كتب الأستاذ حليم خاتون: الإصلاح المستحيل...
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: الإصلاح المستحيل...
4 تشرين الثاني 2022 , 12:28 م


حتى لو كبرت المشكلة، لن تصغر...

الفساد في لبنان مثل كرة الثلج، كلما لف، كبر حجمه...

يجرف معه القوى التي على الأرض، ويجرف الناس أيضاً...

آخر هذه القوى، قوى التغيير والإصلاح...

آخر هؤلاء الناس، أولئك الذين خرجوا أو ركبوا ١٧ تشرين وجعلوا منه مسخرة تاريخية...

الذين يتغزلون بقانون الانتخاب المسخ، ينسون أن الرافعة الأساسية لمن وصل، كان اعتكاف سعد الحريري، وتدفق المال القذر على هؤلاء بدل التدفق كما العادة على ١٤ آذار...

الذين يتمسكون بالطائف يعرفون أن هذا آخر المطاف مع آلة الفساد الضخمة التي تأكل كل شيء بما في ذلك الطائف نفسه...

في لبنان، من أجل الإصلاح، يجب إقامة دولة...

هل يمكن ذلك في لبنان؟

هذا ممنوع من الداخل على أيدي الطوائف والطائفية...

كما هذا ممنوع من الخارج، لأن إيجاد مقومات دولة في الشرق ممنوع من قبل الغرب...

كلب حراسة المصالح الغربية المتمثل بالكيان الإسرائيلي موجود على الأرض، وحاضر لفرض ما يريده هذا الغرب كلما دعت الحاجة...

البخاري الذي جاء أسلافه من بُخارى إلى الجزيرة العربية كما خرج الكثير من الفلاسفة والعلماء، تحول الى سفير الباذنجان... في دولة باذنجان...

محمد بن سلمان الذي يهدم كل الأصنام القديمة، وهذا كان ليكون عملا مشكورا لولا أنه يقيم بدلا عنها أصناما أخرى لا تمت إلى الوطنية أو القومية أو حتى الإنسانية بصلة...

أدواته رأيناها مع الخاشقجي في تركيا ونراها في لبنان مع جعجع وريفي...

من يمتطي نديم قطيش وپولا يعقوبيان وماريا معلوف لا يمكن أن يكون سوى مهووس سلطة... كل همه الفعل بالناس وليس الفعل من أجل الناس...

عودة إلى لبنان...

حتى البرنامج المرحلي الذي قدمته الحركة الوطنية والذي بالكاد لامس أطراف النظام السياسي في لبنان، وحاول بشق الأنفس تمرير نوع من مدنية الدولة؛ حتى هذا البرنامج الناعم جداً لم يتمكن من المرور لا في البلد، ولا في الإقليم...

لم يبتعد البطريرك الراعي عن الحقيقة بعيداً حين وصف هذا الوطن بالشركة...

لم يوضح البطريرك النظام الداخلي لهذه الشركة، ولا تطرق إلى المساهمين الأساسيين الذين يشكلون مجلس إدارة هذه الشركة...

لكن البطريرك الذي يقف على رأس طائفة هي أحد أعضاء مجلس إدارة هذه الشركة، إنما كان يشير إلى بقية الأعضاء الذين هم بقية الطوائف اللبنانية مع الزعامات الدينية والدنيوية من هذه الطوائف...

من أجل إنهاء الحرب الأهلية، تم إعادة توزيع الأسهم على كل المساهمين الذين يشكلون مجلس الإدارة الجديد/القديم...

عادت الشركة للانطلاق تحت إدارة رئيس مجلس إدارة جديد في الشكل، قديم في جوهر المقاولة... يعرف من أين تؤكل الكتف...

على عكس البطل الاسطوري روبين هود الذي كان يسرق من الأغنياء ويوزع على الفقراء؛ كان رئيس مجلس الإدارة الجديد، رفيق الحريري يسرق من المال العام ومن الفقراء ويوزع على الاغنياء الجدد الذين أفرزتهم الحرب الأهلية...

البنود القليلة جداً التي تتحدث عن قيامة دولة القانون في لبنان، تم وضعها على الرف لأن تطبيقها مستحيل...

هناك طبعا حالمون يتحدثون عن وجوب تطبيق الطائف بعد إضاعة ثلاثين سنة دون القدرة على ذلك...

يريد هؤلاء قضاء عشرات السنين الأخرى في هذا الوضع ونحن نحاول تطبيق ما لم يطبق، وما لا يمكن تطبيقه دون دم...

تطبيق هذه البنود القليلة جداً كان يعني القضاء على لبنان الشركة وهذا ما لا ترضى به لا السعودية، ولا اميركا، ولا يرضى به خصوصا المساهمون من ملوك الطوائف...

لم يقم الطائف بالقضاء على كل انجازات فؤاد شهاب فحسب، بل قام بنصب الحواجز الطائفية في كل مكان وفي كل زاوية، بحيث ما أن يخرج أي كان يطالب بأي نوع من الإصلاح أو التطور، سرعان ما تتم محاصرته إما بإدخاله في اللعبة، أو القضاء عليه في حال استحالة نجاح الاستمالة...

عقلية المقاول استطاعت كسب كل الأطراف التي كانت تحمل أي بند إصلاحي وإدخال هؤلاء إلى تركيبة النظام...

قام رفيق الحريري بالقضاء على كل القوى السنية وعلى كل البيوت السياسية من أجل حصر احتكار تمثيل السنة في شخصه، وبالتالي حصر مكاسب التواجد في السلطة عنده وحده...

تم إدخال أمل والاشتراكي والقوات والمردة والقومي وحتى بعض المتمركسين، في نظام توزيع الاسهم ذلك...

طارت اشتراكية كمال جنبلاط على تشوهاتها...

طار هدف بناء الدولة الذي طرحه السيد موسى الصدر...

طارت تعاليم انطون سعادة في الأخلاق...

دخل الجميع إلى الشركة...

آخر الواصلين إلى مجلس الإدارة كان ميشال عون والى حد ما ومع خصوصية خاصة جداً يصعب بحثها باختصار وبتجرد بسبب تداخل عوامل لا تحصى، حزب الله...

يدافع الكثيرون عن ميشال عون تحت حجة أنه تعرض لحروب وضغوط... لكن الحقيقة هي أن السلطة ومكاسب السلطة هي من حوّل ميشال عون من رجل الدولة إلى مجرد عضو جديد في مجلس إدارة الشركة، كل همه يتركز على السطو على أكبر كمية من الأسهم والأرباح في هذه الشركة...

من هنا خلافه مع بقية أعضاء مجلس الإدارة...

الخلاف بين هؤلاء ليس على إصلاح البلد، بل على كيفية تقاسم خيرات هذا البلد، بما في ذلك الغنم والطرش الذين يطلق عليهم اسم الشعب في مغالطة علمية تاريخية يجب على الأقل تحديد ماهيتها في يوم من الايام...

"أفسد كلب، ولا تفسد بني آدم", هو المثل الذي يمكن إعطاءه لتفسير فشل ميشال عون... دخل الرجل إلى وكر العقارب، وتحول إلى عقرب كبير لديه آلاف الأنصار...

كل الخلاف بين المنظومة القائمة وبين الرئيس عون أساسها إصراره على زيادة نسبته من الأسهم على حساب الآخرين، بما يتناسب مع دولة ما قبل الطائف وحتى زيادة كمان...

حتى حين ارتضى إلرئيس عون بالحصة التي تركها الطائف للمسيحيين، أراد الرجل إقصاء كل المسيحيين وحصر المكاسب في شخصه، وفي تياره الذي وضع على رأسه رجل قصير القامة لا يشبه نابليون بونابرت في الشكل فقط، بل في المضمون الديكتاتوري أيضاً...

جبران باسيل يذكرنا بشخصية نابليون في قصة مزرعة الحيوانات لجورج أورويل...

في مزرعة الحيوانات، تتحكم الخنازير بإنتاج المزرعة وتسود على بقية الحيوانات؛ كذلك تفعل الزعامات الطائفية في لبنان... كذلك يفعل جبران باسيل...

لقد وضعت منظومة الطائف الحاكمة في البلد معادلة...

السرقة والنهب مقابل الاستقرار...

أي اصلاح قد يؤدي إلى حرب أهلية...

عندما اتفق ميشال عون وتيار المستقبل على التسوية الرئاسية تم إحياء الثنائية المارونية السنية التي كانت تسيطر على جمهورية ال٤٣ وتقوم بتقاسم مغانم السلطة يومذاك...

اعتقد ميشال عون أن تحالفه مع حزب الله الزاهد في مغانم السلطة سوف يسمح له بعدم مشاركة حركة أمل في هذه المغانم...

كل الخلاف بين التيار العوني وحركة أمل ناتج عن محاولة إقصاء هذه الحركة عن مكاسب السلطة عبر ثنائية توهم جبران باسيل أنه قادر على استنساخها...

في خلاف عون وجعجع، لا وجود للمبادئ والأخلاق في كل هذا الخلاف... كل القصة هي في تربص كل منهما بالآخر في استمرار لحرب الإلغاء السابقة التي يبدو أن المسيحيين يعيشون فيها منذ أن استوطنوا لبنان قادمين من كل بلاد المشرق العربي...

تنحصر كل المسألة في خلاف الطرفين على تقاسم المغانم المخصصة للمسيحيين... هذه هي خلاصة خلاف عون وباسيل من جهة وجعجع والبقية من جهة أخرى...

أما الحديث عن الإصلاح ومحاربة الفساد وغير ذلك، كل ذلك لا يعني شيئا... هي مجرد كلمات في قاموس تخدير الناس وسوقهم إلى الذبح دون حتى أن يدروا...

سبب كل الخلافات ينحصر في المغانم...

كل فريق يملك جمعا لا بأس به من الأغنام للتصفيق أو الهجوم أو الدفاع...

جموع من القطعان تعيش في علب ختم عليها بالطاعة للسلطان وعدم رؤية غير ما يوجد داخل هذه العلب...

في احدى المقابلات، يقول الإعلامي شارل أيوب، صاحب جريدة الديار أن رجل النفط اللبناني الملياردير الشاغوري عرض على ميشال عون مليار دولار مقابل الموافقة على القبول بتسوية سليمان فرنجية في الدورة السابقة...

يعتبر البعض أن هذا دليل على نزاهة الرئيس عون الذي رفض العرض...

ليس في الامر أي نزاهة...

رئيس الجمهورية يستطيع فقط من مراسيم التجنيس نهب مئات الملايين من الدولارات... هذا ما فعله ميشال سليمان... وهذا ما فعله قبل ذلك رفيق الحريري والياس الهراوي وميشال المر...

آخر مراسيم التجنيس ضم أربع آلاف إسم...

أيام امين الجميل كان ثمن كل جواز سفر لبناني حوالي خمسين ألف دولار على ذمة ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية...

حتى لو فرضنا أن ميشال عون حافظ على نفس التسعيرة، يكون المبلغ ٢٠٠,٠٠٠,٠٠٠ دولار...

هذه عملية تتكرر كل سنة خلال ست سنوات من عمر الرئاسة...

على القارئ تخيل ثمن كل صوت في مجلس النواب في انتخابات الرئيس، أو في أمور أخرى...

ألم يقل غسان سعود أن وزراء باسيل صاروا في جيب ميقاتي...

ألم ينقلب شارل رزق والياس المر على الرئيس لحود ويدخلوا جنات الرياض وجدة...

لبنان شركة مساهمة غير محدودة...

كل شيء في هذه الشركة معروض للبيع، بما في ذلك العٍرض والشرف الرفيع...

هذا ما قامت فرنسا بتأسيسه سنة ١٩٢٠...

هذا ما كرسته جمهورية ال ٤٣...

هذا ما ثبته الطائف...

أيها اللبنانيون، كفوا عن النواح والبكاء...

كفوا عن العمى في رؤية حقيقة انكم لستم أكثر من قطعان في هذه الشركة...

إذا أردتم الحرية فعلا...

إذا أردتم أن تكونوا أحرارا في وطن...

الطريق الوحيد هو حل هذه الشركة، وسوق كل اعضاء مجلس إدارة هذه الشركة إلى محاكم ميدانية حتى لو خربت البصرة...

من يبحث عن الاستقرار في العبودية، عليه أن يقفل فمه ولا يشتكي...

في دولة الباذنجان...

لا يستطيع شعب الباذنجان تغيير لونه...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري