"لا تشكو، كي لا انفجر بكاءََ"...
يشكو الكاتب خالد بركات في مقالة في جريدة الأخبار من وضعية القوى التي من المفروض أن تكون رافعة حركة التحرر العربي...
يسترجع الكاتب كلمات غسان كنفاني في بيروت غداة هزيمة حزيران، وتحميله مسؤولية النكسة، ليس فقط للأنظمة العربية، ولكن، وبشكل خاص، للأحزاب القومية واليسارية التي، بعد عقدين من النكبة، لم تكن قد شكلت حالة جماهيرية كافية ومستوفية الشروط لقيام حركة تحرر وطني فعلية...
هذا ما كان الوضع عليه أواخر الستينيات من القرن الماضي...
ماذا عن اليوم؟
يجيب الكاتب نفسه متسائلاً، ماذا لو عاد غسان كنفاني اليوم؟
بعد سبعة عقود من النكبة؟
الأحزاب القومية والأحزاب اليسارية في وضع أسوأ مرات ومرات عما كان الوضع عليه في الستينيات...
حتى الجبهة الشعبية التي كانت رائدة في عنوان الكفاح المسلح، تخلت عن مواقعها ذاتياً وموضوعيا للتيار الديني الذي يبدو أن أعلى سقف عنده يقف أحياناً عند عتبة أردوغان، وأحيانا قليلة جداََ، لا يصل حتى إلى مستوى العداء الفقهي الذي تحمله إيران تجاه مسألة وجود إسرائيل من الأساس...
بصراحة، لولا بعض الأحزاب الدينية، لكان لبنان قد التحق بفلسطين، ولكانت داعش والنصرة تسوق الناس إما إلى الذبح أو إلى أسواق العبيد لتُشحن بالسفن إلى مزارع القطن الأميركية كما كان الأمر مع موجات شحن الأفارقة قبل مئات السنين...
هل في هذا مبالغة؟
الوضع اسوأ من ذلك بكثير...
ربما كانت اختلفت الصورة، لكن النتيجة واحدة...
قد لا يساق الناس عبيدا إلى مزارع القطن الأميركية...
لكن الحروب الإمبريالية وانصار جاهلية ابن تيمية تكفلوا بأزمة لجوء أفرغت العراق وسوريا من النخبة المتعلمة وتركت الشارع في أيدي منظمات يقال انها غير حكومية، لكنها بمعظمها مأجورة إلى حد الإرتزاق من أعداء الأمة...
أحزاب اليسار والقومية العربية في لبنان إما في براميل الخل، أو في احضان الإمبريالية عبر منظمات "غير!" حكومية تنتشر في الوطن العربي كما ينتشر الفطر في الغابات...
ألم تسقط اميركا عادل عبد المهدي في العراق عبر المرتزقة من تلك المنظمات في الشارع؟
ألا تحارب الإمبريالية الفكر المقاوم في لبنان، عبر مرتزقة تلك المجموعات الذين استولوا على شارع ١٧ تشرين بفضل غباء جزء من قيادة المقاومة التي تخلت عن الناس وعن إمكانية الثورة والتحرر الوطني الذي كان بحاجة إلى رافعة، مُنعت عنه بقوة الدين والخوف من فتنة لن تنتفي ولن تزول ابدا، لا غدا، ولا بعد غد...؟
في زمن الاتحاد السوفياتي، على كل العلل التي عرفناها عن ذلك النظام الخنفشاري الذي حكم باسم كارل ماركس، لكن لم يقدم للبشرية ولشعوب تلك الجمهوريات السوفياتية سوى التخلل في التخلف والديماغوجية...
في ذلك الزمن، كان الشيوعيون العرب يحملون المظلات عندما تمطر في موسكو...
اليوم ضاع هؤلاء...
كان التخلف السوفياتي مرجعهم...
تفكك الاتحاد السوفياتي ولم يورثهم إلا التخلف والبؤس الفكري...
كم من الشيوعيين قرأ وناقش كارل ماركس، بدل خزعبلات منشورات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي؟...
كم من الشيوعيين العرب قاتل اسرائيل كما فعل حزب الله أو حتى حماس والجهاد على علاتهما...
هل إيران دولة بوزن الاتحاد السوفياتي؟
رغم هذا، قدمت إيران لحركة التحرر العربية أضعاف أضعاف ما قدمه الاتحاد السوفياتي الذي كان منخورا بالسوس من كل الجوانب...
العلة يا رفاق، هي في الفكر الذي لا يعرف حتى اليوم كيف يبني حركة تحرر وطني كما فعل الحزب الشيوعي الصيني الذي حرر الأرض وبنى ثاني اقتصاد في العالم خلال سبعة عقود بينما لا يزال الشيوعيون العرب يردحون في احضان الأنظمة أو المنظمات التابعة للغرب الذي يسعى إلى تغريبنا بعيدا عن ثقافتنا وعن حضارتنا...
لمن لا يريد الاعتراف بأن مأساة روسيا المعاصرة كان في الحزب الشيوعي السوفياتي، عليه التذكر فقط أن الأوكراني خروتشيف هو من سلخ شبه جزيرة القرم عن روسيا وأتبعها لأوكرانيا، وإن لينين هو من سلخ الدونباس عن روسيا وضمها لأوكرانيا...
وعبقرية المخمور يلتسين ناتجة عن كونه أحد قادة الحزب الشيوعي الذي لم يكن أكثر من تجمع كل الأفاقين والانتهازيين الذين قاموا بنهب ثروات الشعوب السوفياتية عبر الخصخصة التي قاموا بتنفيذها مشاركة مع وكلاء روتشيلد الذين يسيطرون على النظام المالي العالمي...
لذلك السكوت عن القيادات عندما تخطئ، خطيئة...
ما هو وضع حركة التحرر العربية اليوم؟
قمة المأساة...
صحيح أن الملك والشاه طارا بفضل الله، كما يقول زياد الرحباني... أي أن الدين تكفل بما عجز عنه اليسار... إلا أن الإمبريالية التي لا تنام، استطاعت خلق شرخ في صفوف المتدينين...
فصار بعض بلهاء بلاد الشام يرددون مقولة الهلال الشيعي التي ابتكرها ملك الاردن حسين الذي يُذكًر المرء بملوك اسكتلندا الذين كانوا يقاتلون في صفوف الإنكليز ضد حرية شعبهم الذي يسعى ليكونوا هم الملوك على أرض اسكوتلندا...
أليس هذا فعله احفاد الشريف حسين؟
ليس المطلوب من الإسلاميين حمل المظلات في بلدانهم حين تمطر في طهران...
لكن المطلوب انتاج حاج قاسم سليماني كل يوم، وفي كل زاوية من فلسطين...
ولا يشكل حزب الله استثناء عن ذلك في لبنان...
إذا كانت إيران تضطر لظروف ما أن تتوقف عن تصدير الثورة وتُلجم الفكر الإسلامي الثوري من التمدد... فليس من حق حزب الله لجم الفكر الثوري من التمدد ونصرة المظلوم والعمل لاقتلاع الظالمين من القصور التي يعيشون فيها...
استمرار انتقاد حزب الله لا يعني أنه ليس أفضل المتاح حتى اليوم... بكل أسف...
لكن مراوحة حزب الله في خندق عدم المواجهة الشاملة مع الإمبريالية والتصدي بحزم للحصار والفساد والذل الذي يلحق بالناس؛ هذه المراوحة قاتلة... مميتة... مثبطة للآمال وقد تؤدي فعلاً إلى عدم سقوط بيت العنكبوت حيث الخطر يتهدد مجتمعاتنا أكثر بكثير مما نظن..
هل يكون الدين أفضل لمستقبل حركة التحرر الوطني العربية من اليسار؟
حتى الآن، ورغم الانتصارات التي حققها حزب الله، وبعض الانجازات التي حققتها حماس أو الجهاد... لا يزال الأفق غير واضح...
تَعَثَّر حزب الله في لبنان عندما دخل في لعبة الحفاظ على النظام بدل إسقاطه...
تعثر حزب الله عندما لم يذهب في مواجهة الحصار إلى حيث يجب...
تعثر حزب الله في لبنان حين لم ينحز إلى صفوف الناس ويعمل على تجذير الوضع الثوري بدل الاحتواء والسماح بحبسه داخل جدران الطوائف...
كل ذلك ينذر بالشؤم...
ليت جماعة حزب الله يتصدون للفساد والفاسدين بنفس القوة التي تصدوا فيها لسكيتش غبي صادر عن مقدمة غبية، على شاشة تتغذى من نفس ذلك الفساد الذي يمنع حزب الله ضربه خوفاً من فتنة صارت قميص عثمان آخر، في هذا الزمن الرديء...
حليم خاتون