فرشة وقيدام؛
بلاد الشام (( سورية)) منها حاول الحثيون الانقضاض على مصر الفرعونية وعبرتها الجيوش الفرعونية لقتالهم على الحدود التركية ، من سوريا مرت جحافل الفرس للاستيلاء على مصر، ومنها انطلق رسل المسيح في ارجاء الامبراطورية الرومانية يبشرون ويحملون بشارة الخلاص من العبودية والاضطهاد ، من بلاد الشام زحف الجيش العربي بقيادة معاوية وعمر بن العاص لفتح مصر ومن بعد الشمال الافريقي، من بلاد الشام توجهت جحافل التتار للسيطرة على مصر وعليها تكسرت رماحهم وهزم جيشهم في معركة عين جالوت على يد الجيش المصري، في بلاد الشام وحد الايوبيون الجيوش العربية وهزم جيش صلاح الدين الصليبيين في معركة حطين .انها سورية التي اخترعت الابجدية وعلمت العالم زراعة القمح وصنعت اول الة موسيقية .من دمشق عاصمة الامويين امتدت الحضارة العربية - الاسلامية الى الاندلس وجعلتها منارة للعلم والمعرفة. من بلاد الشام عبرت الجيوش العثمانية على جثث وجماجم المقاومين في مرج دابق واستولت على مصر والشمال الافريقي ودانت لها شبه الجزيرة العربية . انها سورية التي استهدفتها اتفاقية سايكس - بيكو ووعد بلفور . لان سورية هي العروبة واللغة العربية والشعر والفن والحضارة والعلوم والمعرفة وموطن الخيول العربية الاصيلة وفوق كل ذلك لانها
" كوكتيل" العيش المشترك لكل الاجناس والناس على اختلاف اديانهم ومذاهبهم والذي اضفى عليها الالوان الزاهية البهية وعطر الياسمين والرياحين ولانها احتضنت كل المقاومين في اقسى الظروف ولان قناتها من خيزران تميل ولا تنكسر امام العاصفة، ولانهاشعرة معاوية التي لا تقطع، ولانها كانت وستبقى قلب العروبة النابض كما اختبرها الامويون وعبد الناصر ، واكبر حاملة طائرات ثابتة في الشرق الاوسط كما وصفها هنري كيسنجر، ولانها معراج كل المقاومين والعابدين الى السماء ولانها دولة الطوق الوحيدة التي لم تطبع مع الكيان .كانت سورية ولا تزال الهدف المستهدف لحلف العدوان الثلاثي (( المركز الامبريالي- الكيان الصهيوني - الرجعية العربية)).
تقاسمت قوى العدوان الثلاثي الادوار ووفرت كافة التجهيزات العسكرية والاستخباراتية والامنية والمالية واجهزة الاعلام المساند وحشدت الدول والاحزاب المتساوقة معها في اطر ومنابر التي كان اهمها ما سمي " باصدقاء سورية" ولكي لا يفشل عدوانها على سورية قامت بعمل بروفا تجريبية
DRESS REHERSAL
او دعنا نسميها " مناورة بالذخيرة الحية" في تونس وليبيا ومصر شاركت فيها كل انواع الاسلحة والدعم اللوجستي والاعلام والجامعة العربية التي اضفت الشرعية على احتلال الناتو لليبيا .بعد هذا النجاح قامت قوى العدوان بقذف كرة النار الجهنمية الارهابية بوجه الدولة السورية لاسقاطها والقضاء عليها وتقسيم سورية على اسس عرقية وطائفية خدمة للمشروع الصهيوني وعرابه برنارد ليفي ربيب برنارد لويس الذي كان اول الواصلين الى مطار بنغازي بعد القضاء على الدولة الليبية . كانت القيادة السورية على وعي كامل لاهداف العدوان وكانت تدرك تماما ان المعركة طويلة وشرسة وشاقة لانها معركة يديرها خبراء الناتو والكيان من غرف عمليات عسكرية واستخباراتية انشأت لهذا الغرض في دول الطوق السوري تحت مسميات مختلفة واهداف معلنة ووضعت دول البترول والغاز المليارات تحت تصرفها واشتركت حركة الاخوان المسلمين العالمية في هذا العدوان مع خليفتهم اردوغان لخلع ثوب القداسة الاسلامية على هذا العدوان. ضخت غرف العمليات عشرات الاف الارهابيين من كل اصقاع الدنيا مع عتادهم ومعداتهم التي شملت المدفعية الثقيلة والمدرعات والدبابات والمصفحات والشاحنات وسيارات الدفع الرباعي والمعدات اللوجستية لحفر الخنادق والانفاق واجهزة الاتصالات المتقدمة والمعقدة. ادارت الدولة السورية معركتها بحكمة وصبر ودهاء وصمدت بوجه العدوان وحافظت على هيكلها وعمودها الفقري وقلبها وقالبها وبقيت الدولة السورية العميقة سالمة ومعافاة مما اضطر امريكا لحشد الاساطيل في المتوسط وقامت بقصف القواعد الجوية السورية وشنت غارات على القوات السورية وقوات حزب الله الذي انخرط في معركة الدفاع عن سورية قاعدته الخلفية .تقدم الصديق الروسي الى الميدان وتموضع عسكريا في سورية بعد ان نجحت قوات داعش صنيعة الامريكان في الاستيلاء على عدة محافظات عراقية وخاصة تلك المجاورة لسورية وتقدمت واحتلت مساحات شاسعة من سورية بمساندة امريكية واحتلت القوات الامريكية مناطق محددة في شرق الفرات بذريعة محاربة داعش واستولت على حقول النفط والثروة الزراعية والحيوانية وشاطرت داعش في بيع النفط السوري لتركيا. لم تهبط القوات الامريكية بالمظلات على الارض السورية بل انطلقت من قواعدها في العراق المحتل ، وتقلع طائراتها الحربية من القواعد الجوية في العراق ودول الجوار.
ان من اهم النتائج والتداعيات التي افرزتها الحرب على سورية هي التموضع الروسي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط ممثلا بالقاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية في حميميم والتموضع الايراني في سورية حتى تخوم المتوسط، وتعتبر سورية القاعدة الخلفية لحزب الله ومخزن صواريخه ومعداته. وهي حلقة الوصل بينه وبين الفصائل العراقية التي تعمل كرافد بشري ومادي للفصائل المتواجدة في شرق سوريا وخاصة منطقة الميادين والبوكمال وصولا الى دير الزور..على الرغم من تحرير مدينة البوكمال ووصلها مع مدينة القائم العراقية الا ان ايران والعراق وسوريا وفصائل المقاومة لا تستطيع تامين التجارة البينية بينها والامداد العسكري ما دامت القوات الامريكية موجودة في العراق كقاعدة ارتكاز لقواتها في شرق الفرات حيث قوات قسد الانفصالية والتي تستخدمها امريكا كسيف مسلط على عنق سورية. وتحتل حقول النفط وتسرق منتجاتها وتنهب الثروة الزراعية والحيوانية وبذلك تحرم الدولة السورية من توفير الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الطاقة ، كما تحرم الشعب السوري من مقومات ومستلزمات العيش الكريم..
لو قمنا بعملية تقييم جدلية سريعة قائمة على فرضية (( ماذا لو فقد ايوب السوري صبره، وانتفض على الاوضاع المعيشية المزرية.؟ )).حيث الفقر المدقع والعوز والاذلال حيث يشاهد بام عينيه تكالب العرب ضده مع الامريكان في الحصار والعقوبات كما انه يحس يوميا بوطأة تجار الحروب والبيروقراطيين الذين يزيدون من معاناة الشعب السوري والتعدي على كرامته. اذا كان كل هذا الصمود للشعب السوري ودولته لم يحرك ساكنا للقوى الدولية والاقليمية وفصائل المقاومة التي لولا سورية وصمودها وتضحيات شعبها لما كان لها هذا الحضور الاستراتيجي والنفوذ السياسي. فما هو الخيار الذي ابقوه للشعب" ايوب" السوري سوى التخلى عن صبره الذي اوشك ان ينفذ .ان سورية القلب النابض للعروبة تخلت عن الوحدة مع مصر وكان اهم اسبابها هو تعالي ضباط الجيش المصري على ضباط الجيش السوري الاعلى منهم رتبة بعد ان حمل السوريون سيارة عبد الناصر على اكتافهم في بداية الوحدة. والعروبة الان ليست اعز من الوحدة بعد ان صارت العروبة سبة في عصر التطبيع والربيع. ان كرامة وعزة الشعب السوري الان فوق كل اعتبار.
وبناءا على الفرشة والقيدام اعلاه فاننا نلفت نظر روسيا والصين وايران وفصائل المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين الى اعادة النظر في تعاملهم مع سورية ومع الاحتلال الامريكي لشرق الفرات. لقد اصبح لزاما على هذه الاطراف اكثر من اي وقت مضى ان يكون هدفهم الاستراتيجي (( اشعال الارض تحت اقدام الامريكان الذين يحتلون العراق وشرق الفرات والتنف .لقد ملأت الفصائل العراقية الدنيا صياحا وصراخا وهي تتوعد وتهدد الامريكيين بجعل العراق جحيما لا يطيقونه وانهم سيثارون لمقتل سليماني والمهندس .كما هدد وتوعد سماحة السيد حسن نصر الله ووضعهم امام خيارين لا ثالث لهما(( اما الخروج العمودي او الخروج الافقي)) .لقد خرجت جائحة الكرونا بالتطعيم فمتى يا سادة محور المقاومة تخرجون الجائحة الامريكية بالنار والتلغيم؟
ان منظري حلف المقاومة كانوا وما زالوا يقولون لنا : - ان الكيان وامريكا وتابعيهم يريدون الحرب ولكنهم يخشونها ، ومحور المقاومة لا يريد الحرب ولكنه لا يخشاها ، وقد اعد واستعد لها)) .وبما ان امريكا ومعها الناتو تواجه صراعا مع روسيا والصين والقوى الاسيوية الصاعدة للحفاظ على تفردها في قيادة النظام العالمي وان قبضتها قد ارتخت حتى عن اقرب حلفائها فلماذا نطرح عليها نصف حرب ونصف تفاوض ونحن نعلم ان الامبراطوريات لا قلب لها ولا تعرف الرحمة وانها لا تموت على سريرها وفراشها ولكنها تموت في الميدان.
انها الان تشن حربا على ايران والرد الايراني ليس قائما على نصف حرب ونصف تفاوض انها قلب محور المقاومة ولديها امكانات هائلة .ما هو موقفكم في حال فقد ايوب السوري صبره وتقدم الامريكي واعوانه للاستثمار فيه والبناء عليه ونحن نعرف ان سورية منهكة ومتعبة من ظلم ذوي القربى والاعداء. ان الوقت ليس في صالح قوى المقاومة فان لم نقطعه فسوف يقطعنا جميعا
فلنكن نار هذه الحرب واوارها
وان تاخرنا سنكون هباءها ورمادها
وستذرونا الرياح
وبعدها لا ينفع اللطم والنواح.
م/ زياد ابو الرجا