في بلاد الشام مثل دارج يقول، "تمخض الجبل، وولد فأرا."
هذا ما حدث في الأشهر الأخيرة...
مثل قد يكون ثقيلا جداً، وظالما جداً، لكن حركات المقاومة في بلاد الشام على اختلافها، سواء تلك التي زبلها التاريخ، أو تلك التي لا تزال تتخبط في هذا التاريخ؛ كل هؤلاء ينطبق عليهم هذا المثل... هنا، وليسمح لنا حزب الله... "كلهن يعني كلهن"...
لقد وصلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى مستويات من القوة والقدرة على فرض امور على الأرض...
بدل ذلك، وقعت هذه السلطة على "رأسها طب" حين "زحطت" بقشرة موز تم رميها أمامها في صيغة طرح "مشروع الدولتين"...
مشروع لن يتحقق إلا إذا كان الكيان على وشك الانهيار والاختفاء عن الخارطة...
عندها ما هو لزوم الدولتين...؟
هل من إجابة..؟
أللهم، إلا إذا قرر احد ما أن لا "يصير ضربة كف واحدة" بعد التحرير...
لا يمكن لأحد أن يجادل بأن حزب الله قد بلغ من القوة وشدة البأس مبلغا يستطيع فرض معادلات تصل ربما إلى ما وصل الفيتكونغ إليه يوما..
لكن، بدل ذلك، زاد حزب الله على الاخطاء السابقة خطيئة جديدة حين وقف وراء السلطة التي يصر "الشبيبة" في حزب الله على إطلاق صفة الدولة عليها رغم يقينهم أن هذه السلطة هي المسؤولة الأساسية عن انهيار ما كان يمكن ان يكون إمكانية إقامة دولة في لبنان...
قد يعدد حزب الله ألف سبب وسبب لعدم قيامه بهذا العمل أو ذاك، وهو محق في تعداد كل تلك الأمور القبيحة التي تقف في وجه بناء دولة في لبنان...
لكن أي مراقب يستطيع تعداد ألف موقف وموقف خاطئ تبناه حزب الله لعل أهمها أن الحزب لم يستطع تبني مبدأ بناء دولة مدنية والقيام من أجل ذلك بخلق جبهة وطنية عريضة عابرة للطوائف...
حتى اليوم، لا يزال حزب الله غارقاً في مذهبية مقيتة منعت (بالفعل والقول) أن يستطيع هذا الحزب لعب دور تقدمي في بناء هذا البلد...
قد يتذرع حزب الله بالعقيدة الدينية التي تمنع عليه المطالبة بإقامة دولة "علمانية" في لبنان...
"لكن الضرورات تبيح المحظورات"...
لقد كان الشهيد (عبد الخالق؟) محجوب مؤمنا يصلي ويصوم ويطبق الشعائر الإسلامية كلها؛ كل هذا لم يمنع الاستاذ محجوب من أن يكون أمينا عاما للحزب الشيوعي السوداني المتهم بالإلحاد...
تهمة الإلحاد التي تلجأ إليها كل الأنظمة؛ ولسخرية القدر، تلجأ إليها حتى الولايات المتحدة الأميركية "صديقة!! الشعوب الحرة!!...
داعش والنصرة غير ملحدين!!!
لعن الله هذا الإيمان الزائف القائم على قتل وتنكيل ووحشية لم ير العالم لها مثيل في العصور الحديثة ..
أثبت ويثبت مثقفو السودان كل يوم أنهم من أكثر الشعوب العربية امتلاكا لثقافة الأحرار...
في لبنان متعلمون كثر...
لكن ليس كل متعلم مثقف... وهذا ينطبق على مثقفي لبنان الذين استطاعوا مزاوجة التقوى والفساد... وبالأخص بعض أبواق المقاومة الذين يطبلون لها في الخطأ قبل الصواب...
مدنية الدولة هي الحجر الاول الذي تعثر به حزب الله...
ماذا بعد؟
اين تعثر الحزب أيضاً...؟
اليوم على الجديد، خرج الاستاذ سليم عون (حليف حزب الله) "يفلسف" الأمور ويقول إن الخط ٢٣ هو نقطة وسط بين خط هوف الذي يعطي صخرة تخليت تأثيراً كاملاً (١٠٠٪،)، وبين الخط ٢٩ الذي يحرم هذه الصخرة من اي تأثير ( على فكرة، هذا ما يقوله القانون الدولي في البحار والمحيطات، أي أن صخرة تخليت لا تملك أي تأثير لأنها ليست جزيرة وليست مأهولة ولا يمكن أن تكون مأهولة إلا إذا تكرم محمد بن زايد بإنشاء برج من انصاف الغرف فوق بعضها بعضاً في عجيبة معمارية، قد لا تسمح بها الطبيعة إلا بتكاليف خيالية)...
الخطأ الأول الذي يرتكبه الاستاذ سليم عون هو القول إن الخط ٢٣ هو خط لبناني وضعه الجيش...
الخط ٢٣ هو خط اسرائيلي، وضعه الكيان قبل أن يتكرم فؤاد السنيورة ويتخلى، بغباء أو بعمالة، عن جزء مهم من المياه الاقتصادية ويضع النقطة رقم واحد المواجه لمدينة صيدا...
إذا، وقبل اي شيء الخط ٢٣ هو خط اسرائيلي صهيوني من الأساس...
ثانياً، وهنا المصيبة...
كيف يكون الخط ٢٣ خط وسط بين خط هوف والخط ٢٩!!؟؟
ما حصل عليه لبنان بين خط هوف والخط ٢٣, هو حوالي ٣٦٠كلم٢، مقابل التخلي عن مساحة ١٤٣٠ كلم٢ هي المساحة بين الخط ٢٣ والخط ٢٩...
بقدرة قادر جعل الاستاذ سليم عون ال ٣٦٠كلم٢، تساوي ١٤٣٠كلم٢...
وفق قانون حمورابي، الذي يعتبر أول مشرع في التاريخ، يجب قطع رأس سليم عون مع حفظ الألقاب، دون حفظ الرأس..
ببساطة، تخلى لبنان عن ثروات مدفونة سوف تلعننا الأجيال المقبلة لأن السلطة تخلت عنها وظهرها محمي من قبل المقاومة!!!...
وحده قيصر روسيا ارتكب هكذا فاجعة حين باع آلاسكا إلى اميركا وها هي روسيا تلعن هذا القيصر كل يوم...
لكن دعونا نعود إلى المسألة الأساسية...
من منع حزب الله من استعمال القوة التي استعملها فعلاً، ولكن للحصول فقط على جزء صغير من الحقوق...
أول المتهمين هم سمير جعجع، وسامي الجميل، وميشال معوض...
ميشال معوض الذي يريد أن يقسم على الحفاظ على أرض لبنان، وهو قد باع السيادة في هذا البلد منذ أن ربط نفسه بالمال الاميركي القذر الذي يتلقاه لقاء إسقاط شعار قوة لبنان في قوته، وليس في ضعفه...
هؤلاء مع حلفائهم قليلا ما يتكلمون عن الخط ٢٩، هذا إذا تكلموا أصلاً...
لذلك لا يستطيع هؤلاء الحديث عن الخط ٢٩...
حتى كتلة التغيير مع كل سيئاتها طرحت في مجلس النواب مشروع قرار لاعتبار الخط ٢٩ حدودا بحرية للبنان...
لا جماعة جعجع ولا الجميل ولا ميشال معوض ولا أشرف ريفي صوتوا على هذا المشروع...
تلاقى نواب ٨ و ١٤ آذار على بيع البلد... بما في ذلك نواب المقاومة الذين يقولون انهم ضد أميركا... والذين لا يزالون يقسمون بعدم التفريط بحفنة تراب أو كوب ماء من حقوق لبنان...
كل هذا الكلام ذهب في المجاري حيث يجب أن تذهب كل الطبقة السياسية وكل من فرط بالخط ٢٩...
المقاومة مسؤولة أجل؛ لكن ماذا عن الآخرين؟
كل من يريد انتزاع سلاح المقاومة ولا يعطينا بديلا مقنعا من أجل قوة لبنان، هو ليس مشاكس فقط على حزب الله، بل هو عميل بكامل الاوصاف يؤثر سلباً على الحزب ويمنعه من القيام بواجب الدفاع عن كامل الحقوق لأنه يخشى من العملاء الذين قد يخربون البلد ويخلقون فوضى لم يتوانوا ابدا عن افتعالها في أكثر من مرة في الداخل...
دعاة السيادة الناقصة مسؤولون..
لكن من أيضاً؟
حلفاء الحزب التابعين لأميركا تحت الطاولة...
من منع الرئيس ميشال عون من توقيع تعديل المرسوم ٦٤٣٣ ووضع الخط ٢٩ حدودا للبنان...
بل زاد الرئيس عون في التنازل حتى وصل الأمر به أن يخرج في تصريح لجريدة الاخبار يتبنى فيها الخط ٢٣ حدودا للبنان حتى قبل أن يتدخل الحزب... وبصراحة، لو لم يتدخل حزب الله في الأمس، لكنا الآن في خط هوف، ولو لم يكن حزب الله قد نجح في حرب التحرير سنة ٢٠٠٠ لكانت اسرائيل تستخرج الغاز والنفط قبالة بيروت... كما تريد أن تفعل في الجولان هذه الأيام...
ربما وقبل أن تقوم كتلة "قوى التغيير أو السيادة المزعومة، بإلقاء اللوم على حزب الله؛ ربما يجدر بها أن تسأل نفسها ماذا فعلت هي نفسها غير التعدي على القوة الوحيدة التي كانت قادرة على مواجهة إسرائيل...
لا احد يمنع جماعة التغيير من انتقاد الحزب (وجسم الحزب "لبيس")، لكن طلب نزع السلاح الوحيد الذي يقف في وجه اسرائيل له معنى واحد فقط... التماهي مع اميركا واسرائيل...
الحليف الثاني الذي يتحمل مسؤولية أيضاً هو الرئيس بري الذي يقف مع غيره على رأس الدولة العميقة في لبنان...
هذه الدولة العميقة التي نهبت البلد وجعلت من شعبه شعباً جائعا ضعيفا يفتش عن الخلاص بأي ثمن، حتى لو كان ذلك في التخلي عن جزء من المياه الاقتصادية...
طبعا هذا لا يمكن تبريره بأي شكل...
لكننا شعب تاجر يتاجر بكل شيء بما في ذلك المتاجرة بالوطن...
لا يمكن ان يشك أحد بأن الادارة السيئة جداً لمقدرات البلد هي ما يدفع اليوم إلى هذه التنازلات، خاصة وان هذه المنظومة احتفظت بكل ما نهبت دون اي خوف من الملاحقة لأن رجال الدولة العميقة يقومون بحمايتها...
هل من العدل أن يسري قانون عفا الله عما مضى، ويتم تصوير الغاز والنفط على أنهما السبيل الوحيد للإنقاذ وذلك لكي لا تتم أية محاسبة ويفلت المرتكبون جميعا من العقاب...
حزب الله، ودون أن يدري، يسمح لهذه المنظومة بالهروب من المحاسبة، ويمني اللبنانيين باللبن والعسل من غاز ونفط سوف يكون لهما الدور الأساس في أنهاء الفكر المقاوم في لبنان، وفي وضع حد للصراع القومي الوجودي ضد إسرائيل...
حزب الله الذي سمح عبر الدعم الشعبوي الذي أيده ومشى به؛ سمح بهدر ٢٢ مليار دولار في حين أنه كان يقدر أن يفرض إعادة أموال صغار المودعين ما تحت الخمسين الف دولار، وكان يكفي لذلك أقل من عشرة مليارات كان سوف يتم ضخها على ثلاث أو أربع سنوات هي أكثر من أموال صندوق النقد الدولي، وهي كانت كفيلة بمنع الدولار من الارتفاع لأن أصحاب هذه الودائع كانوا سوف ينفقونها على معيشتهم وعلى صحتهم وتعليم ابنائهم...
حزب الله قد لا يتحمل كل المسؤولية، لكنه بالتأكيد بتحمل جزءًا كبيرًا من هذه المسؤولية لأنه حبس نفسه بين أربعة جدران ولم يعرف أن يخرج إلى الشارع بخطاب علمي مدني هادف...
حزب الله يتحمل مسؤولية لأنه ارسل الى السلطة جماعة كانوا أضعف من هذه السلطة في احسن الأحوال، وفي بعض الأحوال كانوا مطبلين لهذه السلطة...
المثقفون لا يستطيعون لوم سمير جعجع أو سامي الجميل أو أمثالهم، لأن أمر هؤلاء مفروغ منه... لا حياة لمن تنادي مع هؤلاء...
المثقفون لا يستطيعون لوم السلطة بكل اجنحتها، الحاكمة أو المعارضة أو الجالسة على التل أو على الرصيف...
هؤلاء هم من خرب البلد...
لكن المثقفين يستطيعون لوم الحزب الذي انتصر وحرر وامتلك قوة فرض التغيير... لكنه ببساطة عجز عن الفعل... عن اي فعل... ليصل في النهاية إلى تغطية خيانة السلطة من أجل حفنة من المال قد تأتي وقد لا تأتي من قانا...
لا نحن لم ننتصر...
نحن بدأنا بدفن روح المقاومة...
نحن تخلينا عن الحقوق وزرعنا هدوءا واستقرارا للعدو الذي كسب كل شيء، كل شيء... وزيادة على ذلك ال ١٤٣٠كلم٢...
حليم خاتون


