كتب الأستاذ حليم خاتون:
ليس كل المثقفين الذين يعيشون في فرنسا من المرتزقة...
هذا اكيد...
هناك في فرنسا الكثيرون من المثقفين الأحرار...
لقد كانت فرنسا على مدى عشرات السنين موطناً وملجأ للكثيرين من المناضلين من أجل الحرية فعلاً...
لكننا لا نرى هؤلاء إلا نادراً على وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة أو على قنواتنا اللبنانية...
نراهم فقط حين تستلزم ذلك ما يسمى مصالح فرنسا العليا...
لكن بشكل عام هناك أبواق عربية ولبنانية لفرنسا حين يستوجب الأمر...
يقول الاستاذ تمام نور الدين على قناة الجديد إن كل وسائل الإعلام في فرنسا مملوكة للدولة الفرنسية لضمان حريتها!!! وحيادها!!!...
الى أي مدى يمكن أن يكون هذا صحيحاً...؟
المعروف أن اللوبي الصهيوني العالمي يملك معظم الإعلام الغربي...
هذه الحقيقة ليست لغة خشبية بقدر ما هي نتاج ابحاث علمية كثيرة...
حقيقة تبعية هذا الإعلام ظهرت أكثر من مرة وفي أكثر من بحث علمي موثق... كان أحدها على ما اعتقد مع جورج غالاوي على قناة الميادين...
تشاء الصدف!!! أن يكون عمالقة الصحافة ووسائل الإعلام والاتصال إما يهوداََ صهاينة وإما صهاينة بالتبني...
خير مثال على هذه التبعية هو تحول جريدة ال "لوموند" الفرنسية من الموضوعية إلى ما يشبه المتحدث باسم الامبريالية، وتحول ال "ليبيراسيون" من اليسار الى ليبيرالية الرجل الأبيض...
ثم ألا تنسحب هذه التبعية على معظم الساسة والحكومات الغربية؟
أليس الكيان الصهيوني مجرد كلب حراسة لمصالح هذا الغرب في منطقتنا؟
لذلك، كل كلام عن حرية وحياد هذا الإعلام ليس أكثر من أضاليل كررها أمس الاستاذ نور الدين مع السيدة حليمة طبيعة على الجديد...
المكتوب يظهر من العنوان...
لم نر هذا الاعلام الغربي يرسم كاريكاتورا واحداً ضد الديانة اليهودية، وهذا ليس مطلوبا أساساً...
لكنه يفعل هذا كل يوم ضد الديانتين المسيحية والإسلامية خاصة عندما يتناول بسخرية عذرية السيدة مريم، أو تعدد زوجات نبي المسلمين، وتكرار مسرحيات إحراق نسخ القرآن الهزلية بين الحين والآخر...
أما عن زعم ضمان حيادية الإعلام بفضل ملكية الدولة الفرنسية لهذا الإعلام على حد وصف الاستاذ تمام... هذا قمة المسخرة بعينها... يبدو أن الاستاذ تمام نور الدين يشاهد كثيرا افلام الكارتون مع توم وجيري...
ما ينطبق على فرنسا ينطبق على كل الإعلام الغربي وآخر حلقاته تعامل ال BBC في بريطانيا مع موظفيها الذين يبدون ولو شيئاً من التعاطف مع القضية الفلسطينية...
أما موضوعية الغرب وحريته وحياده...
فهذا ظاهر تماما في تجريم أي سردية عن الهولوكوست ومعاداة السامية تختلف عن سردية اسرائيل في كل الدول الغربية بلا استثناء...
قد يقول الاستاذ نور الدين أن فرنسا غير بريطانيا...
هناك فعلا بعض الفرق بين فرنسا من جهة، وبقية الدول الأوروبية التي تسير كما الاعمى خلف اميركا وحلف الناتو، لكن لهذا سبب واحد فقط، هو الحفاظ على شعرة معاوية مع لبنان خدمة للمصالح الرأسمالية الفرنسية التي لا تستطيع اختراق القلاع الانكلو- ساكسونية في معظم العالم العربي، فتعمل للحفاظ على آخر حصن لها في بلدنا، رغم أن أميركا قد طوبت النظام، وأهل النظام في لبنان منذ زمن طويل...
أما دفاع الاستاذ تمام نور الدين عن صوفي عمارة وزميلها ومحاولة صبغهما بالموضوعية فيكفي العودة إلى جريدة الأخبار اللبنانية التي أظهرت بوضوح ميول هذا الفريق الداعم لجماعة اميركا في لبنان، وفي أكثر من وثائقي...
حتى وثائقي عمارة عن تكسير عظام أطفال الحجارة في فلسطين الذي يتحجج به نور الدين، فهذا كان قبل غزو العراق، يوم كانت فرنسا لا تزال تملك بعض الاستقلالية عن حلف الناتو وكانت تعتقد أن هذا يقرب المسافة بينها وبين العالم العربي الغني إلى أن اكتشف شيراك أن كل النظام الرسمي العربي في الخرج الأميركي وأنه خرج من مولد العراق بلا حمص، فغير، واستدار ٢٨٠ درجة، وحاول، ومات وهو والنظام الفرنسي لا يزال يحاول لحس قفا الأميركيين اينما كان وفي كل زمان ولو مع بعض التميز...
الغريب أن لا تجد "الجديد" غير تمام نور الدين والأستاذة رندة تقي الدين للاتصال بهم من بيروت لاخذ آخر المستجدات الفرنسية...
صحيح أن المعنيين نور الدين وتقي الدين على صلة بالإدارة الفرنسية ويخدمان أجندتها...
وصحيح أنه يمكن عبرهما معرفة رأي هذه الإدارة فيما يخص لبنان؛ لكن هذا لا يعني أنهما يتمتعان بالموضوعية، خاصة فيما يخص الوضع في لبنان والعراق وسوريا واليمن...
هما يمثلان تحديداً، وجهة نظر الإمبريالية الفرنسية لا غير...
كلام تمام نور الدين دفاعاً عن المحقق طارق البيطار ودفاعه عن فذلكة استقصائية نفذتها صوفي عمارة ليس سوى بداية تأزيم أكثر وأكبر للساحة اللبنانية...
عما يدور الحديث؟
فجأة، استيقظت الدولة الفرنسية وقررت بث برنامج عن تفجير مرفأ بيروت؟
أما لماذا الآن... ببساطة لأن الغرب الغاضب جدا بعد يقظة روسيا واندلاع الحرب في أوكرانيا قرر التصعيد مع إيران ومع حزب الله، ومع أية إمكانية نشوء مقاومة حقيقية في فلسطين...
قد يعتقد الغرب أن باستطاعته العودة بالعقارب إلى زمن الاستعمار المباشر...
هناك حلف غربي اسرائيلي رجعي عربي قرر تأديب حركات التحرر الوطني في المنطقة عندنا...
ما يحدث في جنين ونابلس لا يعجب هذا الغرب...
ذهب بلينكن إلى فلسطين المحتلة ووجه كلاما قاسياً الى محمود عباس...
لقد فشلت السلطة الأمنية في فلسطين في كبح الروح داخل الشعب الفلسطيني...
المطلوب من عباس إعادة تشكيل قوة القمع الأمني لمواجهة ابطال فلسطين قبل أن يزدادوا قوة ويقلبوا كل المعادلات...
بلينكن جاء ليؤكد شخصياً التحذيرات التي حملتها إلى عباس المخابرات المصرية والأردنية...
في لبنان، يجري تجميع القوى التابعة للمعسكر الغربي...
كل التهاون الذي أظهره حزب الله لم يعد يقنع الغرب بإمكانية احتواء هذا المحور...
ألا تتواجد فرنسا داخل سوريا تحت المظلة الأميركية؟
ما ردده تمام نور الدين عن حقوق القاضي بيطار بأخذ التحقيق إلى حيث يريد الغرب ليس سوى البداية...
هذا ليس سوى رأيا فرنسيا عما سوف يؤدي إليه اجتماع الأربعة زائداً مصر في الاسبوع المقبل حول لبنان...
غدا، سوف يظهر وثائقي صوفي عمارة للبدء بحملات منظمة ضد حزب الله تربطة بتجارة المخدرات والتسبب بانفجار المرفأ...
ساعدهم في ذلك حرص حزب الله على تجاهل نظرية أن يكون تفجير المرفأ عملا متعمدا قامت به اسرائيل تحت غطاء أميركي وربما غير أميركي أيضاً...
بعد غد، سوف تخرج اجتماعات أميركا وفرنسا والسعودية وقطر زائدا مصر لتحاول لف حبل المشنقة حول عنق حزب الله...
هل اخطأ حزب الله في انتظار هذا الهجوم الغربي المفاجئ؟
لقد حذر حزب الله كل القوى على لسان السيد حين تنبأ أن التصعيد آت لا محالة في المنطقة...
تمام نور الدين والقاضي طارق البيطار وتحالف المتباكين على سيادة لبنان الضائعة ليسوا جميعاً سوى طلائع هذا التصعيد...
لم يعد الغرب يحاول احتواء إيران بعدما ذهبت مسيراتها إلى أوكرانيا وأذلت الغرب هناك...
صار الغرب على يقين أن روسيا لن تتراجع وان الربيع القادم في أوروبا لن يكون أخضرا هذا العام...
صار واضحا أن اتجاه الريح هو معركة مصيرية بين الغرب من جهة، وروسيا ومن خلفها مواربة الصين وحتى إيران وربما آخرون ممن قد يتجرأ على كسر القيود والخروج إلى العالم المتعدد الأقطاب...
في هذا العالم الجديد، يشكل حزب الله أحد أهم عناصر القضاء على كلب حراسة النفوذ الغربي...
المعركة بدأت...
حزب الله يعرف هذا، لذلك يحاول وقبل فوات الأوان أن يؤمن الحد الأدنى من تماسك لبنان ومنعه من التشظي على أيدي الفيدرالية وجماعة اللامركزية الموسعة...
لقد وصل الأمر إلى الوقت الذي لطالما تحدث عنه الحزب حين كان يهادن الفاسدين خوفاً على الكيان اللبناني...
هل ينجح؟
يد واحدة لا تصفق...
وجود حركة أمل إلى جانبه وإن كان لأسباب أخرى تماماً، لا يكفي...
إذا اندلعت الحرب العالمية الثالثة وهي صار نصفها داخل الأسوار، لن يبقى للبنان كيان...
وحده الحد الأدنى من التفاهم مع اغبياء لبنان قد يحفظ الكيان، وهذا صار وراءنا على ما يبدو...
المهم أن يكون الاصبع على الزناد لأن فيالق ال ١٥٥٩ صارت هي أيضاً على الأبواب...
من يريد تقسيم لبنان قد كسب نصفه حتى الآن، وهو يريد افتراس النصف الثاني...
الحل يكون بأن يبدأ الحزب فورا بتجميع جبهة وطنية عريضة قوية متماسكة ضد الخطر الداهم...
الجماعة صاروا بقلب الدار...
من يريد السلم، عليه الاستعداد لهذه الحرب...
حليم خاتون