفتح وبصفته هذه كرس هيمنته على فتح التي كان يهيمن عليها واستقوى بفتح على المنظمة واستقوى بالمنظمة على فتح وخاصة بعد أن تفرد بشكل حاسم في المال والقرار المالي وبعد أن أخذت الدول العربية تدفع المال ومزيدا من المال لحساباته الشخصية فأصبح هو الذي يمول ميزانية المنظمة وينفق على خطوط الصرف المتعددة في فتح وهو الذي يدفع حصص الفصائل ويوقفها متى شاء .

لقد أصبحت المنظمة مأسورة للشخص الواحد وفريقه وهو قد ألف حزبه في المنظمة وفي فتح حيث أطلقت الفصائل على الفريق المتحكم بالمنظمة وقرارها المالي والسياسي لقب " القيادة المتنفذة ".

ومن المهم أن نسجل هنا أن كل محاولات إصلاح المنظمة قد فشلت بالرغم من أن المجلس الوطني أقر ما عرف في حينه "برناج الإصلاح الديموقراطي"

وهكذا أصبحت بصمة المنظمة في جيب رجل واحد .

وزاد الأمر خطورة بعد أن اعترفت الدول العربية بالمنظمة ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني لجهة تكريس القيادة المتنفذة وشخص رئيسها ياسر عرفات الذي أصبح جزءا من النظام العربي الرسمي بعد حرب 1973م وبروز ما عرف بالحقبة السعودية وتكريس المد الرجعي العربي في البلدان العربية .

لقد أصبحت المنظمة أداة بيد الرجعية العربية بدرجة لا فكاك منها كما أسلفنا وأصبحت قيادتها موالية تماما لهذه النظم التي أصبحت تدفع الأموال بدون حساب وبما يفوق حاجة المنظمة والفصائل مجتمعة بمرات عديدة وأصبح صرف المال للطالبين والراغبين جزء أساسي من عمل ابو عمار اليومي ويوقع على الطلبات " يصرف له ...ثلاثون ألف دولار ، أربعون ألف دولار.. يصرف له رتبة ملازم ، يصرف له رتبة رائد .." وتصرف النثريات للطواقم الإدارية للمنظمة وفتح وتصرف الإمتيازات وتوزع الرتب لمن يشاء .فأصبحت المنظمة مجرد جهاز بيروقراطي عجزت كل الفصائل عن إدخال أية إصلاحات عليه .

وهي بهذا لم تكن إطارا للوحدة الوطنية وكثرت الإنسحابات وتجميد العضوية فيها في محطات عديدة و كثرت المرات التي جمدت فيها مستحقات الفصائل .

وسياسيا اشتقت خطأ آخر غير الخط التي بنيت من أجله ودخلت دهاليز التسويات بناء على نصائح العرابين وممثلي الصحف الغربية وتوجيهات الحكام العرب الرجعيين والمستسلمين أعداء الثورة والتحرير وذلك منذ عام 1973م بالمعنى الرسمي وعادت وثبتت هذا النهج عام 1974م فيما عرف بالبرناج المرحلى وبهذا أدارت قيادتها ظهرها للمنطلقات الأصلية قبل أن تقطع أي شوط على طريقها وأصبحت أداة مستسلمة وتسعي لترسيخ استسلامها في أوساط الشعب الفلسطين وكانت تدافع عن الهبوط بحماس وقد تجندت حركة فتح والجبهة الديموقراطية والشيوعيين الفلسطينيين كمبشرين للتسويات دون أن يكون هناك أي تسويات .

وكانت الجبهة الشعبية والقيادة العامة والصاعقة( البعت السوري) والجبهة العربية الفلسطينية( البعث العراقي ) ومعهم جبهة النضال الشعبي في طرف الرفض دون فائدة تذكر .

وظهرت حماس في نهاية الثمانينات وكانت صنو نفسها لم تدخل في أطر المنظمة وترفض نهجها وكذلك الجهاد الاسلامي .

وكل هذه القوى لم تضع حدا لا لتفرد عرفات ولا لتفريطه بالمنظمة والقضية معا .

وجاء أوسلو وظهرت ثنائية المنظمة والسلطة .

فالمنظمة هي التي وقعت على أوسلو وتفريعاتها وظل اسمها الرسمي المعترف به من قبل "إسرائيل " وامريكا والدول الاستعمارية والدول الرجعية لفترة طويلة ضروريا لمهمة ذبح القضية الفلسطينية باسمها .

ولكن الجديد وهو ظهور السلطة وهيمنتها على المنظمة ودوائرها ومواقفها .فسلطة الحكم الذاتي تقول أن شرعيتها أتت من المنظمة ولذلك تحتفظ ببصمتها وتستعملها وتستعمل أطرها ودوائرها عند اللزوم وهي التي تنفق على ما تبقى منها من هياكل وتوظف وتفصل وتدير كل شأنها .ورئيس المنظمة هو رئيس السلطة وبالعكس .

لقد ماتت المنظمة مهما كانت النظرة اليها ولم تبق لا رموزيتها ولا صفتها التمثيلة ولم تعد عنوانا للشعب الفلسطيني ولم تعد قيمة لكونها معترف بها : كل شيء فيها هالك إلا بصمتها .

الوحدة الوطنية الفلسطينية

لم تكن المنظمة ولا في أي محطة من محطاتها قيادة مسؤولة عن الفصائل ولا عن أي فصيل في شأنه الداخلى أو مواقفه السياسية أو ممارساته الكفاحية أو علاقاته الداخلية والخارجية ، فالفصائل نشأت مستقلة عن المنظمة وظلت كذلك حتى الآن ، ولم تلعب المنظمة دورا في التسليح أو التدريب أو التخطيط للعمل الكفاحي حتى أنها لم يكن لها أي دور في مجرد إصدار البيانات عن النضال الفلسطيني .

وماذا عن الوحدة الوطنية : ظل هذا مجرد شعار طوال الوقت ولم تتحقق وحدة سياسية وكان الناس يعزون انفسهم ببعض مظاهر الوحدة الميدانية وخاصة في فلسطين إبان الإنتفاضات وكانت تجربة القيادة الوطنية الموحدة تجربة فريدة ولم تعد تتكرر.

وماذا عن الذين يعزفون لحن الوحدة وانهاء الإنقسام وإعادة بناء منظمة التحرير وإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخاب المجلس الوطني الفلسطين من أجل مجابهة العدو وصفقة القرن وضم القدس ومواجهة الإستيطان ...الخ من هذه المعزوفة ؟

جميعهم يتكاذبون !!!!

الوحدة الوطنية تقوم بين قوى مستعدة للكفاح الوطني ولها برنامج كفاحي ولو بالحد الأدنى ومستعدة لمقاتلة العدو وبهدف تحرير الوطن ...

لمن يوجه الزعماء الفلسطينيون خطابهم عن الوحدة والكفاح ؟ كانوا يوجهونه في السابق لياسر عرفات واليوم يوجهونه لمحمود عباس .

أي هم يطالبون محمود عباس بإنجاز هذه المهام بما فيها إصلاح المنظمة ومجابهة خطط الإحتلال والمستوطنين .

لا نقول عنهم " إلا ما يرضي الله " فمحمود عباس يرى المنظمة بخير وكل شيء بخير

فتح

بعد أوسلو انتقلت فتح بقضها وقضيضها إلى الأجهزة الأمنية ودوائر السلطة . ومن هم في دوائر السلطة تم ربطهم بالأجهزة الأمنية . أي أن فتح التي كانت هي اليوم الجهاز الامني التابع للسلطة وعنوانها الرئيسي هو التنسيق الأمني المقدس .لقد نجح رجالات السلطة في تجنيد فتح وآلاف مؤلفة من الشباب الفلسطيى في الداخل والخارج في تابعية الأمن في الداخل وفي الخارج وجميعهم يكتبون التقارير الأمنيىة اللازمة التي تقدّم للعدو في كل شئون الحياة بما فيها ملاحقة كل عناصر النضال الفلسطيني السري والعلني .

ماذا عن المصالحة بين فتح وحماس ؟!!!

هي أمر مستحيل بين هذه القوى الموجودة وكل حديث فيها هو تكاذب متبادل . فيتوجب على حماس أن تعترف بالإتفاقات التي وقعتها السلطة وتلتزم بها جميعها بما فيها التنسيق الأمني من أجل انجاز المصالحة وتقاسم المنافع مع فتح السلطة.

صحيح أن هناك عرابون يعملون لجر حماس إلى مستنقع السلطة وهناك مظاهر وبوادر عديدة عن هنية وخالد مشعل ولكن التدجين النهائي لم يحصل بعد وحماس في القطاع ومعها بقية فصائل المقاومة مسلحون في وجه الإحتلال . كما أن الاحتلال لا زال لا يرضى بمشاركة حماس في السلطة وموقفه أساسي وجوهري .

ماذا عن بقية القوى الفلسطينية :

أغلبها متهالك من زمان: الدميقراطية وحزب الشعب وجبهة النضال الشعبي والجبهة العربية هي مع السلطة ومستوزرون. وقد لحق الجبهة الشعبية ما لحقها . أما حماس فهي لا تفكر بشركاء وهذا نفس نهج ياسر عرفات وهم في القطاع يتفاهمون مع القوى المسلحة في حدود معينة كوحدة ميدانية لا يظهر أنها تبشر سياسيا بشيء آخر .

المصدر: موقع إضاءات الإخباري