كتب الأستاذ حليم خاتون: هل ناقل الكفر ليس بكافر فعلاً؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: هل ناقل الكفر ليس بكافر فعلاً؟
11 تشرين الأول 2022 , 09:06 ص


رغم الرد الروسي الصاعق في الظاهر، بعد عملية تفجير الجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا، لا تزال عملية ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة تحتل الموقع الثاني في نشرات الأخبار وتنافس حتى على الموقع الأول...

كل هذه الأحداث مترابطة وفق نظرية حسني البرازان وغوار الطوشي،

إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في شرق أوروبا، علينا أن نعرف ماذا يجري في شرق البحر المتوسط.. والعكس صحيح طبعاً...

يحاول المرء الدخول الى عمق العقل الأميركي لفهم هذه الأحداث، وفي كل مرة يجد أن الإيرانيين كانوا على حق حين تعاملوا مع هذا العقل على انه الوريث الشرعي للعقل الاستعماري البريطاني الخبيث... يتفوق هذا العقل في خططه الجهنمية على عقول هتلر ومسوليني ونابليون وكل طغاة التاريخ مجتمعين معا...

رغم حماقة ترامب، يظل الرجل في الخطط الإجرامية أهون من الدولة العميقة في أميركا التي تقود العالم هذه الأيام...

لقد استطاعت الإمبريالية الأمريكية دفع بوتين إلى الحائط حتى اضطر الرجل إلى الهجوم على أوكرانيا...

كل التنازلات التي قدمها يلتسين والتي حاول بوتين وميدفيديف والدولة العميقة في روسيا المتمثلة في العسكر تقديمها لهذه الإمبريالية لكي تقبل بروسيا شريكاً وليس مجرد تابع لم تنجح في اقتلاع الخطة البريطانية القديمة العائدة إلى القرن التاسع عشر والتي ترى وجوب تقسيم روسيا كي لا ينتقل مركز الثقل العالمي من الغرب إلى الشرق...

لأن غورباتشوف الساذج وثق بهذه الإمبريالية حين أخذ وعدا بأن لا تتجاوز حدود الأطلسي نهر الأودر في ألمانيا وقام بتفكيك حلف وارسو وتقديم أوروبا الشرقية على صينية من ذهب إلى الأميركيين؛ ولأن المخمور يلتسين كان يعيش داخل زجاجة فودكا، ويفكر من داخل هذه الزجاجة فقط، استطاعت الإمبريالية الأمريكية نسج خططها بعقل بارد لديمومة العصر الأميركي على هذا الكوكب إلى ما لا نهاية...

عملية تفجير الجسر والرد الروسي اختصار لعقلية التدبير والتخطيط في هذا العقل الأميركي...

الذي يعتقد أن المخابرات الأوكرانية هي من خطط لهذا يكون فعلا ساذجا، تماما كما سذاجة الخبر الذي خرج في الصحف الغربية يقول إن المخابرات المركزية الاميركية كانت غاضبة بعد اغتيال الصحافية الروسية إبنة البروفيسور دوغين القريب من بوتين...

كل خطط هذه العمليات تأتي من المركز، وهذا المركز موجود في عمق العقل الأميركي الجهنمي الذي ورث كل خبث العقل الاستعماري البريطاني...

عملية الجسر ليست أكثر من حلقة في مسلسل تغريب أوكرانيا...

وكلما زاد هذا التغريب، زاد غضب الدب الروسي الذي سوف يرد بقوة...

هذا بالضبط ما تريده الإمبريالية الأمريكية...

بالنسبة للعقل الأميركي، هذا هو المطلوب لزيادة الشرخ الذي صار كبيرا جدا بين الشعبين الشقيقين في أوكرانيا وروسيا...

حتى الكنيسة الأرثوذكسية الواحدة تم تقسيمها على يد الأميركيين...

ألم يفعلوا هذا ولا يزالون يفعلون بين الشعوب العربية؟

الاميركيون يتعاطون مع الأمر ببساطة...

هم سوف يكسبون في كل الأحوال حتى لو انتصر الدب الروسي... لقد نجحوا في دق إسفين في الجسد السلافي...

صحيح أن هدفهم النهائي تقسيم روسيا؛ التضحية بأوكرانيا لن يكون سوى خطوة في هذا الدرب... هكذا تخطط الشياطين..

المهم ديمومة الهيمنة الغربية على العالم...

اليوم تقسيم الجسد السلافي، وغدا تقسيم الجسد الروسي...

نفس هذا العقل، هو من اجتمع يوما في مؤتمر كامبل وقرر زرع تلك الغدة السرطانية في أرض فلسطين، والهدف هو ذاته: ديمومة الاستعمار القائم على ديمومة الهيمنة الغربية...

الذي لا يفهم هذه المعادلة، صعب عليه أن يفهم ماذا يجري في شرق المتوسط...

الذي لا يدخل إلى العقل الأميركي، لا يستطيع فهم براغماتية هذا العقل...

هذا العقل الذي استوعب فيتنام بعد الهزيمة الأميركية هناك، وقام بضمها إلى مقتنياته؛ هو نفس العقل الذي استطاع الدخول الى الصين وزيادة الشرخ بين الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية...

هذا العقل نجح ولا يزال ينجح لأنه بعد كل انتكاسة في مخططاته، يخرج دائما بصيغة تسمح له بالبقاء ولو خسر بعض الشيء مؤقتاً...

هذا العقل هو ما جعله يقبل ببعض الخسارة في شرق المتوسط أمام حزب الله طالما أنه لا يزال يمسك بقية الخيوط...

في النهاية، غاز لبنان ونفطه سوف يذهبان إلى أوروبا ويساهمان في تقوية موقع اميركا والغرب في العالم...

أكيد، كان من الأفضل أن يتم الأمر على جثة حزب الله وعلى جثة لبنان التي عمل لها الأميركي طويلاً، ولكن هنا تظهر العبقرية الجهنمية في العقل الأميركي...

لا بأس من إعطاء حزب الله نصف انتصار طالما أن هذا يصب في مصلحة الهيمنة الغربية وتقوية قبضة هذا الغرب الذي يشبه الاخطبوط القابض على كامل الكرة الأرضية...

إذا كنا بهذا كله فهمنا أو على الأقل، استطعنا الولوج في العقل الأميركي، فماذا عن عقل حزب الله الذي يعتبر نفسه منتصرا تماما كما محور الممانعة...

في نظرية غزل السجاد الإيراني يبدو أن حزب الله يتقدم ربما ببطء، لكن بثبات في الصراع ضد هذا الاخطبوط...

الحديث عن حزب الله هو حديث عن جزء من كل، في محور يقل تماسكه كلما ابتعدنا عن المركز...

كل ما يواجه، وكل من يواجه العقل الشيطاني الأميركي هو ممانعة... حتى صار بالإمكان الحديث عن خيوط تمتد من روسيا إلى الصين الى فنزويلا وأميركا اللاتينية، إلى إيران والعالم العربي، إلى إفريقيا ومحاولات التفلت من الاستعمار الجديد الذي يجثم على أجساد كل تلك البقاع...

عقل نظرية غزل السجاد الإيراني يقول بالتقدم ببطء ضمن الإمكان، ولكن بثبات...

لكن هل هؤلاء الممانعون وحدهم من يخطط ويعمل!!؟؟

كما تستغل اميركا الواقع الإيراني وكل بذرة من بذور التفرقة والخلافات الداخلية؛ كذلك الأمر في لبنان، لا بأس من إعطاء هذا البلد شيئا من حقوقه طالما أن كسر قبضته المتمثلة بحزب الله غير ممكنة الآن... لكن العمل على قتل هذا الحزب جار أيضاً بثبات داخل مجتمع منقسم على نفسه وأكثر من نصفه يكره النصف الآخر...

كذلك حزب الله الذي يرضى بالقليل بحكم معرفة أنه ابن هذا المجتمع غير الموحد وغير القائم على أسس متينة...

ربما يخاف الحزب أن يتفكك البلد إن هو لا يتماشى مع حالة التفكك المجتمعي في لبنان!!!

من هنا طرح الحزب لفكرة مؤتمر تأسيسي... لعل هذا البلد يصبح بلدا...

هل يخفى على حزب الله أن هذا الترسيم مجحف بحق لبنان؟

بالتأكيد لا...

في حزب الله عقول لا تقل عن عقول كل الوطنيين الشرفاء الذين يرفضون هذا الترسيم ويطلبون من الحزب الذهاب ابعد من ذلك حتى يصل البعض منهم إلى الطلب من الحزب تحرير فلسطين اليوم وليس غدا...

لكن الحزب يعرف أن الكثيرين من المطالبين بالخط ٢٩، لا ينطلقون من نفس مبادئ التحرر الوطني والقومي... قسم كبير من هؤلاء ربما يمني النفس بدفع حزب الله الى المستحيل ويعتقد أن أميركا سوف تقوم بتدميره حينها...

سمير جعجع وسامي الجميل لا يتكلمون عن الخط ٢٩... هذا ممنوع في المعسكر الأميركي...

لكنهم يعملون ليل نهار على استغلال هذا الترسيم لتخوين حزب الله كما يجري كل يوم وكل ساعة على شاشات الخليج في لبنان...

هؤلاء يتحدثون عن الخط ٢٩، وفي الوقت نفسه لا يتوقفون عن كل المحاولات لكسر القوة الوحيدة القادرة على فرض هذا الخط لو توحد الجميع تحت هذا المطلب الوطني البديهي...

السيدة لوري هاياتيان أو پولا يعقوبيان أو على الأقل نصف أو ثلثي كتلة النواب التغييريين ينظرون في الأمر وعكسه في نفس الوقت...

يطالبون بالحقوق ويطالبون بالقضاء على السلاح القادر على إحقاق هذه الحقوق...

أما مارك ضو، فيمكن اعتباره أشرف ريفي كتلة التغييريين...

كتلة من الكراهية لحركات التحرر في خدمة الإمبريالية مع فرق بسيط...

أشرف ريفي ينتمي إلى فكر الرجعية العربية الآتية من القرون الوسطى، ومارك ضو يحمل مشاعل الليبرالية ويحاول دائما إضاءتها كلما خفت الوهج...

كم يختلف التغييريون الجدد عن أولئك الذين وقفوا في وجه رفيق الحريري وحاولوا منع ما يحصل اليوم، والذي أدى إلى هذا الخراب العظيم...

أين كل هؤلاء من كتلة التغيير مقابل معارضة الدكتور سليم الحص أو زاهر الخطيب أو نجاح واكيم وحتى بطرس حرب...

الفرق شاسع بين الغباء والانتهازية من جهة، والمعارضة العلمية والفكرية من جهة أخرى...

يحاول المرء كما قلنا الدخول الى عقل حزب الله الذي يصر على أن ناقل الكفر ليس بكافر... بينما يحاول المخلصون لفكرة التحرر الوطني والقومي إقناعه بأن بعض نقل الكفر يجعل من الناقل كافرا حتى دون أن يدري...

حليم خاتون 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري