ذهب اللبنانيون إلى الانتخابات البرلمانية وأعادوا تسليم الأمور لنفس الطبقة السياسية الحاكمة...
صحيح أنه جرى تبديل في بعض الوجوه، لكن نحو الأسوأ...
بدل اغبياء صامتين، جاء إلى الندوة أغبياء من أهل نسوان الفرن...
ما هي البرامج التي تمت على أساسها الإنتخابات؟
قسم كبير عاد بناءً على شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة...
طلب هذا القسم من اللبنانيين كم الأفواه والسكوت على كل الموبقات وعلى كل الفساد المستشري تحت شعار "مش وقتها" أو "تجنب الفتنة"...
وكأن هناك إمكانية لتطبيق العدالة دون مواجهة...
قسم كبير آخر حمل شعار "شو وقفت علينا؟" أو "بدنا نخلص، بلا فلسطين، بلا تحرير، بلا بلوط..."... هؤلاء رفضوا حتى لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وكانوا مستعدين لأكثر من هذا فقط لوضع فاصل بيننا وبين بقية الأمة...
هؤلاء ليسوا جُددا في تركيبة النظام في لبنان...
هم نفس النظام الذي حكم لبنان منذ أن كان لبنان ولا يزالون الآمر الناهي في البلد عبر الدولة العميقة التي تتكون من كل الأحزاب والتيارات المتواجدة في البرلمان...
هنا وضع حزب الله أو القوات في كفة على حدة، لا يجوز...
نعم الباقون... كل الباقين هم الدولة العميقة المتحكمة في القرارات المالية والاقتصادية في البلد ورياض سلامة ليس أكثر من موظف عند هؤلاء...
لكن حزب الله والقوات اللبنانية يشكلان طرفي نقيض داخل هذه الدولة العميقة؛ قد يختلفان في كيفية سير أمور الدولة، لكنهما يتفقان ١٠٠٪ على المحافظة على هذا النظام الذي تقوم عليه هذه الدولة، وعلى منع سقوطها تحت حجج وهمية تجعل من الفريقين مجرد Bodyguard لهذا النظام...
الفساد ظاهر، وبوضوح شديد عند كل الأحزاب والتيارات والحركات الأخرى ولا يستطيع أي كان إثبات، أو الإتيان بدليل واحد على فساد أي رئيس أو وزير أو نائب أو مدير أو أي موقع في هذه النظام، ببساطة لأن هذا ممنوع احتراماً للميثاق الذي يقوم عليه هذا النظام...
أساساً، الفساد في لبنان مُقونن بمراسيم، ومشاريع مراسيم تم التصويت عليها أو قبولها عُرفا أو كتابة في القانون الأساسي وفي قوانين الطائف والدوحة...
أما بالنسبة إلى حزب الله والقوات اللبنانية؛ لا يحتاج المرء
الى أي دليل إثبات على فساد أي كان من أتباعهما...
يكفي أنهما القوتان اللتان تقومان على حراسة وحماية النظام القائم المتهم بسرقة مئة مليار دولار من أموال الناس بالشراكة والتكافل والتضامن مع أصحاب المصارف... إضافة إلى هدر وتبديد أكثر من ثلاثمئة مليار دولار خلال ثلاثة عقود لم يجر خلالها لا بناء دولة ولا حتى بناء شبه دولة...
عفوا يا سيد، لا تطلب دليلا على فساد أي عضو في حزب الله...
الدليل الوحيد الذي نملكه هو الصمت على ما جرى وعلى ما يجري...
يحق لنا مطالبة حزب الله، وليس سمير جعجع، لأن مشروع سمير هو مشروع الأميركيين...
مشروع سمير جعجع هو مشروع التبعية للغرب...
مشروع سمير جعجع ليس بعيدا عن صفقة القرن وما قامت به الإمارات والبحرين والمغرب...
مشروع سمير جعجع هو مشروع السلام مع اسرائيل، والاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات يسميها فريق القوات علاقات طبيعية بين دول الأمر الواقع في منطقتنا...
لذلك، نحن لا نطالب القوات اللبنانية بشيء... نحن نقيض القوات... مي شدياق وشارل جبور بالنسبة لنا، ليسا شريكين في الوطن... هما عميلين للعدو الوجودي لهذا الوطن حتى لو مشى معهما أكثر من نصف من يتواجد على أرض هذا الوطن...
مشكلتنا لا يمكن أن تكون في محاولة تفهم القوات اللبنانية...
هؤلاء نقيضنا، ولا مجال للتعايش السلمي بين الوطني والعميل...
لا ضرورة لإجراء أي فحص DNA... العميل، عميل والتاريخ والمواقف أكثر من واضحة...
تاريخ لبنان منذ ١٩٢٠ حتى اليوم يحمل عناوين مجازر ارتكبت بحق اهلنا في صبرا وشاتيلا وتل الزعتر والنبعة والشريط الحدودي وشرق صيدا وغيرها... القوات حتى إذا لم تسرق، وهي قد سرقت؛
القوات حتى إذا لم تشارك في الفساد، وهي قد شاركت... تظل حزباً عميلاً...
مشكلتنا يا سيد هي مع حزب الله...
مشكلتنا هي أن حزب الله لا يزال مصرا على إصلاح ما هو غير قابل للإصلاح...
مشكلتنا هي أن حزب الله لا يستمع إلى صوت العقل والمنطق الذي يقول إننا نسير الى الهاوية...
مشكلتنا هي أن حزب الله مؤمن بنظام الطوائف والمذاهب ويقوم على حماية هذا النظام من السقوط...
مشكلتنا هي أن حزب الله لا يرى أن الأزمة في لبنان هي أزمة نظام في الاقتصاد والمال والإدارة... ولكن ما هو أهم من ذلك، أن الأزمة هي أزمة هوية وطنية وسياسية لهذا البلد...
مع اشتداد الأزمة قام رياض سلامة باختراع منصة صيرفة...
كل بضعة أشهر، يقوم الرجل بالتدخل المحدود لدفع الدولار الى الهبوط بضعة آلاف من الليرات قبل أن يقفز مرة أخرى إلى الأعلى...
أن يكون اغلب الناس جاهلين بما يفعله رياض سلامة شيء طبيعي...
لكن أن يكون حزب الله جاهلاً بما يحصل... هذه مصيبة...
وإذا لم يكن جاهلاً، المصيبة أعظم لما يعنيه هذا من مشاركة في التآمر على مصالح بسطاء الناس...
لن يكون هناك تثبيتاََ لسعر الدولار... هذا غير ممكن إلا في حالة واحدة هي قيام نظام اقتصادي غير حر يسيطر على البلد بالفعل وليس بالتهريج كما يحصل الآن...
توحيد سعر صرف الدولار غير ممكن إلا في نفس حالة قيام سلطة تضرب بيد من حديد، وتبدأ أول ما تبدأ بإلقاء القبض على كل الفاسدين ومصادرة كل ممتلكاتهم...
ماذا يفعل رياض سلامة ومن وراء رياض سلامة؟
أنهم يقومون ببساطة باللعب بالدولار هبوطا وصعودا، من أجل تحقيق أرباح تسمح بدفع رواتب الموظفين وبعض مصاريف الدولة من أرباح المضاربة على الدولار حيث هم من يتحكم بطاولة المضاربة وهم في النهاية من يربح، بينما الخاسر الوحيد هم الناس...
المصرف المركزي هو بنك الكازينو...
لبنان هو الكازينو؛ البنك لا يخسر...
لقد قام رياض سلامة حتى اليوم بطباعة حوالي ٧٠ تريليون ليرة لبنانية... أي حوالي ١٥ ضعف ما كان موجودا في السوق قبل الأزمة...
هو يتحكم بعشرة مليارات دولار هي الاحتياط الإلزامي الذي يجب أن يبقى بيده...
عندما بتدخل رياض سلامة لشراء الدولار عبر منصة صيرفة ب ٣٨ ألف ليرة للدولار هذا يعني أنه يحتاج فقط إلى ملياري دولار من الاحتياط الإلزامي لسحب كل الليرات من السوق...
هو لا يفعل ذلك...
هو يستعمل بضع مئات من ملايين الدولارات لسحب ما يحتاجه من أجل آخر الشهر وما تحتاجه الإدارة من سيولة...
في الظاهر، يخسر المصرف المركزي ٤ آلاف لكل دولار...
في الواقع هو سوف لا يلبث أن يعود إلى سحب نفس هذه الدولارات من السوق لإعادة الاحتياط إلى ما كان عليه... لكنه يكون قد قام بدفع كل المتوجب على طريقة... "من دهنو، قلًيلو"...
خسارة الأربعة آلاف ليرة تذهب بشكل أساسي إلى جيوب شركاء رياض سلامة في المصارف وكبار المستوردين ومن يقوم بتبييض الأموال في السوق...
هؤلاء من كل الأطراف بلا استثناء... لكن الخسارة تقع في النهاية على حساب الطرف الأضعف في المجتمع... العامة من الناس الذين لا يرتبطون بالأحزاب القائمة والذين يعيشون على هامش الحياة...
نظرة من فوق على لبنان تسمح لرؤية كيف يستفيد الجميع من الأزمة بطريقة أو بأخرى... لكن على حساب مستقبل الأغلبية العظمى من العامة...
أنا أفكر، إذا أنا موجود...
أنا لا أفكر بما يجري، أرضى بما يحصل، إذاً أنا حمار وأستحق معاملة العبيد التي اتعرض لها تحت أرجل كل أسياد هذا النظام بكل أركانه...
حليم خاتون