أنت تكسب وأنا أكسب شِعار القمة الصينية الخليجية
مقالات
أنت تكسب وأنا أكسب شِعار القمة الصينية الخليجية
مها علي
9 كانون الأول 2022 , 20:00 م


الكاتبة : مها علي

انطلقت اليوم القمة الصينية الخليجية لتكون إحدى ثمرات سياسة أنت تكسب وأنا أكسب,

وفي كلمة لولي العهد السعودي والرئيس الصيني اليوم, وصف ولي العهد محمد بن سلمان أن ما يحدث هو انطلاق تاريخي جديد وتحدث عن أهمية تنسيق وجهات النظر إقليمياً ودولياً مع الجانب الصيني وأشار إلى تنوع واضح تضعه منطقة الخليج نصب أعينها, فهي لا تريد فقط الطاقة بل تريد التعليم والتكنولوجيا.

وبدوره الرئيس الصيني شي جينغ بينغ تحدث عن الثقة المتبادلة بين الجانبين الخليجي والصيني وتحدث عن موضوع CIPS النظام البديل لنظام سويفت العالمي أي (نظام المدفوعات) وهذا الموضوع أصبح ذو أهمية كبيرة بعدما تعرضت روسيا لإخراجها من نظام سويفت العالمي, وهو الموضوع الذي سيحرض المخاض لأجل ولادة النظام العالمي الجديد.

فماذا يريد الرئيس الصيني من الدول العربية وبالمقابل ماذا تريد الدول العربية من الصين؟ ويمكن العمل على توسيع السؤال إلى ماذا يريد الرئيس الصيني من منطقة الشرق الأوسط والتي تشمل العرب وإيران وتركيا, فمن الواضح أن الأولوية الهامة للصين في سياساتها الخارجية هي الحفاظ على مستويات نمو مرتفعة, هذا يعني أنه يتوجب عليها تحقيق تنمية اقتصادية بشكل مستمر, بحدود 5% إلى 6% سنوياً, لأجل تأمين حياة جيدة للشعب الصيني الذي يبلغ مليار وأربعمئة مليون نسمة,

وإن تحقيق هذا النمو المستمر يتطلب الحصول على أكبر كمية من المواد الخام, وعلى رأسها البترول والغاز لتشغيل المعامل الإنتاجية الأكبر في العالم, كما يتطلب من الصين تأمين أسواق لبيع هذه المنتجات من (ألبسة وأدوات كهربائية وتكنولوجيا), ومنطقة الشرق الأوسط تؤمن لها هذا.

وبالنسبة للدول العربية فهي تريد كل شيء, ولكن الأولويات بالنسبة لدول الخليج هو مساعدتها على الإنتقال من اقتصاد الطاقة إلى اقتصاد متنوع, لأنها تعتمد بشكل كبير على عوائد البترول والغاز, وربما هو العائد الوحيد لها, وهذا العائد ربما يتم الإستغناء عنه بعد عدة سنوات بسبب وجود الطاقة البديلة وهي الطاقة النظيفة أي الاعتماد على طاقة الشمس والرياح والهيدروجين.

إذاً دول الخليج تريد أن تصبح انتاجاتها خدمية وصناعية, وهذا الاقتصاد يحتاج إلى الخبرات والمعرفة والتكنولوجيا التي تساعد على تنويعه, والصين تقدم لها كل هذا لأجل بناء بنية تحتية كاملة متطورة من مطارات وموانئ وطرق وشركات اتصالات وشبكات انترنت متقدمة, وبما أن الصين هي أكبر مستهلك للغاز والبترول الصادر من دول الخليج هذا يعني أنها ستدفع نقداً بدل النفط والغاز, وهذا النقد سوف يتم استخدامه في تنويع اقتصاد دول الخليج بكفاءة وبأسعار وشروط مقبولة.

ولكن إن تساءلنا وقلنا أن الغرب لدية هذه التكنولوجيا المتطورة فلماذا تتجه دول الخليج إلى الصين؟ نقول أن الإجابة تكمن في أن الصين لديها استعداد أن تشارك الدول الصديقة بشروط مقبولة على عكس الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين الذين يضعوا شروط شبه تعجيزية,

مثلاً (إذا أرادت دول الخليج الحصول على هذه التكنولوجيا عليا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني, ومثال آخر عليها أن تغير قوانينها بما يتناسب مع قوانين الولايات المتحدة وثقافتها وعقائدها ايضاً أي يجب أن تتعاطف مع المثليين الجنسيين وتقونن زواجهم وذلك بهدف تدمير الأسرة في الإسلام والحديث هنا يطول..)

ولا يخفى على أحد أن الصين أصبحت تملك تكنولوجيا أكثر تفوقاً من التكنولوجيا الغربية, وهذا ما يعترف به أغلب مراكز الغرب ومنها مركز بلفر للعلوم والعلاقات الدولية التابع لجامعة هارفرد أصدر تقريراً من عدة أيام يقول فيه أن الصين فعلاً حلت محل الولايات المتحدة كأكبر منتج للتكنولوجيات المتقدمة, وأولها الذكاء الصناعي, الشرائح الإلكترونية, وشبكات الجيل الخامس من الإتصالات, وهذا المركز يتوقع أن تتفوق الصين اقتصادياً على الولايات المتحدة خلال أقل من عشر سنوات,

ونستطيع القول أن الشراكة الصينية العربية بدأت بالتسلل منذ عدة سنوات

وآخرها كان أن أبوظبي قامت بتوطين صناعة وتركيب سيارة كهربائية بتكنولوجيا صينية في شهر تشرين الأول الماضي, كما أن شركة الإتصالات هاواوي (الجيل الخامس) انتشرت في غالبية الدول العربية رغم تحفظات الولايات المتحدة الأمريكية, إضافة إلى أن مشروع مدينة نيوم السعودية المخطط بناءها مستقبلاً تعتبر الصين هي شريك رئيسي في إدارة هذا المشروع وهو أهم مشرعات المملكة العربية السعودية حالياً لأجل أن تقوم بتعريب تكنولوجيا الذكاء الصناعي,

علاوة على ذلك دخلت الصين على الجانب العسكري والأمني,

وعلى سبيل المثال عام 2016 بعد بدء الحرب على اليمن لجأت الإمارات والسعودية إلى أمريكا وطلبت الطائرة الدرونز (بدون طيار) لكن أمريكا رفضت إعطائهم فاضطرت السعودية والإمارات إلى التوجه نحو الصين وفعلاً تم التعاقد على أخذ هذه الطائرات, ولكن السعودية قامت بخطوة أبعد وهي أنها تعاقدت مع الصين أثناء زيارة الملك سلمان إليها عام 2017 على توطين صناعة هذه الطائرات وإنشاء مصنع لها.

والخلاصة تبدو الشراكة في هذه المرحلة شراكة مثالية جداً, فالصين تدفع لتأخذ المواد الخام من المنطقة العربية ثم تسترد هذه الأموال حين تبيعها لهم بعد تحويلها إلى تكنولوجيا متنوعة متطورة فهي مستفيدة جداً وكذلك العرب, وهذه هي سياسة أنت تكسب وأنا أكسب,

ولكن إن تساءلنا ماذا تعني هذه الزيارة للولايات المتحدة الأمريكية؟ فالجواب ببساطه أن الصين تريد سحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط, فالحضور الكبير للصين في المنطقة عبر مشروع الحزام والطريق والتغلغل الإقتصادي في جميع الدول من المحيط الهندي إلى الخليج, جميع هذه الدول قامت بالتعاقد بمليارات الدولارات مع الصين, بالمقارنه نجد أن الولايات المتحدة لديها أزمات مع كل دول المنطقة(إيران وتركيا والعرب ككل) حتى أن الكيان الصهيوني عمل على تقوية علاقاته مع الصين, فالأخيرة تحقق أهدافها ببطء عبر شِعار (إهزم عدوك قبل أن يعرف أنك تحاربه).

والقمة العربية الصينية الآن تثير خوف أمريكا, وذلك من خلال التكامل الحاصل بين الصين والدول العربية والتنسيق بينهما, ونذكر بأن تمويل الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا استند على الصين التي لم توقف استيراد النفط والغاز منها, واستند على السعودية التي قامت بتخفيض انتاج النفط الذي ساهم في رفع أسعاره وبالتالي تمويل روسيا في هذه الحملة العسكرية, والأكيد أن تايوان أكثر أهمية من أوكرانيا وذلك لأنها تقوم بتصنيع 90% من الرقائق الإلكترونية الأكثر تطوراً والتي تدخل في تصنيع الأسلحة والمعدات الثقيلة, وبالتالي إن قامت الصين بضم تايوان والسيطرة عليها سوف تسيطر على التكنولوجيا في العالم كله.

وفي الختام ورداً على هذه القمة العربية الصينية والتي تنذر بولادة نظام عالمي جديد, قالت وزارة الدفاع الأمريكية على لسان الجنرال مارك ميلي قائد هيئة الأركان المشتركة في مؤتمر صحفي : أنها لن تسمح بأن تقوم الصين بضم تايوان إليها, موضحة أن الحرب على الورق تختلف عن الحرب على أرض الواقع, وإن قامت الصين بذلك فسوف يكون خطأ سياسي و جيوسياسي, واستراتيجي, فهل ستبدأ الحرب العالمية الثالثة على أرض الواقع؟   

المصدر: موقع إضاءات الإخباري